هارون يحيى
طرحت الهجمات الإلكترونية التي دخلت إلى حياتنا مؤخرًا بُعدًا آخر لمفهوم الحرب، يقوم المحاربون الإلكترونيون بكتابة أسطر قليلة فقط من الأوامر البرمجية، ويمكنهم اختراق الأسلاك عبر حزم الفوتون وبسرعة البرق يبدؤون الهجوم وينتهون منه في لحظة.
وقد تستخدم هجمات الإنترنت لأهداف كثيرة داخل الدول وفي السياسات الدولية، ومن ضمن أهدافهم التجسس والتلاعب والاحتيال وإسقاط الأنظمة من الداخل عبر القنابل الإلكترونية، وقد حدث أكبر هجوم على شبكة الإنترنت عام 2001 من داخل الولايات المتحدة على الرغم من وجود أنظمة الدفاع المتقدمة.
من ناحية الأرقام، من المعروف أنه في عام 2015 فقط تكبدت الشركات خسائر تصل إلى 400 مليار دولار بسبب الهجمات الإلكترونية، وحيث تعتبر هذه الهجمات خطرًا بالغًا على الشركات، فهم يتأكدون أن قطاع الأمن يواكبهم بأحدث التطورات. في أوائل عام 2106 كانت 100 مليار دولار قد أنفقت بالفعل على أجهزة الحماية، ولن يكون غريبًا أن يتضاعف هذا الحد في الأعوام المقبلة.
تشكل أجهزة الدولة العميقة والجماعات الفكرية التي تستخدم تكنولوجيا الإنترنت الجانب الأكثر خطورة في هذه الحروب الافتراضية، ويلجأ خاصة زعماء الأيديولوجيات الفوضوية الخطرة، والشيوعيون المتعطشون للدماء والفاشيون والرأسماليون المتوحشون والنازيون الجدد والكارهون للأجانب، وحركات كثيرة مشابهة تستخدم العنف للوصول إلى أهدافهم، يلجؤون اليوم للهجوم عبر شبكة الإنترنت. وكون الشخصيات الرئيسية في الجماعات التي تتورط أسماؤها في الهجمات الإلكترونية هم من أصحاب الأيديولوجيات الشيوعية اليسارية، هي حقيقة مهمة فيما يتعلق بحجم هذا الخطر. وقد اتضح مؤخرًا أن غالبية الصينيين الذين يعملون في شركات التكنولوجيا يتم تنظيمهم من قبل الجيش الصيني كوحدات هجوم إلكتروني، ويعرف هؤلاء الأفراد باسم "الجنود القراصنة" ويقومون بتنفيذ الهجمات كلما دعت الحاجة، ويعتبرهم الجيش الصيني جنودًا. ما يعيد إلى الذهن أن الكثير من البلدان التي كانت هدفًا لتلك الهجمات في العام الماضي، وتحديدًا الولايات المتحدة، حملت الصين المسؤولية، فلا يجب بأي حال تجاهل احتمال أن تكون هذه الحروب الإلكترونية شرارة لصراع دولي.
من الناحيتين، الحياة الإنسانية وأمان وسلامة الدول، فهو أمر جوهري أن نفهم شدة المدى الذي وصلت إليه الهجمات الإلكترونية وأن نعرف حلولها الصحيحة، سواء كان السلاح أو لوحة المفاتيح، فإذا استخدم هجومًا لإحداث الضرر بالطرف الآخر أو لإثارة الفوضى فذلك يسمى إرهابًا، ومثلما يعتمد التخلص من الضرر المادي على الصراع الأيديولوجي، كذلك لا يمكن التخلص من الإرهاب الإلكتروني سوى بالأعمال العلمية والبحثية الملائمة. من ناحية، تنفق الدول أموالها على الأسلحة، بينما من ناحية أخرى فهي تنافس لجمعها لتقنيات الحماية الإلكترونية، ومع ذلك فتكلفة هذه المصاريف يمكن أن توفر بسهولة ملجأ وطعامًا للمحتاجين الذين أجبروا على الهرب من سوريا، وأن تقضي تمامًا على الجوع في أفريقيا. تكفي هذه المصروفات لإنهاء التشرد والفقر حول العالم، وتكفي تمامًا للبدء في وضع ميزانية لعلاج الكثير من الأمراض والإسهام في تطور العلوم الطبية. ولكن لفعل ذلك، مثلما في الحروب المادية، يجب أن تكون المواجهة بالحرب الإلكترونية أيضًا، وأن يكون استئصال السبب الذي يقود المجتمعات إلى الفوضى من خلال الطرق العلمية.
الفوضى هي حالة عقلية، والأسلحة هي مجرد وسيلة لها، والخطأ الأكبر الذي يُرتكب اليوم هو التركيز على التخلص من تلك الأسلحة وممن يحملها بدلًا من التركيز على عقليته. وطالما يتم ارتكاب هذا الخطأ، ستبقى الأموال التي يجب إنفاقها على إطعام الفقراء، تنفق على مصاريف وسائل الحماية.