اليمن: أسوأ حالة وباء كوليرا عرفها العالم
ucgen

اليمن: أسوأ حالة وباء كوليرا عرفها العالم

831

 استمرار الاقتتال في اليمن الرازح تحت وطأة الفقر، يضيف مأساة مفزعة أخرى: انتشار أخطر حالة وباء كوليرا على أوسع نطاق، لم يسبق لها مثيل في العالم. 
يشهد اليمن منذ عامين تقريباً، حرباً مدمّرة، لا هوادة فيها، انطلقت شرارتها الأولى في أعقاب انتفاضة شعبية مناهضة للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وأجبرته على تسليم السلطة الى نائبه عبد ربه منصور هادي، غير أن المرحلة التي تلت إسقاط الرئيس السابق تخللتها العديد من الاضطرابات والمشكلات، من جملتها سلسلة هجمات شنها تنظيم القاعدة وتفشي الفساد واستفحال البطالة واستمرار بعض ضباط الجيش في تقديمهم الدعم للرئيس السابق، مما تسببت في تعطيل سير شؤون البلاد وتوريط الإدارة الجديدة في مشكلات خطيرة.
وانتهازاً للفرصة التي سمحت بها الظروف الحساسة والهشة، شنت حركة الحوثيين، التي تدعم الأقلية الشيعية في اليمن، سلسلة من الهجمات تمكنت على إثرها من السيطرة على شمال صعدة. ومع توسيع الحوثيين هجماتهم سعياً للسيطرة على البلد بأكمله، فر الرئيس هادي إلى خارج البلاد في مارس / آذار 2015. هذا الوضع وما تمخض عنه من تطورات دفع باتجاه تشكيل تحالف عربي - سني، بدعم لوجيستي واستخباراتي من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا لإعادة تثبيت حكومة هادي. وبعد مضي سنتين، ورغم تواصل القتال المحموم، لا تبدو في الأفق أي مؤشرات ملموسة على نهاية الأزمة، وحتى بعد عودة هادي وحكومته من المنفى للعيش مؤقتاً في عدن، لا يزال الوضع متأزماً دون أيّ علامة على انفراج قريب.
ومنذ بدء الاشتباكات، استشهد ما يقرب من 5000 مدني - ثلثهم من الأطفال - وأصيب 8200 شخص وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، فضلاً عن نزوح مليوني شخص داخلياً، ومغادرة 180 ألف شخص البلد، ومعاناة 17 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، إلى جانب عدم حصول ما يقرب من 15 مليون شخص على مياه الشرب المأمونة أو خدمات الصرف الصحي. وقد توقف جمع النفايات في جميع المدن الكبرى تقريباً، إضافة إلى ذلك، يعاني نحو 3.3 مليون طفل والنساء الحوامل من سوء التغذية، وبلغت حدة نقص الغذاء مبلغاً خطيراً إلى درجة وصفتها الأمم المتحدة "أكبر أزمة أمن غذائي في العالم".
والآن، يواجه اليمن مشكلة أكثر خطورة، تهدد بتدمير البلد المنكوب أصلاً، تتمثل في تفشي وباء الكوليرا على نطاق مهول، وقد صرحت منظمة الصحة العالمية، بأن اليمن يشهد حالة تفشي الوباء على نطاق "لم يسبق له مثيل"، وتشهد على ذلك الأرقام المفزعة التي لم يسبق أن شهدها العالم الحديث، حيث سجل إصابة عدد من حالات كوليرا في اليمن في سنة واحدة أكثر من أي بلد آخر في العالم، ففي غضون بضعة أشهر فقط، أصيب 400 ألف شخص، وتوفي نحو 2000 شخص نتيجة لذلك، ويتعرض الأطفال دون سن 15 عاماً والأشخاص الذين يزيد عمرهم عن 60 عاماً للخطر بوجه خاص.
