بقلم :هارون يحيي
تشهد هذه الأيام اساليب عدة مقترحة للحرب ضد الأرهاب والتي من بينها تعزيز الأمن القومي للدول ، ممارسة ضغط عسكري اكبر علي المنظمات الأرهابية ومحاصرة تمويل المنظمات الأرهابية وكذلك الاتفاقات السياسية مع تلك المنظمات. وفي حال لم تجد تلك الأساليب نفعا ، تلجأ الدول في الغالب الي محاولة ايجاد تسوية مع المنظمات الارهابية .
يلاحظ ازدياد اعداد العناصر الأمنية علي منافذ الحدود والجمارك والمطارات وتتم المراقبة الأمنية بشكل متكرر وباستخدام اجهزة غالية الثمن. فمنذ اعتداءات سبتمبر 2001 في نييورك اوضحت الأبحاث بان تكلفة الأجراءات الأمنية الأضافية وأجهزة المراقبة ارتفعت من 0.5% الي 3% مما أثر بشكل كبير علي الأقتصاد.
ان معظم تلك الوسائل الاحترازية والقيود المفروضة ليست بحد ذاتها كافية لحل المشاكل وان فرض قيود مؤقتة علي الحريات المدنية يصبح في الغالب جزءا من تركيبة المجتمعات المدنية وانظمتها القانونية. علي سبيل المثال ، فان الأجهزة الامنية في انجلترا وضمن اجراءاتها الأحترازية ضد الأرهاب ، بات يسمح لها باعتفال المشبوهين من الأرهابيين دون محاكمة ولمدة 28 يوم . وفي عام 2001 ووفقا لقانون الجنسية الأمريكي سمح لأجهزة الأمن اعتفال المهاجرين بلا قيود.
كل هذه الأجراءات التي تتخذ باسم الوقاية من الارهاب قد عززت من قبضة الحكومات وادت الي تقييد الحريات الشخصية . وان ابرز الأمثلة علي ذلك هو حقيقة ما يحدث في خليج اغوانتنامو، فقاعدة اغوانتنامو البجرية في كوبا مستثنية من سلطة قضاء المحكمة العليا للولايات المتحدة الامريكية. ووفقا لمعاهدة الاتحاد الأوروبي لحقوق الأنسان ، فان المشبوهين المحتجزين في خليج اغوانتنامو لا يتمتعون باي حقوق قانونية وانهم يتعرضون لسوء المعاملة والتعذيب .
انه وفي أغلب الأوقات يكون هدف المنظمات الأرهابية الحيلولة دون ردود افعال مبالغ فيها من قبل الحكومات، وتشجيع الحكومات علي التصرف بهذه الطريقة يؤدي الي خلق حالة من الرعب في الأوساط العامة .. ولهذا السبب فان كل الاجراءات الأحترازية التي تتخذ باسم الحرب علي الأرهاب، تمكن الارهابيين في الغالب من تحقيق اهدافهم بسهولة اكبر.
ان التدخل العسكري هو الطريقة الأكثر اتباعا ضد الارهاب ، فمن المستحيل القول ان مثل هذه الطريقة تجدي. علي سبيل المثال، نفذت الولايات المتحدة في العام 1998 اعتداءات مكثفة علي اهداف في افغانستان وعلي الرغم من تأثر حركة طالبان سلبيا جراء تلك الأعتداءات الا ان القوات الأمريكية بدأت مع الوقت تنسحب باتجاه الحدود الاسبانية وتعيد تنظيم نفسها لتصبح اكثر تأثيرا هناك . وبالرغم من كل العمليات العسكرية ضد تنظيم القاعدة ، فان القاعدة لديها القدرة علي النشاط في افريقيا والشرق الأوسط.
انه وفي اثناء العمليات العسكرية ضد الأرهابيين يكون في الغالب من الصعب التفريق بين المدنيين والأرهابيين ، الأمر الذي يؤدي في النهاية الي فقدان حياة المدنيين الكثيرين. وتعتبر مثل هذه النتيجة للعمليات متناقضة مع اهدافها المرجوة . ان حقيقة سقوط اعداد هائلة من القتلي المدنيين خلال عمليات الولايات المتحدة في كل من العراق وافغانستان واليمن ، قد زادت من الشعور بالعداء لامريكا الي حد بعيد ، في تلك المناطق.
ان خيار التوصل الي تفاهمات سياسية مع المنظمات الارهابية لهو ايضا خيار لن يوفق . فان اي مفاوضات تجريها دول مع منظمات ارهابية يعتبر تراجعا اخلاقيا وتخليا من قبل الدول لايمانها بانظمتها لتحقيق النتائج الضرورية.
ان كل عملية تفاوض مع منظمة ارهابية في مكان ، تشجع منظمة ارهابية اخري في مكان اخر من العالم ويؤدي ذلك بدوره الي انتشار الارهاب.
الي جانب ذلك فان منظمات مثل القاعدة والدولة الاسلامية والتي تستند الي تفسيرهما المتشدد للدين ، من المستحيل منعهما باتباع طرق سياسية. وعلي هذا فانه لم يظهر بعد اي طريقة مثلي لمنع الارهاب او منع الارهابيين من تحقيق هدفهم بطمس الاسس والمبادئ الديمقرطية والليبرالية. ان المطالب السياسية لتلك المنظمات ليس لها حدود معينة وهي بذلك تكون مشابهة لمنظمتي ايتا و. RIA انها منظمات تعبر عن ايديولوجية دكتاتورية وتسعي الي القضاء علي الديمقراطية ونمط الحياة القائم علي الحريات الغربية . ولذلك فانه ليس من الممكن عمليا اجراء مفاوضات معها او ردعها من خلال تنازلات.
ان العديد من الدول ولاسيما الولايات المتحدة ، تحاول محاربة الارهاب باتباع طرق غير فاعلة . وان هذا الوضع يحتم علي العالم ايجاد طريقة اكثر فاعلية للنضال ، طريقة لا تعتمد علي العنف بل تعتمد فضلا عن ذلك علي التربية والايديلوجية المضادة .