نقلا عن بث تلفزبوني مباشر مع السيد/عدنان أوكتار
عدنان أوكتار: لكن الناس يفشلون في فهم هذه الحياة الدنيا بشكل جيد. فتجدهم يحصرون أنفسهم فيها فقط . فمثلا عند تزويج المسلم لإبنته تجد أن كل الإهتمام ينصب فقط على ثراء الشخص. أما عن الصلاة مثلا، فيكفي أن يكون قد أدي صلاة الجمعة بعض المرات، اوحتى صلاة العيد فقط. ونرى هذا كثيرالحدوث حتى في أكثر الأسر تدينا. ويتعللون بأنها (أي الزوجة) سوف تستطيع أن تصنع منه انسان مناسب، حتى وإن لم يكن لديه معتقد على الإطلاق. فكل مايهم هو الثراء ويقولون أنه مع مرورالوقت بالإمكان صنع رجل و طالما أنه كامل الجسد ولديه مال وممتلكات فإن أى شئ غير ذلك لايهم.
ونرى البنات اللاتي كرسن حياتهن للاسلام والدين يتحولن فجأة إلى ربات بيوت فقط ويتخلين عن جميع أنشطتهن ويفقدن التواصل مع صديقاتهن، بل ويتركن حتى أعمالهن. وعندما تتسائل عن السبب يكون الرد "أنها المسؤليات الأسرية" ، ويقلن "ألآن نحن متزوجات". فيضعن أساس منطقى لعدم خدمة الإسلام ويعتبرن أنفسهن على حق. وهذا بالتحديد مما تعرض له القرآن الكريم. فقال تعالى: " قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِه .....[التوبة 24]."
"وبكلمات أخرى، إذا أحببت كل هذا وفضلته على السعى في سبيل الله، فلك أن تتوقع العذاب،حيث قال الله تعالى:" فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ".
ولكن خلال فترة بسيطة، تجدهم يدركون قصر هذه الحياة الدنيا . فمثلا ترى الفتيات الشابات اللاتي يبلغن من العمر 20 عاما يبدون كنساء في منتصف العمر خلال سنتان أو عشر سنوات. وترى أن أيديهن ووجوههن قد امتلأت بالتجاعيد، وسرعان ما يمرن بمرحلة انقطاع الطمث، ويصبحن ضعيفات جدا. أليس كذلك؟ ثم تبدأ أمراض كالسرطانات، وحرقة المعدة، وكثيرا غيرها بالظهور. عندها يدركون تماما كم قصيرة هذه الحياة ، ورغم ذلك يتجاهلون هذا كله. والسبب أن الكل ينظر إلى المجتمع والغالبية العظمى من الناس، كما يقول الله تعالى في محكم التنزيل:
" وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" الأنعام 116.
إن الله لا يقبل هذا. والآية من القرآن صريحة. فعند الزواج، تجدهم يسألون الشخص الآخر، وأبنائهم، عن ماهية طموحاتهم. ويكون الرد بأن يكون لهم مهنة أيما كان. ولكن كل هذا لا أهمية له. مايجب على الإنسان فعله هوالتسليم الكامل لله وإدراك عظمتة وتقدير الطبيعة الرائعة لهذا العالم والبيئة الاستثنائية التي نعيش فيها. فنحن لم نأت إلى هنا لمجرد التكاثر وجمع الثروات والتمتع فقط. حتى إن فرضنا أن تم لنا هذا فإن عقودا من الزمن تمر كسنة واحدة. فمثلا إذا سألت نساء شابات في الأربعينيات يشاهدننا الآن ستجد ان هؤلاء النسوة هن فتيات الأمس. وبعبارة أخرى فكأنهن بلغن سن الأربعين فجأة بعد أن كن شابات بالأمس القريب بالنسبة لأناس في الستين. تجد أنهن بلغن هذا السن بسرعة لا تصدق. ولكن الشباب غالبا مايتصور أنه سوف يعيش لسنوات طويلة.. وبالطبع ليس هذا هو الحال دائما ويرون ذلك بأنفسهم.. فسرعان ما ينتهي كل شئ فالسرطانات، والقرحة، وأمراض القلب سرعان ماتتبع بعد ذلك. ومعه نجد أن العمل على مكافحة هذه الأمراض ماض على قدم وساق. فبين الفئه العمرية 40 و 50 تنتشر أمراض مثل السرطانات، والقرحة، و أمراض القلب بشكل واسع. وبعد ذلك تأتي مرحلة الموت للناس. فتأتي معه محاولة تفادي الموت. فتجدهم يحاولون البقاء على قيد الحياة بتعاطي الأدوية والعلاجات. فأنا أقصد، ما يتبقى للبشر هو الموت، ولكنهم في صمود ضده. فتجدهم يحاولون العيش على هذا الحال. وهذا مما قد أكد عليه ربنا تعالى، وأتطرق أنا له الآن لعل الناس يتفهمون بأن هناك شىء رائع . وإننا قد خلقنا للامتحان، والعبادة. ولكن الناس يصرون على عدم فهم هذا. والسؤال بالتالى هو: (ماذا يوجد للناس في هذه الدنيا ؟) . تراهم يأكلون الطعام بصعوبة بالغة، ومن ثم يعانون من صعوبة هضمه وما إلى ذلك من المشاكل. وأيضا عليهم الاستحمام اليومي، اليس كذلك؟ وعليهم الاعتناء بأنفسهن يوميا. فالمرأة التي لا تعتني بنفسها تصل الى حالة فظيعة، وكذلك الرجل الذي لايعتني بنفسه. فتجدهما يقضيان ثمان ساعات في النوم في اليوم الواحد، أى النصف تقريبا. أليس كذلك؟ أى أنهم يقضيان ثمان ساعات في النوم وثمان ساعات في العمل.
