بقلم: هارونيحيى- مفكرإسلاميتركي-
انقسمت أجزاء صغيرة من الأراضي أولاً عن الأمبرطورية العثمانية، ثم عن مصر، ثم الآن انقسمت إلى منطقتين في الشمال وفي الجنوب. وبالرغم من ادعاءات كل من يؤيد التقسيم والفرقة، بات من الواضح بأن هذه التقسمات والتجزئة لا تجلب السلام والاستقرار إلى المنطقة، فها هي دولة جنوب السودان حديثة المولد، والتي لم تنشأ إلا قبل ثلاث سنوات، تصارع اليوم في ظل نزاع قبلي. وقد أصبح من اللازم التساؤل إذا ما كان كل من يدعم الفرقة والتقسيم ويظنون بأنه يقود نحو السلام والإزدهار سوف يقولون مرة أخرى بأن أفضل حل الآن هو تقسيم جنوب السودان مجدداً إلى مناطق قبلية مختلفة.
إذا قمنا بتقسيم دولة قومية تتكون مما يزيد عن ال450 قبيلة يتحدثون ب130 لغة مختلفة إلى أصغر مكوناتها العرقية، لن يبق هنالك أي دولة، وسوف يحكم على سكانها بالعيش بلا حكومة وفي حالة من الفقر وعدم الاستقرار وانتشار للفوضى؛ كما سينتج عن هذا التقسيم محيط من النزاع والصراع حيث يقمع القوي الضعيف ويلجاً الجميع إلى استخدام الأسلحة لحل النزاعات كما يحصل الآن في السودان.
ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، سقط حتى الآن ما يزيد عن الألف قتيل من الشعب في الحرب الأهلية الناشبة في جنوب السودان، كما دفع مئات الآلاف إلى الهروب من بيوتهم خوفاً على حياتهم والإحتماء في مخيمات الأمم المتحدة للاجئين. وبما أن المجموعات العرقية المختلفة تم تحريضها ضد بعضها البعض تحت ذرائع مختلفة، أصبحت جنوب السودان، والبالغ عدد سكانها ما يقارب الـ8.5 مليون، مقسمة إلى أجزاء على أساس قبلي.
وفي الواقع، فإن جنوب السودان تحظى بأهمية جيوسياسية كبيرة جذبت إليها اهتمام عدد من الدول الغربية والأفريقية، وبلا شك فإن العامل الرئيسي يكمن في الثروة النفطية الهائلة وحقول النفط الواقعة فيها.
تتواجد حقول النفط هذه بشكل رئيسي في منطقة شمال دولة جنوب السودان؛ أما المناطق الجنوبية فتتصف بفقرها من الموارد الطبيعية، ويكمن السبب الرئيسي وراء الفوضى والاقتتال في المنطقة بسبب عدم استفادة قبائل جنوب السودان بشكل كافٍ من عائدات النفط. وفي واقع الحال، تكمن إحدى أبرز المشاكل في تقسيم منطقة ما إلى أجزاء في أن بعض الأقاليم سيحكم عليها بالفقر حيث أنه من غير المعتاد بأن تحظى جميع المناطق في دولة ما بتوزيع ذات القدر من الموارد الطبيعية، مما يدفع سكان المناطق التي تعاني من الفقر إلى مهاجمة مناطق أخرى بدافع اليأس، وهذه هي الحالة التي نراها الآن في جنوب السودان حيث يتم دفع الذين يعانون من الفقر باتجاه النزاع. ويعاني سكان المنطقة من الفقر بجميع الأحوال، فإذا تم السيطرة على أرباح النفط من الذين يسكنون في منطقة معينة من الدولة، سيكون مصير من تبقى العيش في الفقر والبؤس. أما التوجه الصحيح والسليم في هذه الحالة هي التأكد من أن جميع سكان الدولة يحظون بفرصة للاستفادة من مواردها الطبيعية.
أما السبب الثاني للصراع القائم في السودان يكمن بسبب دوافع دينية وعرقية مختلفة يتم التحريض عليها من جوانب مختلفة. ويكمن السبب الرئيسي في تقسيم السودان بين الشمال والجنوب في المعاملة القاسية والمتعصبة التي عامل بها مسلمو السودان في الشمال، والذين كانوا يسيطرون على الحكم، اتجاه غير المسلمين في الجنوب. وقد أدت السياسات والقرارات الاقصائية التي اتبعتها الحكومة في ذلك الوقت إلى خلخلة السلام الاجتماعي في السودان في ذلك الوقت. ويوجد اقتتال في الوقت الحالي بين عدد من الطوائف المختلفة في جنوب السودان، وينبع هذا الصراع من القبائل التي تمتلك القوة بحيث تفشل غالبيتها في تبني سياسة شاملة وقائمة على التسامح نحو المجموعات الأخرى، وقد أصبح هذا الصراع الداخلي في مرحلة من الصعب فيها التوصل إلى حل حيث بدأت القبائل الأخرى التي شعرت بأنها تعامل معاملة مزرية بالثورة واللجوء إلى السلاح. وقد فشلت محاولات ومساعي الاتحاد العربي لبدء الحوار ما بين الأطراف حتى الآن.
وتظهر أحداث السودان مرة أخرى بأن مشكلة العالم على نطاق واسع ناتجة عن افتقاد مشاعر الحب والتسامح والعدالة، حيث تم استبدال مشاعر الحب والتعاطف والمودة بالعنف والوحشية والنزاعات، مما أدى إلى غياب السلام والوحدة في الوطن. ويكمن غياب هذه الفضائل في قلب جميع المشاكل المنتشرة، ومن الواضح بأن الأنانية، والتي هي آفة هذا العصر، قد تغلغلت في المنطقة.