وللتذكير فالكوليرا مرض ناتج عن الإصابة بجرثومة تنتقل عن طريق المياه والأغذية الملوثة، وتستطيع قتل المصاب بسرعة كبيرة في حالة عدم معالجتها في الوقت المناسب. في كل عام يلقى 100 ألف شخص مصرعهم في جميع أنحاء العالم جراء إصابتهم بهذا المرض الذي يمكن الوقاية منه، وعادة ما تكون الأماكن التي لا تتوفر فيها المرافق الصحية الملائمة ومياه الشرب المأمونة، الأشد عرضة للخطر والإصابة بالمرض نظراً لتنقل المرض عن طريق المياه والأغذية الملوثة. ومن المعلوم أن مرافق الخدمات العامة الأساسية في اليمن قد توقفت عن العمل بسبب الصراع الدائر، حيث أصبح الوصول إلى المياه النظيفة والمأمونة أمراً شبه مستحيل، وعلاوة على ذلك، أغلق ما يقرب من نصف المرافق الطبية أو تعرضت للتدمير بسبب الهجمات الجوية، ولا يوجد ما يكفي من العاملين في مجال الرعاية الصحية لتخفيف حدة الوضع المتأزم الراهن، وكل مشاكل المجتمع هذه تسهم في انتشار الكوليرا.
ورغم الوضع الصعب الناجم عن اجتماع جميع هذه العوامل الكارثية في اليمن، فلا مفر من اتخاذ الاحتياطات الفورية والفعالة وجعلها على رأس أولويات جميع الأطراف المعنية من الآن فصاعداً، ولا يجب بأي حال من الأحوال أن تشعر المجموعات التي تقدم يد المساعدة أو المنظمات الدولية بالمسؤولية وحدها في تفاقم هذه المحنة، بل على العكس من ذلك، يجب على جميع الدول، وكل قادة العالم، العمل معاً وتضافر جهودهم لتقديم مساعدة جماعية كفيلة بإنقاذ أرواح بشرية من الهلاك، خاصة الأطفال الأبرياء، والرضع، والسيدات، وكبار السن في اليمن، وتخليصهم من محنتهم. ويمكن لمنظمة التعاون الإسلامي أن تدعو إلى عقد اجتماع على وجه السرعة وجمع الأموال وتنظيم جهود الإغاثة. وقد باشرت بالفعل هيئات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية أعمالها بالتعاون مع العديد من منظمات المعونة الدولية، غير أن جهودها لا تزال بعيدة عن تحقيق الأهداف المرجوة، لذا من الضروري زيادة حجم المعونة والتبرعات الدولية وتنسيقها بشكل جيد للحصول على المساعدة اللازمة وتوجيهها حيث تكون هناك حاجة إليها أكثر من غيرها. ولا بد من التذكير بأن كل يوم يمر دون حل، معناه وفاة المزيد من الأطفال الأبرياء، وهلاك المزيد من الأرواح البريئة.
إلى جانب كل ذلك، يجب علينا، كمسلمين، ألا ننسى أن أساس المحنة الحالية التي يمر بها اليمنيون، يتمثل في شيوع الكراهية الطائفية التي يؤججها البعض لاستدامة الأزمة. والسؤال المحيّر، هو لماذا يوجد أصلاً تطاحن طائفي بين المسلمين، في حين يأمرنا ربنا بالوحدة والعيش كإخوة وأخوات، وأن نحب بعضنا بعضاً؟ لقد تسببت هذه الكراهية المصطنعة، التي لا معنى لها ولا طائل من ورائها، في إزهاق عدد كبير من الأرواح البريئة على مدى قرون، وعبر الأجيال، وقد استغلها كل من كان يرغب وينعم برؤية تمزيق صف المسلمين وإضعاف شوكتهم. ومع ذلك، لم يفت الوقت بعد بالنسبة للمسلمين الممزقة صفوفهم لتدارك الوضع، واتخاذ خطوات ملموسة لجمع صفوفهم مع أعضاء الطوائف الأخرى. وبدلاً من التركيز على الاختلافات بينهم، جدير بهم توحيد قوتهم وتنظيم صفوفهم كدولة كبيرة، تركز على ما يجمع بينها، وفي حالة تحقيق ذلك، فلا شك سيتحول اتجاه التيار الحالي وتتغير الصورة بسرعة كبيرة؛ وسوف يفاجأ الجميع كيف يمكن إعادة بناء الأمور بفضل التضامن، بصرف النظر عن شراسة الدمار السابق. لقد حان الوقت لتبدأ عملية إعادة البناء هذه.

http://www.almadapaper.net/ar/news/535166/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A3-%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D9%83%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%B1%D8%A7-%D8%B9%D8%B1%D9%81

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo