تُعد الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/ سبتمبر 2001 إحدى أكبر وأشد الهجمات عنفا في تاريخ البشرية، مما أثار رعبًا وهلعًا في قلب العالم أجمع، وكانت في الوقت نفسه نقطة تحول حاسمة أدت إلى تغيير مسار التاريخ منذ أوائل القرن الحادي والعشرين.
وفي أعقاب هذا الهجوم الوحشي اللا إنساني الذي روّع جميع الأمم، وفي مقدمتهم شعب الولايات المتحدة الأمريكية، أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش «الحرب على الإرهاب»، وبعد مرور شهر بالكاد على إعلانه الحرب خلال خطابه أمام الكونغرس، أصدر أوامره بشن غارة جوية على أفغانستان في يوم 7 أكتوبر من عام 2001.
وفي الوقت الذي كانت عملية غزو أفغانستان مشتعلة نيرانها، أصدرت إدارة بوش أوامرها هذه المرة بغزو العراق، استنادا إلى ما أصبح يعرف بتقرير توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، وتقرير المخابرات البريطانية الذي زعم «بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل».
ظل هذا الزعم سائدا إلى أن صدر تقرير تشيلكوت الذي كشف اليوم بأن تقرير بلير الاستخباراتي الذي كان وراء اندفاع الولايات المتحدة لاحقا في حربها العراقية، لم يكن مؤسسًا ولا يقوم على أدلة موضوعية ثابتة، ولم تكن هناك أي أسلحة دمار شامل في العراق، واضطر بلير في نهاية المطاف إلى الاعتراف بهذه الحقيقة، فضلا عن نشر الرسائل التي أرسلها بلير إلى بوش بين عامي 2001 و2007 في وسائل الإعلام مؤخرا، لتكشف حقيقة دور بلير باعتباره المسؤول الذي قاد الرئيس الأمريكي في جميع قراراته، فضلا عن كونه العقل المدبر وراء الحرب الأفغانية.
ونتيجة لذلك، فقد تسببت سياسة «الحرب على الإرهاب» في إلحاق الأذى بالجميع باستثناء الإرهابيين:
يواجه العالم الإسلامي أكبر كارثة وتدمير في تاريخه، من جملة ذلك، تدمير كلي للمدن القديمة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين وكذلك المناطق الحضرية التي سُويت بالأرض، وأزهقت الملايين من أرواح المدنيين، في حين فقد الملايين الآخرون بيوتهم وأجبروا على الهجرة، وأصيب مئات الآلاف بجراح أو ببتر أجزاء من أطرافهم، وتعرض عشرات الآلاف للتعذيب والاغتصاب على نحو لا يمكن تصوره، ومن تبقى من المواطنين يرزح الآن تحت وطأة الفقر والمرض والبؤس. يولد اليوم العديد من الأطفال بإعاقات وتشوهات خلقية في العراق وأفغانستان بسبب الفوسفور الأبيض وذخائر اليورانيوم المنضب المستخدم ضد السكان المدنيين المحليين.
كلفت «الحرب على الإرهاب» ولا تزال، ثمنا باهظا دفعه العالم الغربي أيضا، وإن كان بدرجة أقل مما تكبده العالم الإسلامي. وناهيك عن الفشل في إنهاء الإرهاب، فإن أسلوب التدخل العسكري لم يؤد في واقع الأمر إلا إلى تصعيد وتيرة الإرهاب وتوسيع نطاق الغضب في المنطقة، وانتشار العمليات الإرهابية لتشمل مناطق العالم أجمع، مثلما عبّر أندرو باسيفيتش من صحيفة بوسطن جلوب، عندما قال إن التدخل العسكري تسبب في «انتشار» وتوسيع رقعة الإرهاب:
مارس/ آذار 2004 في مدريد، حزيران/ يونيو 2005 في لندن، يناير/ كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني 2015 في باريس، يناير/ كانون الثاني 2016 في إسطنبول، مارس/ آذار 2016 في بروكسل، يونيو/ حزيران 2016 في نيس، ديسمبر/ كانون الأول 2016 في برلين، يناير/ كانون الثاني 2017 في إسطنبول، أبريل 2017 في ستوكهولم، مايو/ أيار 2017 في مانشستر، حزيران/ يونيو 2017 في لندن؛ أغسطس/ آب 2017 في بارسيلونا.