عدنان اوكتار: نعم بالفعل، وما تبقى فإنهما يقضيانه في الأكل، والاستحمام، وفعل أشياء اخرى مثل ذلك. فاليوم قصير، ولذا تجد الناس يأكلون الطعام وهم واقفون، ويميلون إلى أكل السندويتشات، كأنهم لا يملكون الوقت. وخلال هذا الاندفاع، تجد كثير من الناس يضعون جل اهتمامهم في هذه الحياة الدنيا وكأنهم بالفعل سيجنون منها شئ عظيم. مع أن في الواقع ليس هناك شىء فيها.
ان أعظم شئء في هذه الحياة هو ان نحب الله بكل جوارحنا، وان نعمل بما أوصانا به في القرآن الكريم ونستشعر السرور العظيم عندما نلتزم بجميع ماجاء به ولانرضى بتقديم تنازلات في الدين والقرآن. فنحن عندما نتمسك بالقرآن العظيم بقوة فهذا بحد ذاته له مدلولات عميقة ويبعث على السرور. وفي هذا متعة خاصة لا يعرفها إلا المسلم.
ان حب الله المشوب بالاخلاص، هى نعمة من أروع النعم، التي تنعكس على حبنا للناس. وهذا بحد ذاته يولد في أنفسنا شعور عميق وقوى.. فعندما نحب الناس فهذا بيان لصلتنا بالله تعالى.وإلا فإن الناس لايوجد فيهم شىء خاص. فهم عبارة عن تركيبة من اللحم، الذي يتكون من البروتين، إضافة إلى العظم، والأمعاء،والكبد، والطحال، وما إلى ذلك، ولكن لآن في خلق الناس تجلى لله، لذلك نحن نتعاطف معهم ونحبهم لدرجة كبيرة. وكذلك نرى تجلي الله تعالى لنا في خلقة عقولنا، والإستدلال عليه بها.
ولهذا تجد أن حبنا للناس هومن حبنا لله، وإلا فإن الناس لايعنون لنا شيئا ولا كل هذا الوجود بل حتى أن الجبال والبحار ستشكل لنا مصدر للخوف وليس فحسب ولكن الناس أيضا مما قد يضطر المرء للبحث عن مكان للإختباء فيه من الناس. وبمعنى آخر فإن كل هذه الأشياء لن تعنى لنا شئ ولكن بحبنا لله تجد أن هذا الحب والعاطفة يصلان إلى درجة كبيرة في أنفسنا. ولآن الله هوالخلاق البديع فقد أعطانا هذه الروح و منحنا معها القدرة على الحب. وعندما يتخلل هذا الشعور المعادلة عندئذ يصير هذا الشخص مؤمن فيعشق الجنة عشقا عظيما ويعشق أشجارها وأناسها وأطفالها ونسائها وكل ما فيها . فيغمره السرور لذلك ويتطلع دوما إليها. ومن ناحية أخرى لك أن تتخيل شخص غير مؤمن في الجنة قد أصابه الملل لآن قصور الجنة لا تعني له شئ ووجود الناس فيها شئ مزعج . فندرك عندئذ أنه لا يمكن الإبتهاج والسرور بكل هذا إلا في ظل الإيمان.