عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدأت النزعة القومية المتطرفة تنتشر في فرنسا كغيرها من الدول الأوروبية،
ومع أحداث الأزمة الاقتصادية في 2008 والتي تسببت في ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو، وكذلك المخاوف الاجتماعية من تدفق المهاجرين من مناطق الصراع أدت بشكل كبير إلى تصاعد تلك النزعات المتعصبة، فأصبحت فرنسا أرضًا خصبةً لتلك الميول المتطرفة كرفض الأجانب والإسلاموفوبيا ومعاداة المهاجرين ومعاداة السامية.
كانت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري قد رصدت ارتفاعًا في معدلات العنصرية ورفض الأجانب في فرنسا، حيث تشير البيانات الواردة من مؤسسات دولية لحقوق الإنسان إلى وقوع اعتداءات عنصرية متكررة ضد المسلمين في فرنسا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، وأنها قد زادت إلى ثلاثة أضعاف عام 2014، حيث رصدت 330 حالة في 2015 مقارنة بـ 110 في 2014. بالتأكيد ليس من الصعب تخمين زيادة هذا الرقم بكثير عقب أحداث 13 نوفمبر الإرهابية في باريس.
رُصِدت حالات العنصرية والإسلاموفوبيا في كل قطاعات المجتمع الفرنسي. مؤخرًا، أعلنت وزيرة العمل السابقة نادين مورانو في تصريح للقناة الثانية الفرنسية أن فرنسا دولة مسيحية وأن شعبها ينتمي للعرق الأبيض.
في مايو الماضي، طالب روبرت شاردون، عمدة بلدة فينيل الجنوبية في منشور كتبه على حسابه الشخصي على موقع فيس بوك بحصر الإسلام في بلاده، كما قال فلوريا فليبو - نائب رئيس حزب الجبهة الوطنية - إنه على استعداد للقتال من أجل منع الإسلام في فرنسا.
التمييز العنصري لم يتوقف عند هذا الحد وظهر أيضًا في بعض الممارسات الرسمية مؤخرًا. على سبيل المثال، في 2008، تم ترحيل 3000 مهاجر بالمخالفة للقوانين الدولية. وفي 2010، تم تدمير 300 مخيم للمشردين وترحيلهم خارج البلاد. الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت نيكولا ساركوزي والذي ينتمي لأسرة مهاجرة بالأساس، قام بتوجيه اللوم للمهاجرين بلهجة قاسية - المشردين منهم بالخصوص - بكونهم سببوا الكثير من المتاعب لفرنسا.
حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف جاء في المركز الأول خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في 2014 بحصوله على نسبة 25.24%، كما تمكن الحزب من الحصول على 28% من إجمالي الأصوات خلال الجولة الأولى للانتخابات المحلية التي جرت الشهر الماضي، وحل في المركز الأول من حيث عدد الأصوات في 6 مناطق من أصل 13. كان هذا إنجازًا كبيرًا بالنسبة للحزب، إلا أن الحزب فشل في جميع المناطق في الجولة الثانية، حيث استطاعت الأحزاب الأخرى تكوين تحالفات قوية.
على الرغم من أن وسائل الإعلام الدولية قد أبدت ارتياحها لتلك النتيجة، إلا أن هذا لا يثبت سوى أن نتائج الانتخابات الوطنية تم تفسيرها بشكل خاطئ. الحقيقة هي أن حزب الجبهة لم يعقد أية آمال للفوز بالمرحلة الثانية لأنه لم يكوّن أية تحالفات، إلا أن الوضع الحالي لا يغير من حقيقة أن الحزب مدعوم من ثلث الشعب الفرنسي.
جميع الاستطلاعات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية التي تُجرى في إبريل من العام المقبل تكشف ارتفاع أسهم مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة وأن نسبتها لن تقل في المرحلة الأولى عن 30% مع احتمالات ارتفاعها في الجولة الثانية إلى 40%.
الأمر الأكثر أهمية هو أن 54% من الفرنسيين يعتقدون أن حزب الجبهة هو حزب وطني ينتصر للقيم القومية بدلًا من رؤيته على صورته الحقيقية كحزب يميني متطرف. حقيقة أن 54% من الشعب الفرنسي يعتبر هذا الحزب كحزب عادي يوضح أن الأصوات التي يمكن أن يحصدها الحزب في الانتخابات قابلة للزيادة بشكل كبير وفق الظروف الجارية وقت الانتخابات.
ما يحدث الآن ما هو إلى حالة من تكرار الماضي، ففي سياق تاريخي، بالعودة إلى الأزمة الاقتصادية، انتشرت حالة من الارتياب الاجتماعي وارتفاع سهم اليمين المتطرف في المجتمعات الأوروبية نتج عنها انتشار الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا في الأمس القريب. إذا أردنا أن نضع تلك الأرقام والحقائق في سياق موضوعي، فعلينا أن نتذكر سريعًا بعض أحداث الماضي.
مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة في 1929، حينما وصلت معدلات البطالة في ألمانيا إلى 30%، استطاع حزب هتلر النازي الحصول على 33% من الأصوات في الانتخابات التي جرت عام 1932 ثم 44% في انتخابات عام 1933، ليصبح الحزب النازي هو الحزب الأكبر في الرايخستاغ (البرلمان الألماني).
تراجع الاقتصاد الإيطالي بشكل كبير خلال الحرب العالمية الأولى، ومع أزمة الإضرابات الشاملة التي ضربت البلاد عام 1920، قرر بينيتو موسوليني الزحف على روما عام 1922، بعد قيامه بانقلاب عسكري وتنصيب نفسه حاكمًا لإيطاليا، استطاع الفوز بنسبة 61% من الأصوات في انتخابات عام 1924. ومع قيامه بحصر الأحزاب الأخرى عام 1928، استطاع موسوليني الحصول على 98% من الأصوات عام 1929 وزادت النسبة لتصل إلى 99% عام 1934، ومع هذا الفوز، بدأت الفاشية في الانتشار في إيطاليا.
ما نراه الآن في فرنسا هو تكرار لهذا التاريخ خطوة بخطوة، فلم يعد الأمر مستبعدًا الآن أو مجرد توقعات، فالطبقات الفقيرة والمتوسطة التي أوصلت هتلر وموسوليني إلى الحكم هي ذاتها المؤيدة الرئيسية لحزب الجبهة في فرنسا. وفقًا للأرقام التي أعلنتها لوبال، ينضم إلى حزب الجبهة 600 عضو جديد يوميًا. دعونا نفترض لوهلة أن اليمين المتطرف قد وصل إلى سدة الحكم في فرنسا، ما الذي يمكن أن يحدث حينها؟
مع عقلية تقوم بالأساس على رفض الأجانب والإسلاموفوبيا ومع إدارة ونهج سلطوي يوجه الدولة في ذات الاتجاه، سيكون معنى ذلك هو نهاية الحرية والمساواة والإخاء، وهي الكلمات الثلاثة التي تمثل القيم الأساسية للجمهورية الفرنسية.
ليس صعبًا أن نتخيل كيف يمكن أن يضر العداء تجاه سبعة ملايين مسلم ومهاجر في فرنسا والذين تقترب نسبتهم من 30% من السكان، جنبًا إلى جنب مع اللاجئين للدولة الفرنسية.
ربما أيضًا تؤدي الحالة شبه الفاشية في فرنسا إلى قطع علاقاتها مع الدول الأوروبية الأخرى، فمن المعروف أن الشرط الأساسي لانضمام الدول للاتحاد الأوروبي هو احترام حقوق الأقليات وتطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والميثاق الاجتماعي الأوروبي ومعايير كوبنهاجن.
من المعروف أيضًا أنه لن يكون هناك مكان في الاتحاد الأوروبي لدولة تمارس التمييز ضد مواطنيها ومع حلفائها من الدول الأخرى حيث أن التواجد في الاتحاد الأوروبي يشترط تطبيق الاتفاقيات والمعايير التي ذكرناها سابقًا.
وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في فرنسا سيعني أيضًا انشقاقها عن منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث أعلن حزب الجبهة هذا الأمر على موقعه على شبكة الإنترنت سابقًا، وحينها لن تكون فرنسا أكثر أمانًا إذا تخلت عن عضويتها في التحالف، لذا فمن الواضح أن خطوة كتلك لن تكون مفيدة بالنسبة للأمن الفرنسي أو للسلام العالمي بشكل عام.
الفرنسيون ليسوا بغرباء عن الفاشية، خلال الحرب العالمية الثانية قتلت الفاشية أكثر من 53000 فرنسي وقسمت البلاد إلى نصفين ودمرت مدنًا وقرى فرنسية بالكامل.
لهذا السبب، تنص المادة الأولى من الدستور الفرنسي على أن فرنسا تكفل مساواة جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز يقوم على الأصل أو العرق أو الدين، وتحترم جميع المعتقدات، كما جعلت ممارسة أي شكل من أشكال التمييز جريمة يعاقب عليها القانون وفق المادة 225 من قانون العقوبات الفرنسي.
بالتأكيد، لن يكون أمرًا عقلانيًا أن يتناسى الفرنسيون كل هذه الأمور ويتوجهوا لدعم أيديولوجية اليمين المتطرف المشابهة للفاشية، فمن الحقائق الاجتماعية أن المواطنين ينتهجون التطرف عندما تبقى المشكلات معلقة في بلادهم لتتحول إلى أزمات أكبر.
ما يقوم به الشعب الفرنسي كردة فعل لأحداث 13 نوفمبر يتوافق تمامًا مع تلك الأطروحة، إلا أنني أؤمن أن الشعب الفرنسي لديه من الوعي الكافي لتكرار الخطأ مرتين. نيابة عن السلام العالمي، ومن أجل الشعب الفرنسي، أتمنى ألا يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى.
مصادر
[1] http://www.dogruhaber.com.tr/haber/189175-fransada-islamofobi-artiyor/