هارون يحيى
نحن على مشارف الذكرى الـ 16 لكارثة 11 سبتمبر، هذا الحادث الإرهابي المروع الذي يُعد كارثة كبرى تستحق قدرًا من الإدانة مثل أي نشاط إرهابي يحدث في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك فإن الاستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة للتغلب على أحداث 11 سبتمبر كانت تعتريها الأخطاء، شأنها في ذلك شأن العديد من السياسات الخارجية التي انتهجها الولايات المتحدة الأمريكية على مدار السنوات العشرين الماضية.
تصرفت إدارة الرئيس بوش بدافع الرغبة في الانتقام وهو ربما ما مهد الطريق أمام العديد من التطورات المروعة في منطقة الشرق الأوسط. كان استخدام الأسلحة هو رد بوش على التطرف وليس المعرفة والعلم، وهو ما دفع الإسلاميين الراديكاليين كي يصبحوا أكثر تعصبًا، وأصبح بوش هو السبب وراء الارتفاع المتزايد في أعداد المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط.
جاءت إدارة أوباما - التي حلت محل بوش - إلى السلطة بوعود لتصحيح الأخطاء التي تم ارتكابها في منطقة الشرق الأوسط ولكنها حتى الآن مستمرة في تنفيذ أخطاء مماثلة وإن كانت الأساليب مختلفة. في ظل حكم أوباما، لجأت الولايات المتحدة إلى أسلحتها - مرة واحدة - كورقة رابحة بدون إيلاء أي اعتبار لشعوب ومُعتقدات وثقافة المنطقة.
في ذكرى 11 سبتمبر يجب على الولايات المتحدة أن تعيد النظر بعمق في سياستها حيال منطقة الشرق الأوسط والتي تشهد تطورات منذ عام 2011، إذ ينبغي عليها التعامل مع هذا الأمر بمنطق النقد الذاتي. في سياق متصل، وفي ضوء الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقرر إجراؤها في شهر نوفمبر، فمن المؤكد أننا سنعرب عن تطلعاتنا بشأن الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية.
أدى الشعور بالانتقام إلى خراب الولايات المتحدة وأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط. إن مسار العمل الصحيح الذي يجب أن تتبعه الولايات المتحدة هو عدم الإصرار على السياسة الواقعية وأن تتبنى – بدلًا من ذلك – السياسة العقلانية والوجدانية.
إن المؤسسات والمراكز البحثية التي توجه سياسات الشرق الأوسط من الولايات المتحدة معروفة لدى الجميع. الأسماء نفسها خرجت للسطح، والاستراتيجيات نفسها لا زالت قائمة وتبقى الأخطاء التي تم ارتكابها في معظمها متشابهة، وبالتالي فإنه من المهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة أن تركز على وجهات نظر مختلفة وأن تنتبه جيدًا للدوائر التي على دراية بروح الشرق الأوسط والإسلام الصحيح، وأن تعمل بالتعاون مع هذه الدوائر.
في السياق نفسه، فإن الولايات المتحدة دائمًا ما تعطي الأهمية للمشورة المُقدمة من بعض المؤسسات والمنظمات غير الحكومية الأمريكية التي تتخذ من بريطانيا مقرًا لها بشأن استراتيجياتها، ومع ذلك فإن السياسات الخارجية التي صاغتها تلك المؤسسات لا تخدم سوى مصالح الدولة البريطانية العميقة وليست الولايات المتحدة الأمريكية. يجب على الولايات المتحدة أن تنظر بدقة في هذه الحقيقة.
إن مشروع الشرق الأوسط الكبير كان – إلى حد كبير – مشروعًا غير مقنع وحصل على كراهية الشرق الأوسط بأكمله باستثناء المنظمات الشيوعية، واليوم أصبح أكثر وضوحً أن تركيا وروسيا لن تسمحا أبدًا بمشروع كهذا أن يتحقق. إن محاولة إعادة ترسيم المنطقة بالقوة ستؤدي إلى تأجيج العداء ضد الولايات المتحدة ومن المستحيل أن تحقق الديمقراطية التي طال انتظارها.
ليس هناك شك في أن ديمقراطية الولايات المتحدة والشعور بالحرية سوف يتناسب تمامًا مع الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإنه لمن غير المعقول أن تُصاغ السياسات داخل الشرق الأوسط من خلال التحليلات التي يُجريها بعض الأفراد من أولئك الذين ينظرون للشرق الأوسط بأنه جزء غير هام من العالم ويسعون إلى إبادة شعوبه من على الخريطة. منطقة الشرق الأوسط هي مهد الأنبياء، وهي المنطقة التي تسكنها أعراق من تلك التي انحدرت من نسل الأنبياء. ولكي يصبح شخص ما قادرًا على الوصول للتشخيص الدقيق وبالتالي تقديم الإرشادات الدقيقة التي تتناسب مع منطقة الشرق الأوسط، ينبغي عليه أولًا – وقبل كل شيء – أن يكون على دراية تامة بقيم الإسلام الحقيقية التي تستند إلى القرآن الكريم، ومن ثم إدماج هذه القيم الأخلاقية من خلال استراتيجية قابلة للتطبيق، عندما يأخذ خبراء السياسة الخارجية الأمريكية هذا في الاعتبار، سيدركون فورًا أن ما يحتاجه الشرق الأوسط ليس الحرب والانتقام بل الحب والفهم الإسلامي الصحيح.