الإرهاب، النزاع، الاضطراب، عدم الاستقرار؛ ربّما تكون هذه هي المصطلحات التي تعرّف أفغانستان اليوم على النحو الأمثل. لقد تراجعت التوقّعات الإيجابية لمستقبل البلد في الأعوام القليلة الماضية، وبعد عامٍ مليءٍ بالأخبار المأساوية والمقلقة، دخل الشعب الأفغاني عام 2017 بمخاوف أعمق؛ سلسلة من الحوادث الإرهابية في أجزاء عدّة من البلد وقعت في الأيام الأولى من العام الجديد وغذّت الاضطراب أكثر.
لا أحد آمن على الأرض الأفغانية. ليست المعاناة التي خلّفتها الهجمات الدموية مقتصرة على القوات العسكرية أو الأمنية. تستهدف الميليشيات المتطرّفة رجال الحكومة، والدبلوماسيين، والأطفال الأبرياء، والنساء والمدنيين، والعاملين بقطاع الصحة، والصحافيين، والسنة والشيعة. باختصار، الجميع. ويستمر الإرهاب والحرب في دفع البلاد تجاه الدمار والكارثة.
العام الماضي كان الأكثر دموية في أفغانستان منذ 2001: حصدت الحرب والنزاعات الدائرة أرواح عشرات الآلاف من رجال الشرطة والمدنيين في 2016. وعلاوة على ذلك، كان ثلث المدنيين ممن فقدوا حياتهم أطفالاً. ارتفع عدد النساء اللواتي تعرّضن للعنف والتعذيب، أو قُتلن. والبطالة والفساد والمشاكل الاقتصادية المتزايدة بسبب الإرهاب جعلت الظروف المعيشية أكثر صعوبة بالنسبة للفقراء. وبالإضافة إلى كل ذلك، تعمّقت الانقسامات والنزاعات داخل حكومة الوفاق الوطنية لتُصبح أزمة سياسية صريحة.
وما زالت ربع الأراضي الأفغانية تحت سيطرة طالبان، والتي صار اسمها الآن مرتبطًا تقريبًا بأفغانستان. تستمر المنظمة المتطرّفة في شنّ هجماتها عازمة على فرض سيطرتها؛ لدرجة أنّها لا توقف هجماتها حتى في الشتاء. ليسوا خائفين من تهديد الإدارة الأمريكية الجديدة. ومن ناحية أخرى، يمثّل الفرع الأفغاني من داعش خطرًا آخر: يُذكر اسمها بشكلٍ متكرر في تحرّكاتها المُميتة، خاصة ضد الشيعة، وجهودها للانتشار في البلد.
الجميع تقريبًا على دراية كاملة بفشل الولايات المتّحدة الأمريكية في أفغانستان، لكن البعض متردّد حيال التصريح بهذه الحقيقة. اعترف أوباما في خطابه في قاعدة ماكديل الجوية في فلوريدا، في ديسمبر/كانون الأول قبل تسليمه السلطة الرئاسية، بفشله في هزيمة طالبان وحل المشاكل في أفغانستان، على الرغم من كل مجهوداته، إذ قال:
«لا أريد رسم صورة وردية أكثر من اللازم، ما زال الوضع في أفغانستان صعبًا، وقد كانت الحرب جزءًا من الحياة في أفغانستان على مدار 30 عامًا. لا يُمكن للولايات المتّحدة القضاء على طالبان أو إنهاء العنف في ذلك البلد».
فيما يخصّ الحرب الأطول في التاريخ الأمريكي، فقد أثارت الاستراتيجية التي سيتبناها الرئيس ترامب في أفغانستان فضولًا عالميًا، سيُقدّم له مستشاروه خطة شاملة للحلّ، وستكون الخطوط العريضة لهذه الخطة على الأرجح «المزيد من الجنود»، «المزيد من القنابل»، «المزيد من الأسلحة»، «المزيد من الأموال» و»المزيد من الوقت». نأمل أن الرئيس الجديد لن يُكرر خطأ الرئيس السابق.
إن إصرار الولايات المتّحدة الأمريكية على حلّ المشاكل بالقوّة لم يحقّق شيئًا سوى إيصال المشكلة الأفغانية إلى طريقٍ مسدود؛ فقد أظهرت الحالة الفعلية القائمة للبلد مرارًا وتكرارًا استحالة الوصول إلى حلٍ حاسمٍ من خلال العمليات العسكرية، وأنّها لا تجلب سوى الألم والبؤس، وحصدت حتى الآن أرواح الملايين من المدنيين الأبرياء. وبالنظر إلى أن الولايات المتّحدة قد أنفقت رقمًا صادمًا يبلغ 800 مليار دولارٍ في أفغانستان، فإن المرء يُدرك أنّ مثل هذه الأموال الطائلة لا تخرُج بأي نتائج هي الأخرى. ولأن 16 عامًا قد مرّت، فالمشكلة ليست في الوقت كذلك، لذا من الضروري هجر الاستراتيجيات المعيبة المتبّعة في الماضي في أقرب وقتٍ ممكن، واللجوء إلى الوسائل التي تُفضي إلى نتائج.
ما زالت أفغانستان تؤوي عددًا كبيرًا من المنظمات الإرهابية، كبيرها وصغيرها، بعضُها يقتتل مع البعض الآخر، وبعضها يدعم بعضها الآخر. ما يجمع بينها هو الأيديولوجية المتطرّفة، والتي يُسيلون لأجلها الكثير من الدماء بلا رحمة. المُشكلة الحقيقية والأساسية هي الأيديولوجية المتطرفة التي سيطرت على عقول الإرهابيين المتطرّفين.
ما نحتاج إلى فعله هو تصحيح المعتقدات المغلوطة في عقول الناس عن طريق نشر الإسلام الحقيقي بدلًا من التعصب الناشئ باسم الدين. الخُرافات، والأحاديث الزائفة، والمعتقدات المتعصبة التي لا مكان لها في الإسلام هي السبب الرئيسي للإرهاب، والعنف والمعاناة التي حلّت بأفغانستان. ليس هذا دينًا، وإنما أيديولوجية متطرّفة ومتعصّبة وشديدة الخطورة متنكرة في ثياب الدين.
القرآن هو العلاج الوحيد للتطرّف. ولهذا السبب، الاستراتيجية الفعلية، التي ينبغي اتباعها في الصراع ضد طالبان – والجماعات المتطرّفة الأخرى – لتحقيق السلام الدائم والاستقرار والرخاء، هي تعليمهم – من خلال تعليمٍ متحرر من الخرافات المُتصاعدة باسم الإسلام، والمعتقدات الخاطئة والوصايا المتعارضة مع الإسلام – تعليمًا يتخّذ القرآن وحده هاديًا ودليلًا.