هارون يحيى
في حين لا تزال تركيا تشعر بقوة بآثار التمرد الذي حدث؛ هناك سؤالان تطرحهما كثير من المصادر الأجنبية بعد محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو. أحد هذه الأسئلة هو: ما الذي يحدث حاليًا في نظام الجيش؟ والسؤال الثاني هو: مَن مِن حلفاء تركيا في الغرب والشرق يعدّ "أكثر من مجرد حليف"؟
سؤال "ماذا يحدث في تركيا في الوقت الراهن؟" هو سؤال من الصعب على الأشخاص الأجانب أن يتفهموه، كما أنه سؤال لا يحتمل أي تجاوز. في الجيش تمكن أعضاء ذلك التنظيم من تقلد أعلى المناصب، وفي النهاية استخدموا هذه القوة في ذبح شعبهم بلا رحمة. إنه لأمر مفزع حقًا أن يوجد في بلد ما تنظيم يبغض شعب هذا البلد بشكل يجعله يحاول ذبحه، وأن يتمكن هذا التنظيم من الحصول على السلطة في بعض المناصب داخل القوات المسلحة التركية التي نحبها جميعًا، وهذا هو بالضبط ما حدث في تركيا.
في تركيا كان من الضروري إعلان حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب. أُعلنت حالة الطوارئ من أجل الحكومة لإصدار القرارات التنفيذية بسرعة، وللسماح بإلقاء القبض بسرعة وفاعلية على التنظيم الذي كان تشكيله متغلغلًا داخل الحكومة نفسها. ونتيجة لهذه القرارات، سوف يكون مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة تابعًا للرئيس، وأوامر الخدمة خاضعة لوزارة الدفاع. وتم إغلاق المدارس العسكرية والكليات الحربية، وبدلًا منها تم تأسيس جامعات الدفاع الوطني. وسيتم نقل تبعية المحاكم العسكرية إلى وزارة العدل، والمستشفيات العسكرية إلى وزارة الصحة.
على مدار التاريخ التركي تشكل محاولات الانقلاب العقبات الأكبر في طريق الديمقراطية. لذلك، فإن العديد من التغييرات في القوات المسلحة قد لاقت دعمًا من الجميع تقريبًا في تركيا. ومع ذلك، فإنه ينبغي التأكيد بشدة على أن: القوات المسلحة التركية، ثاني أكبر الجيوش في حلف شمال الأطلسي، كانت دائمًا ولا تزال سواد عيون الشعب التركي، بما تتمتع به من بطولة، وشجاعة، وتضحية بالنفس. ولا يمكن لحفنة من الخونة تشويه هذه المؤسسة العريقة.
ومن الممكن أيضًا أن نبحث عن إجابة للسؤال الثاني في ضوء ما حدث في تركيا. هل تشكل بعض دول الغرب حليفًا حقيقيًا لتركيا؟ تلك التي دافعت علنًا منذ ليلة الانقلاب عن أنصار الانقلاب وانتقدت الحكومة التركية بسبب النقاط التي ذكرناها سابقًا دون إبداء أي تصريح إدانة لهذا الموقف؛ أم هو الشرق؟
أثناء وبعد محاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو كان واضحًا أن العديد من "حلفاء تركيا" في الغرب لم ينجحوا في الاختبار. وفي فترة من الزمن حيث الجميع تقريبًا في تركيا في وفاق مع بعضهم البعض، لذلك فإن انتقاد الاتحاد الأوروبي لتركيا بناءً على سيناريوهات خاصة به بينما يتعامى عن الشعب التركي حقيقة تواجه المفاجأة وخيبة الأمل. سواء كانت تلك مجموعة معينة من قادة دول الاتحاد الأوروبي أو وسائل إعلام أوروبية، فإن إغفالهم جميعًا ذكر شهدائنا البالغ عددهم مائتين وتسعة وثلاثين شهيدًا، ومحاولاتهم لتبرير الانقلاب وداعميه تعد حقيقة تثير بالتأكيد بعض التساؤلات. ومع ذلك فلدينا أخبار لهؤلاء الذين يؤدون دور الديمقراطيين في أوروبا، بينما هم لا يترددون في دعم مدبري الانقلاب: إن الشعب التركي قد اتحد كله وبقوة ضد الانقلابات ومدبريها، ولم يتم خداعه أبدًا بالاستفزازات التي تأتي من أوروبا.
وفي ضوء هذه التطورات فإن زيارة الرئيس أردوغان لروسيا في التاسع من أغسطس جديرة بالاهتمام، وتعد هذه هي الزيارة الأولى رفيعة المستوى بعد أزمة الطائرة التي وقعت بين تركيا وروسيا. ونود هنا أن نذكر أنه خلال محاولة الانقلاب، وحتى في الوقت الذي كانت تجري فيه هذه المحاولة، كانت روسيا واحدة من الدول المحدودة التي أدانت الانقلاب. وقد جاءت هذه الإدانة قبل إحباط الانقلاب، خلافًا للعديد من "حلفائنا" الذين انتظروا بتمعن حتى انتهى قبل أن يتورطوا، وهذه حقيقة تؤكد كيف تُفهم الديمقراطية ليس من خلال كونها مجرد مبدأ، ولكن من خلال معاني الحياة الحقيقية في الشرق.
وكما كنا نذكر دائمًا فإنه يتعين على تركيا أن تكون لها علاقات جيدة مع العالم كله. تتجلى هذه الضرورة مرة أخرى بعد ما تحملناه من تجارب فظيعة. وإنه لأمر مبهج حقًا لكل من الشعب التركي والحكومة التركية أن تتحسن علاقتنا مع روسيا، صديقتنا القديمة. أما بالنسبة لأوروبا: فإن التطورات الأخيرة لا تعني في الواقع أن هناك خلافًا قد نشأ بين تركيا وأوروبا؛ إلا أن الموقف الفعلي الذي اتخذته مجموعة كبيرة من دول أوروبا سوف يجعل تركيا بلا شك حكومةً وشعبًا أكثر حذرًا. وإننا نرى أنه ربما كان من الأكثر نفعًا لأوروبا أن تحاول فعل هذا مع حليفها الثمين في الشرق الأوسط في أقرب وقت ممكن. تركيا حليف مهم ليس فقط بسبب موقعها الاستراتيجي، وإنما أيضًا بفضل شعبها.