هذه أكثر الأمثلة دموية للإرهاب الراديكالي الذي انتشر من الشرق الأوسط إلى أوروبا في أعقاب «الحرب على الإرهاب».
وقد تطول القائمة لتشمل مئات الأمثلة الأخرى لو أحصينا كل العمليات التي وقعت في العالم أجمع.
فيما يتعلق بالولايات المتحدة فإن الخسائر المادية والمعنوية التي تسببت فيها حملة «الحرب على الإرهاب» كلفت البلاد أضعافا مضاعفة لما حدث في 11 سبتمبر.
بلغ عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق 4491 جنديًا في الفترة ما بين عامي 2003 و2014. وبحلول تشرين الأول/ أكتوبر 2016، بلغت الخسائر العسكرية الأمريكية في الحرب الأفغانية 2386 قتيلا بينما أصيب 20049 آخرين بجروح أثناء أداء الخدمة، وبلغ عدد القتلى المدنيين في أفغانستان 1173.
في عام 2012 فقط، بلغ عدد أفراد الجيش الأمريكي الذين انتحروا أو حاولوا الانتحار بسبب الاكتئاب 349 حالة، أي أكثر من عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا أثناء الحرب في نفس العام. وألحقت «الحرب على الإرهاب» أضرارا بالغة أيضا بالاقتصاد الأمريكي. في الواقع، تعتبر الحرب الأفغانية التي استمرت منذ عام 2001 أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، وقد بلغت التكلفة الإجمالية للحروب العراقية والأفغانية، ووفقا لما صرحت به ليندا بيلمس من جامعة هارفرد، ما بين 4 إلى 6 تريليون دولار. وفي نهاية بحثها، طرحت بيلمس السؤال الوجيه: «ماذا حققنا من وراء إنفاق تريليون دولار؟».
في الختام، لا يبدو الوضع الحالي للولايات المتحدة الناجم عن «الحرب على الإرهاب» الفاشلة التي دفعت إليها البلاد دفعا – مشرقا على الإطلاق، وزيادة على غياب أي مؤشرات ملموسة تدل على تصحيح هذا الخطأ التاريخي، تصر الحكومات الجديدة هي بدورها، على تكرار نفس الأخطاء على الرغم من مئات التجارب غير المجدية والفاشلة.
في حين، كان يكفي أن تُجرى دراسة أكاديمية صغيرة، لتكشف ببساطة حقيقة ساطعة، كفيلة بتبيان أن الإرهاب والتطرف لا مكان لهما في القرآن الكريم، الذي يدعو إلى السلام والمحبة والوحدة والأخوة، هذا هو جوهر وأساس الإسلام. و كان من الممكن بسهولة إدراك أن جذور العقلية الإرهابية المتطرفة تكمن في التقاليد البدائية والعنيفة والخرافات مثل العادات القديمة والثقافة القبلية، ومن ثم كان ممكنا استئصال هذا النظام المتطرف والمتعصب والمعقد من جذوره، هذا النظام الذي لا يقوم أبدا على تعاليم القرآن، والذي يشكل الأساس الأيديولوجي الوحيد للإرهاب، كان ممكنا تخليص العالم الإسلامي بأكمله من هذا الوباء من خلال حملة تعليمية منظمة مهنيًا، قائمة على أسس القرآن.
ومن المؤكد أن مثل هذه المقاربة كانت ستشكل أفضل الطرق، وتثبت جدارتها ميدانيا، كونها بناءة ودائمة وخالية من التكاليف وآمنة وغير عنيفة وغير مدمرة ونهائية، مقارنة بجميع التدخلات العسكرية التي أجريت لهذا الغرض حتى اليوم.
حتى وإن لم تكن هذه المقاربة قد وُضِعت محل التنفيذ حتى الآن، فإن ما يكتسي أهمية بالغة وحاسمة اليوم، هو عدم تضييع الوقت والفرص التي أهدِرت، ومباشرة العمل في أقرب وقت ممكن لمنع أحداث 11/9 جديدة من الظهور مرة أخرى.