يعلم العالم كله الآن بالإبادة الجماعية العرقية والدينية التي يتعرض لها مسلمو الروهينجا. وقد أعدت منظمات حقوق الإنسان تقارير لا حصر لها حول القضية. بلغ حد الاضطهاد مستوى دفع الأمم المتحدة أن تستخدم تعبير «الأكثر تعرضا للاضطهاد حول العالم» كي تعرف مسلمي الروهينجا. إلا أن كل هذا فشل في إنهاء الاضطهاد المتواصل في ميانمار.
وبعد الزيادة التي شهدتها حالات العنف ضد المسلمين في التاسع من سبتمبر 2016، أعدت التقارير عن هذه الحالات استنادا إلى شهادات أبلغها 220 شاهد عيان من الذين أجبروا على الهروب إلى بنجلاديش. وقد أوضح التقرير أن المسلمين يتعرضون للمذابح والسلب والنهب ويواجهون حالات الاختفاء والاغتصاب. كما ذكر في التقرير أن المعلمين والمشايخ وقادة المجتمع والأشخاص ذوي الحظوة يختارون على وجه التحديد، ومنهم من يتعرض للاغتصاب أو العنف الجنسي، وأيضا يوجد أطفال بين هؤلاء بعضهم فقدوا حياتهم.
وقد بلغ عدد أبناء الروهينجا الذين اضطروا إلى مغادرة بلادهم منذ التاسع من سبتمبر 92 ألف شخص.
تعد بنجلاديش الدولة الأقرب لأن يلجأ إليها أبناء الروهينجا الذين أجبروا على ترك بلادهم. بيد أن القرار الذي اتخذته مؤخرا وزارة الخارجية البنجالية، الذي يرمي لإرسال مسلمي الروهينجا القادمين إلى البلاد باعتبارهم طالبي لجوء إلى جزيرة ثنجار تشار الواقعة في خليج البنجال، حيث لا يمكن الوصول إليها إلا عبر القوارب، هو قرار مثير للجدل في الوقت الحالي. ناهيك عن ذكر حقيقة مفادها أن المنطقة المشار إليها تبقى غارقة في المياه معظم أوقات العام، بسبب مد الفيضانات، وتتحول إلى مستنقعات عندما ينحسر مد المياه. لذا لا تقدم الجزيرة أي مكان يحتمل العيش فيه. كما أنها لا تمتلك أي مرافق، مثل المنازل أو المدارس أو المستشفيات.
تحتم القيم الأخلاقية الإسلامية على المسلم أن يخاطر حتى بحياته لحماية أي شخص يلجأ إليه. وأيا كانت الظروف، فمن واجب المسلمين أن يوفروا حماية لمن يحتاج إليها، حتى إن كان هذا الشخص ليس من المؤمنين. فضلا عن أن القضية هنا هي مسلم يولي عنايته بمسلم آخر، فهذا الالتزام هو ما يمليه الضمير والحس الإنساني، وهو شيء حسن ينبغي أن ينجز.
غير أنه في ظل الأساس المادي الذي بني عليه العالم، والذي تحكمه أيديولوجية فاسدة مفادها أن «البقاء للأصلح»، بدأت الممارسات القمعية تنفذ على أساس دولاتي. إذ إن اللاجئين الذين يحتاجون إلى الحماية ينظر إليهم على أنهم زائدون عن الحاجة، بينما تهمل حقوقهم في الحياة تماما نتيجة لعجزهم.
يمكن حل هذه المشكلة عبر طريقتين: إحداهما موقتة والأخرى دائمة. تكمن أولاهما في زيادة سلطة الأمم المتحدة لأن تفرض عقوبات على الدول وأن ترسم استراتيجية تحمي بدورها كليا المضطهدين في شتى بقاع البسيطة. كما ينبغي أن تكون الأمم المتحدة قادرة على اتخاذ مبادرات، ولا سيما في البلدان الفقيرة مثل بنجلاديش، وأن تشارك في الموقف هناك مباشرة.
ومن أجل هذه الغاية، يجب إعادة تعريف مصطلح «لاجئ» وفقا لظروف اليوم. وإن كانوا لاجئين أو طالبي لجوء، ينبغي أن يوضع الوافدون الجدد تحت رعاية ذات ظروف آدمية وينبغي أيضا أن تسن القوانين المتعلقة بحقوقهم في المواطنة والعمل. لا شك أن الأمم المتحدة سوف تحتاج إلى أموال للوفاء بهذا. لكن هذه الاحتياجات يجب أن توفرها الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة، وفي هذا الصدد ينبغي إنشاء صندوق يسهم فيه كل بلد عضو بالأمم المتحدة وفقا لما تسمح به ميزانيته. قد تبدو هذه المبادرة غير قابلة للتصديق، آخذين في الحسبان حقيقة أن جزءا من الدول الأعضاء لا يزال عليه أن يدفع تكاليف عضويته. غير أن المبلغ المحصل من المبالغ السنوية التي تدفعها الدول الأعضاء، والأموال التي سوف يسهمون بها لتمويل الصندوق ينبغي أن يعترف بها نتيجة للتشريعات المرتقبة.
أما الحل الدائم، فيكمن في تغيير هذا العالم وجعله عالما من الجمال الذي يؤسس على أعمدة الحب والضمير. ولكي نحقق هذا علينا أن نوجه ضربة علمية لهذه العقلية المادية عن طريق إلغاء نظام التعليم المادي. فقد غمرت العقلية المادية الحالية البلاد الإسلامية أيضا، وهي تشجع انعدام الضمير إلى أقصى درجة ممكنة. لذا، سيكون منعها أهم الخطوات التي تتخذ لتوفير الحماية للمضطهدين.