إنّهم يغرقون في مياه بحر إيجة ومياه البحر الأبيض المتوسط، ويرون أطفالهم غرقى تغسلهم الأمواج على الشاطئ، وفي بعض الأحيان، يتمّ إغراقُ قواربهم عمدًا، كما يختنقون في الجزء الخلفي من الشاحنات، وتتمّ مطاردتهم باستخدام رشّ الفلفل وخراطيم المياه بالرّغم من وجود أطفالٍ ورُضّعٍ معهم، ويتمّ ضربهم بالهراوات وسحلهم في الشوارع، ويتمّ حبسهم في أقفاصٍ سلكيّة، ويتعرّضون لمعاملاتٍ غير إنسانية، جميع ذلك يحدث في الاتّحاد الأوروبي. ذلك الاتّحاد المُفترض قيامه على مبادئ حقوق الإنسان السامية، واتّباع القوانين. والآن، وبعد كلّ ذلك، يحاول بعض النّاس اتّهامهم بارتكاب هجمات باريس! وكأنّ تلك المصائب لا تكفيهم.
إنّهم اللّاجئون الذين نتابع محنتهم على شاشات التلفاز يوميًّا. إنّهم ليس لهم سوى هدف واحد، وهو الفرار من بلادهم التي باتت غير صالحةٍ للعيش، والفرار من القنابل والإرهاب والحرب، آملين في التوجّه إلى بلادٍ يعيشون فيها بأمانٍ وسلامٍ مع عائلاتهم.
على أيّ حال، فقد كانت هجمات باريس، هي ذريعة استخدمها كلّ رافضٍ لفكرة قبول اللّاجئين في أوروبا، لتنفيذ ذلك بلا تردّد. ماري لوبان، رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية، حثّت على الوقف الفوري لاستقبال المهاجرين، مبررّةً ذلك باحتماليّة وجود بعض أعضاء داعش من بين اللّاجئين. كونراد زيمانسكي، الوزير البولندي للشؤون الأوروبية، قال بأنّ بلاده بعد هجمات باريس الدموية، لا يمكنها أن تقبل المهاجرين بموجب حصص الاتحاد الأوروبي.
تُرى ما الّذي كانت ستقوله ماري لوبان، لو أنّ الأمر ذاته كان قد حدث مع الفرنسيين الهاربين من الجيش النّازي الذي احتلّ باريس خلال الحرب العالميّة الثانية، مع وجود احتماليّة وجود بعض الجواسيس النّازيّين من بين الفرنسيين؟ أم ما الذي كان سيقوله كونراد زيمانسكي، لو أنّ الدّول الغربيّة كانت قد رفضت اللاجئين البولنديين الهاربين من الاحتلال السوفييتي، خلال الحرب الباردة؟
من فضل الله علينا، أنّ هناك بعض السياسيين الغربيين الذين يعرضون الأمر بمنطقٍ سليم. فقد قال وزير الشؤون الداخلية الألماني، توماس دي ميزير، بأنّه يجب عدم الرّبط بين اللّاجئين وبين هجمات باريس. كما حذّر رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، القادة الأوروبيين من الخلط بين اللّاجئين والإرهابيين، وقال بأن مرتكبي الجريمة هم من يفرّ منهم اللاجئون.
بعض أجهزة الإعلام، عن عمدٍ أو عن غيرِ عمد، تُظهر اللّاجئين كإرهابيين، ما يجعلهم هدفًا مباشرًا، ويزيد من اضطهادهم. لا يمكن أن يكون اتّهام هؤلاء المضطهدين بتنفيذ هجمات باريس، سوى استبدادٍ واضح. علاوةً على ذلك، فإنّ جميع الأدلّة حتى الآن، تشير إلى أنّ جميع المسلّحين الذين شاركوا في الهجمات، كانوا من مواطني الاتحاد الأوروبي. دعونا نفترض للحظةٍ أن أحد منفذي الهجمات كان يمتلك حقًا جواز سفرٍ سوري. يُحتمل أن يكون هذا الجوازُ مسروقًا أو مزورًا، أو يكون لأحد الأفراد في مسرح الجريمة وليس لإرهابي. هناك احتمالاتٌ لا حصر لها. بلا شك، فإنّ لجميع البلدان الحقّ في اتّخاذ التدابير الشاملة لتحقيق الأمان، بيد أن إغلاق الحدود في وجه اللّاجئين ليس ضمن تلك التدابير المنطقيّة.
