هارون يحيى
ذهبت تركيا إلى صناديق الاقتراع في الأول من نوفمبر مرة أخرى، وذلك بسبب فشل الحكومة في تشكيل ائتلاف بعد انتخابات شهر يونيو، ورغم مرور فترة وجيزة جدًا منذ الانتخابات الأخيرة، حملت النتائج اختلافات ضخمة فاجأت الجميع.
كتب داوود أوغلو رئيس الوزراء بيانه الأول على تويتر عقب الانتصار قائلًا: "الحمد لله".
الموقف التركي بشأن سوريا
من الضروري تحليل دور تركيا المستقرة بشأن الشرق الأوسط، والذي يُعد الآن مرتعًا للعديد من الصراعات. فقد تم تهجير 23 مليون نسمة، أي نصف عدد السكان تقريبًا، وما يُقارب 5 ملايين يعيشون كلاجئين في بلاد أجنبية. وكبلد مجاورة حملت تركيا على عاتقها مهمة الترحيب بجيرانها المحتاجين، واستقبلت مليونين ونصف سوري. لم يعتبر حزب العدالة والتنمية هذا أمرًا سيئًا أبدًا، وكما استضاف الأنصار المهاجرين في زمن الرسول مُحمد - صلى الله عليه وسلم - استقبلوا اللاجئين من سوريا والعراق بأذرع مفتوحة، وقد اعتبر الرئيس أردوغان هذه اللفتة الجميلة مسؤولية إنسانية والتزامًا دينيًا في نفس الوقت. وهكذا، فانتصار حزب العدالة والتنمية يُمثل خبرًا جيدًا للاجئين الذين يهربون من بلادهم لأجل النجاة.
عارض حزب العدالة والتنمية الأسد بشدة، بينما ساند الحزب معارضيه، وهذا منذ البدايات الأولى للحرب الأهلية السورية. ولكن في أعقاب زيارته الأخيرة لموسكو، ألقى الرئيس أردوغان بيانًا يلمح فيه لميله تجاه وجود فترة انتقالية تحت حكم الأسد. وفي هذا إشارة إلى أن تركيا ستتبنى هذا الحل بجانب الولايات المتحدة وروسيا بسبب الحاجة المُلحة لإيقاف سفك دماء المدنيين في أسرع وقت ممكن.
مستقبل العلاقات التركية العراقية
مع صعود العدالة والتنمية للسلطة، من المتوقع أن أنقرة وبغداد ستحافظان على العلاقات الجيدة بينهما، وهذا بعدما تم استعادة هذه العلاقات خلال حكم العبادي، بعد الفشل في تطويرها خلال عهد المالكي.
ستستمر العلاقات الجيدة بين تركيا وكردستان العراق تحت حكم برزاني في الفترة القادمة. وعلاوة على ذلك، فتركيا جادة في تحسين الصلات التجارية مع كردستان العراق وخاصة في مجال الطاقة. خلال زيارة وزير مالية أربيل الأخيرة، هدفت كلتا الدولتان إلى زيادة واردات النفط إلى تركيا حتى مليون برميل في الشهر. ومن المعروف أن أربيل تمتلك 45 مليار متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي، وستصدر هذا الغاز من خلال خط أنابيب، والذي لا يزال تحت الإنشاء.
الدور التركي بشأن السلام في المنطقة
من الضروري وجود تركيا في حالة مستقرة وقوية لإرساء السلام في المنطقة، وهذا لأن تركيا تقوم بدور حارس المنطقة الروحي. وكونها حارس المنطقة يقتضي أن تقوم بواجب القاضي أيضًا. بينما تعاني منطقة الشرق الأوسط من الصراعات الطائفية، فعندما تكون تركيا أقوى ستزيد قدرتها على تقريب عملية السلام خطوة أخرى، حيث أن الأطراف المتصارعة تحتاج إلى قائد تثق فيه. وباستطاعة تركيا أن تصبح المفاوض المثالي في حل هذه الإشكاليات، خاصة وأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا تقوم سياستها على أساس طائفي. وبقدر ما تمتلك تركيا إرادة قوية وتوفر بيئة آمنة ومستقرة، ستصبح أكثر فعالية في وضع حد للأعمال العدائية، وبالتالي وضع نهاية للصراعات وسفك الدماء.