إن توحيد الأمم تحت سقف واحد باسم السلام مبادرة حميدة وتكون محل تقديرنا دائمًا، وهي نوع من التحالفات التي تفتح الباب لتجمعات كفيلة بأن تمنع أنماطًا شاسعة ومتجذرة من كسوف العقل وسباته، وفي الوقت نفسه تقيد حركة البلاد من خلال قوانين معينة، وتحثها على اتباع قواعد محددة.
غير أن مؤسسة مثل الأمم المتحدة القائمة على مِثل هذا المَثل الأعلى ينبغي ألا تقيَد حركتها ويعطل مفعولها بفعل إجراءاتها الإدارية الخاصة، مما يمنعها من الوفاء بالواجبات التي تسعى إلى الاضطلاع بها. تشكل الخطوط غير القابلة للتجاوز والقرارات غير القابلة للتغيير والحروب التي لم يتم حلها والاتهامات المخزية، موانع في طريق الأمم المتحدة، تحول دون قدرتها على الاضطلاع بمهمتها في عالم اليوم.
وقد تمكن مجلس الأمن الدولي للمرة الأولى منذ تسع سنوات من اتخاذ قرار مشترك في سبتمبر 2017 «لإدانة جيش ميانمار»، غير أن هذه الإدانة ظلت بلا مفعول، لم توفر حلا لمسلمي إقليم أراكان، ولم توقف المذبحة الجارية هناك، وهذا وضعٌ مؤسفٌ بالنظر إلى حجم وأهمية مؤسسة أنشئت أصلا لضمان السلام العالمي.
وقد طالب زعماء الدول الـ 193 الأعضاء في الأمم المتحدة الذين حضروا الجمعية العامة الـ 72 هذا العام بضرورة إجراء إصلاحاتٍ، مشيرين إلى أن الأمم المتحدة تأسست عام 1945 ولم تعد قادرة على تلبية متطلبات الزمن الراهن. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أحد القادة الأكثر انتقادا وإلحاحا على ضرورة الإصلاحات، إن الأمم المتحدة قد بلغت مداها ووصلت إلى عتبة إمكاناتها القصوى في السنوات الأخيرة بسبب البيروقراطية وسوء الإدارة، على الرغم من أن ميزانيتها قد زادت بنسبة 140% وعدد موظفيها قد تضاعف منذ عام 2000.
من جهته لخص السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس هذه المعضلة الكبيرة التي أوقعت الأمم المتحدة في شراكها قائلا: «... الشيء الوحيد الذي يمنعني من الخلود إلى النوم هو البيروقراطية».
أما الرئيس التركي أردوجان فقد لخص ضرورة الإصلاح في هيكل الأمم المتحدة على النحو التالي «نوصي بأن يتألف مجلس الأمن بأكمله من ممثلين من 20 دولة يكون لها نفس الحقوق والسلطات، لم نعد نعيش حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ونأمل أن يكون مجلس الأمن الدولي، الذي تشارك فيه جميع دول العالم، بمثابة ضمير البشرية».
وبينما يقف حق النقض (الفيتو) الذي يتمتع به الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن، حائلا دون اتخاذ أي قرارات ذات مغزى بشأن مختلف الحروب الجارية في جميع أنحاء العالم، فإن البنود التي بموجبها أنشئت الأمم المتحدة، أي الطريقة البيروقراطية التي تسير أعمالها، لا تسمح للهيئة بإصلاح نفسها. وبينما يكتفي بعض قادة العالم بالإعراب عن سعادتهم وتهنئة البلدان التي فتحت أبوابها للاجئين مثل تركيا ولبنان، فإنهم لا يستطيعون فعل أي شيء حيال عدم اتخاذ الأمم المتحدة أي إجراء بشأن هذه المسألة.
لقد أثارت بعض الاتهامات المخزية والمثيرة للقلق حول قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي كانت على جدول أعمال السنوات القليلة الماضية، شكوكا عميقة بشأن مصداقية التدخلات الإنسانية. وفي سبتمبر 2017, وقعت 75 دولة في اجتماع عقد في نيويورك، بناء على اقتراح السويد، اتفاقا لمنع الاعتداءات الجنسية ضد النساء والأطفال من قبل الجنود والمدنيين العاملين في صفوف الأمم المتحدة.
وفي عالم اليوم، الذي تبرز فيه الحروب والإرهاب باستمرار، ربما تكون أكثر الصور الدالة على تكبيل الإرادة، تلك الصورة التي تبين مدى عجز الأمم ومحاصرتها من قبل قواعدها التي أصدرتها بنفسها. إنها مشكلة كبيرة، أن تتعثر خُطى الأمم المتحدة، التي كان ينبغي أن تكون أمل العالم، وتقع في مثل هذا الجمود البيروقراطي، وأن الدول العملاقة التي تشكل هذه المؤسسة تتحدث باستمرار عن الإصلاح دون أن تكون قادرة على اتخاذ أي خطوات في هذا الأمر. ومثلما يحدث بالنسبة إلى كيفية تشكيل دساتير الدول القومية أو تنظيمها أو حتى تجديدها، بناء على تجارب التاريخ والحالة الراهنة، فإن ميثاق الأمم المتحدة يحتاج أيضا إلى أن ينظم بنفس الطريقة. وفي هذا الصدد يعتبر إلغاء حق النقض، وإعطاء الأسبقية لقرارات القوى الإقليمية في المناطق التي تنطوي على مشاكل، واتخاذ تدابير سريعة وفعالة فور إثبات وقوع جريمة إبادة جماعية مشتبه فيها، فكلها إصلاحات عاجلة لا بد من إجرائها ضمن ميثاق الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري أيضا اتخاذ تدابير عاجلة لمنع وقوع أي جرائم مخزية من شأنها أن تلطخ سمعة واسم الأمم المتحدة. وفي هذا الصدد، من المهم إخضاع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لتدريب متخصص وتوعيتهم بما سيواجهون من عقوبات رادعة في هذا الصدد.
العالم في حاجة إلى تحالف مثل الأمم المتحدة، من شأنه أن يضمن السلام العالمي، وإذا كان وجود مؤسسة مهمة في وسطنا أمرا جيدا، فيعود لنا ومن مسؤوليتنا النهوض بهذه المؤسسة وجعلها فعالة حقا.