بالطبع فإن الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل داعش، ليسوا بحاجةٍ إلى لاجئين لتنفيذ هجماتهم. هناك بالفعل الآلاف من المنضمين إلى داعش أو المتعاطفين معهم، الذين يعيشون في دولٍ أوروبية مثل فرنسا أو بريطانيا أو من مواطني الاتحاد الأوروبي. لذا فإن مجرد إجراء بعض التحريات الدقيقة، من شأنه أن يساعد في التمييز بين الأبرياء والمجرمين.
من الجليّ أن وظيفة الاستخبارات والتحريات هي منع وقوع المزيد من العنف، فهي مجرد إجراء وقائيّ، وليست الحل النهائي. أما الحل الحقيقي فهو يتطلّب خطةً تستهدف جوهر المشكلة. تلك الجماعات المسلحة المتطرفة، لا تقوم بتفسير الإسلام وفقًا للقرآن، بل تبرّر العنف وفقًا للتفاسير المستمدة من المعتقدات المتطرفة، والأحاديث الموضوعة، والخرافات. لذا، فإن الحل الحقيقي هو ليس سوى التعليم القائم على الإسلام الصحيح والأخلاق القرآنية. ذلك التعليم الممزوج بالحب والحنان والرحمة والتواضع مع هؤلاء الناس، هو جدير بحل المشكلة. فيما عدا ذلك، فلن يتخلّى أولئك يومًا عن أسلحتهم وأيديولوجياتهم الملتوية.
أما وضع الأسلاك الشائكة، وبناء الجدران العالية لمنع تدفق اللاجئين، فلن يكون حلًا للمشكلة. إنهم مجرد أناسٍ يفرون من العنف والحرب، وهم من يخاطرون بكل شيء حتى الموت في سبيل تحقيق أهدافهم. لن تفيد تلك التدابير سوى في جعل حياة اللاجئين القاسية بالفعل، أكثر قسوةً وصعوبة، ولكنها لن تفيد في منع اللاجئين من دخول تلك البلاد. والأسوأ من ذلك أنها قد تتسبب في خسائر كبيرة في الأرواح، في ظل ظروف الشتاء القاسية. ستبقى تلك الاحتمالات القاسية بمثابة وخز في الضمير، وجرح في الفؤاد، وستبقى مصدر عار وخجل لأوروبا إلى الأبد.
يجب التعامل مع أولئك اللاجئين بعطف، فهم ليسوا سوى فقراء ومحتاجين، اضطرتهم ظروفهم إلى ترك بيوتهم، وجميع ممتلكاتهم، وحتى أحبائهم. إنهم مذعورون لا يدرون ماذا يصنعون وإلى أين يذهبون، لا يملك معظمهم سوى الثياب التي يرتدونها والأشياء التي يحملونها في أكياسهم البلاستيكية. على الأوروبيين أن يضعوا أنفسهم لبرهةٍ مكان أولئك اللاجئين، وأن يفكروا ماذا كان عساهم أن يفعلوا إذا واجهتهم وعائلاتهم وأحباءهم تلك الظروف القاسية. عليهم أن يحاولوا فهم التحديات التي تواجه اللاجئين، الأمر الذي سيساعدهم في تقبل اللاجئين بالحب والشفقة والرحمة.
تمرّ الدول الغربية باختبارٍ مهم. إنّهم في الواقع قادرون على تقديم الحل العاجل لمشكلة اللاجئين من خلال قدراتهم الاقتصادية والتقنية الهائلة. نأمل أن تقوم تلك الدول باحتضان اللاجئين المكروبين بالحب، وأن تستعيد تلك القيم الجميلة التي دافعوا عنها، مثل الحرية والمساواة والأخوّة والعدالة والمحبة والتعاون، وإلّا فإن أية ممارسات أو إجراءات مناقضة لذلك، ستؤدي إلى تفاقم الوضع.