جاء رمضان أخيرًا. المسلمون في كل أرجاء العالم من إسطنبول إلى كراتشي، من المدينة إلى كوالالمبور يحيون ويحتفلون بقدوم أفضل أوقات العام بالنسبة لهم. بعد أسابيع من التجهيزات، أكثر أوقات العام احتفالية وصلت كأغنية من التهليل والاحتفاء يصل صداها إلى السماء، أضواء المئذنة تضيء سماء الليل وشهر الصيام الممتع قد بدأ.
ها قد بدأ الشهر وحلت البركة وملأت الأجواء بشكل واضح، رمضان كما كان دائمًا منذ 1400 عام وخلال التاريخ الإسلامي الطويل يأتي من جديد بجماله المعهود.
بطريقة خاصة ولكن واضحة للعيان فإن رمضان يجلب معه دفأه السعيد، شعور بالأمان يغلف الجميع كبارًا وصغارًا سواء كانوا مسلمين ملتزمين أم لا. كأنه غطاء شفاف من السلام الدفء يحل على المدن ومن السهل أن تلمحه في كل زاوية، في الشوارع، وفي المطاعم التي تجهز بكد للإفطار، وفي وجوه الأطفال الباسمة وهم يهرعون لشراء الخبز الرمضاني إلى أولئك الذين يُسرعون إلى منازلهم لتناول الإفطار مع أحبائهم.
عندما يبدأ يوم جديد في رمضان ينطلق الجميع إلى أعمالهم كالمعتاد لكن يمكنك ملاحظة الفرق، هناك سعادة ولمعة في العيون يمكنك رؤيتها، وإثارة ممتعة تزيد كلما اقتربت تلك الساعة من المساء، في هذه الأوقات تنشغل السيدات في المنازل بالإعداد لهذه الساعة، بعد أن قمن بتخزين الأفضل من كل شيء لهذا الوقت الخاص من العام وينتظرن منذ شهور لوصوله. لا شك أن كل وجبة إفطار في رمضان هي عيد في حد ذاتها.
تبدأ ساعات الذروة، ويتدفق الناس إلى الشوارع للوصول إلى مقاصدهم بأسرع وقت ممكن. يمكنك أن ترى الإثارة بينما تنتشر رائحة الخبز اللذيذة من المخابز بينما تصطف الطوابير أمامها في ثوان معدودة حرفيًا. ما أن يجهز خبز رمضان والحلويات المرافقة ويستقر الجميع حول الطاولة للإفطار، يتطلع الجميع لنداء المؤذن. صيغة جميلة من التهليل هي الأذان يصدح حول العالم من الولايات المتحدة حتى بنجلاديش ومن الكويت حتى تركيا مثل موجة عظيمة تتحرك من بلد إلى آخر.
ينقضي الصيام بأذان المؤذن، هذه اللحظة المعينة أو بتعبير آخر هذه المتعة الفريدة، حين يجلس الجميع معًا حول وجبة الإفطار مع أحبائهم ويتناولون أول لقمة بعد يوم كامل من الصيام، هي متعة يجب تجربتها، الاستمتاع بوجبة سعيدة بينما تملأ الأحاديث السعيدة مع العائلة والأصدقاء الأجواء، يحمدون ويشكرون ويشعرون بالامتنان لكل هذه الأطعمة والروائح الجميلة التي خلقها الله من أجلنا وهو سبب آخر لكون رمضان عزيزًا على القلوب إلى هذه الدرجة، ولا يهم حتى لو لم يكن الإفطار فاخرًا أو متواضعًا فإفطارات رمضان دائمًا ولسبب غير مفهوم تكون مرضية وغنية.
الأدهى أن هذه الإثارة الحلوة لا تخبو كلما مضت أيام الشهر، على العكس تجد هذه الإثارة كل يوم كما هي إن لم تكن في تزايد. في هذا الشهر الفضيل ينافس الناس بعضهم البعض في الخير، تقوم العائلات الغنية والمشاريع التجارية بتجهيز صناديق رمضانية مليئة بالأطعمة اللذيذة للفقراء، يهرع الناس لدعوة الأقل حظًا للإفطار، تقوم البلديات والمساجد والمنظمات الخيرية بإقامة وجبات إفطار جماعية تسع الآلاف تتبعها احتفالات مهرجانية. لا يمكنك أن تكون وحيدًا في رمضان؛ الأقارب والأصدقاء يتنافسون في دعوة الأصدقاء أو أفراد العائلة غير المتزوجين لضمان ألا يتناول أحدهم الإفطار وحيدًا.
في رمضان يكون الناس أكثر مودة وأكثر تفهمًا وتعاطفًا، يجاهد الناس ليكونوا النسخة الأفضل من أنفسهم، يتفكرون في خطاياهم ويحاولون أن يكونوا أشخاصًا أفضل فيما تبقى لهم من العمر.
نتمنى أن نعيش حتى نشهد رمضانًا جميلًا مرة أخرى يجلب معه هذا الجمال الفريد. نأمل أن تعم بركة رمضان جميع المسلمين و ندعو أن تكون بداية أيام يعم فيها السلام عالمنا.
http://www.raya.com/news/pages/9614e55d-9aab-4183-a2b4-34b23e00e896