توجد في أيامنا بعض الأوساط التي تؤكّد أنه لا تعارض بين نظرية التطورلداروين مع الدين، وأمّا الذين يعارضون هذا الرأي فيقولون بأنّ أصحاب نظرية التطوريسعون إلى إيجاد سبب لاستمرار وجودهم على مسرح الحياة. ( بمعنى أن يبقوا حديث الناسفي كل وقت)، ولكن هذا التفكير يجانب الصّواب لأكثر من سبب. وهناك خطر جسيم فيإدعائهم الذي يروجون له بسبب عدم معرفة الناس لحقيقة الأمور.
إنّ الّذين يؤمنون بوجود الله تعالى وكونه هو خالقُ كل شيء عن طريقالتّطور ينبغي أن يعيدوا النّظر في الأسس التي بنوا عليها اعتقادهم لما في ذلك منالفائدة. ومن أجل تنبيه هؤلاء الأشخاص الذين يؤمنون هذا الإيمان قمنا بتقديم توضيحعلميّ ومنطقي لسبب عدم توافق نظرية التّطور مع الإسلام وحقيقة الخلق. فأساس إدعاءأصحاب نظرية التّطور بأنّ الكائنات الحية ظهرت نتيجة المصادفة وأنها تكونت من تلقاءنفسها مخالف لحقيقة الخَلْق.
ومن الإدعاءات المشحونة بالأخطاء والمناقضة لحقيقة الخلق قولهم: "إنّ المخلوقات الموجودة جاءت عن طريق التّطور من بعضها البعض، وأنّ الله تعالى يمكنأن يخلق الكائنات الحية عن طريق تطّور بعضها من بعض".
غير أن الحقيقة التي أغفلها كلا الفريقين، سواء الفريق المدافع عننظرية التطور أو الذي يؤمن بنظرية الخلق وهي كون المخلوقات الموجودة قد خلقتْمتميزة عن بعضها البعض. فأصل المسألة تكمُن هنا، والسؤال المطروح هو: هل جاءت المخلوقات الحيّة عن طريق المصادفة ومن رحم الطبيعة العشوائية أم خلقتْ خلقًابواسطة معرفة وعلم مسبقين؟
وكما هو معروف فأصحاب نظرية التّطور يدّعون أن الكائنات غير الحيّةتجمّعت عن طريق المصادفة في مكان واحد، ونتيجة للتّطور تكونت في النهاية المخلوقاتالحية. فهذا الإدعاء يعتمد في أساسه على الزّمن والمواد غير الحية والمصادفة بدلالقوّة الخالقة. فالذين لديهم ولو علم بسيط بأسس نظرية التّطور يدركون أن هذا هوالأساس الذي بُنيت عليه النظرية.
يقول "بري بول كراسي" أحد رجال العلم الّذين يؤمنون بنظرية التّطورفي اعتراف له ما يلي: "إنّ مصطلح المصادفة بالنّسبة إلى أصحاب نظرية التّطور يعنيأنه لا وجود لخالق ..."
فحسب هذا الإدعاء الهزيل يمكن الحصول على نوع جديد من الكائناتالحية عن طريق إضافة الزمن إلى المادة وإضافة ذلك إلى مجموعة من المصادفات. فهذاالإدعاء لا يقبله أحد من الّذين يؤمنون بالله بقدرته سبحانه على الخلْق. ومن الواجبتخليص المجتمعات من هذه الأفكار الواهية البعيدة عن الحقيقة كل البعد، والتحذيرمنها.
العلم يدحض المصادفة في نظرية التطور
تقوم نظرية التطور على زعم مفاده "أنّ الكائنات الحية ظهرتبالمُصادفة من جراء التأثيرات الطبيعية". فهذا الإدعاء لا يمكن قبوله بأيّ شكل منالأشكال لأن الكائنات الحيّة تحتوي على تصاميم معقدة خارقة تفوق تصوّراتنا، بحيثإذا اطلعنا على خلية واحدة فقط ندرك تمامًا أنها لا يمكن أن تتكون نتيجة للمصادفةلما فيها من دقة الصّنع وكمال التّصميم. فالتصميم الخارق والتخطيط المتقن الموجودفي جميع الكائنات الحية يكشفان بالطّبع أنّ الذي أوْجد جميع هذه الكائنات خالقٌعظيم له قدرة خارقة وعلم أحاط بكل شيء.
لقد قام رجال العلم في القرن العشرين بتفنيد جميع هذه المزاعموالإدعاءات، من خلال ما قاموا به من بحوث واكتشافات. ومع القرن الواحد والعشرينلحقت الهزيمة بهذه النظرية واعترف كبار زعمائها بأخطائهم في العديد من المناسبات.(انظر هارون يحيى، اعترافات التطوّريين، دار فورال للنّشر). ومن الواضح أن السببالذي يجعلهم يتمادون في إنكارهم لحقيقة الخلق وعدم اعترافهمبهذه الحقيقة هو رغبتهمفي أن يبقوا بلا عقيدة.
إن الكائنات الحية مخلوقات ذات تصاميم دقيقة، والسؤال المطروح هوعن مدة خلق هذه الكائنات؟ ففي هذه النقطة بدأ بعض المؤمنين من الناس بالتفكيرالخطأ، فقاموا بربط علاقة بين كيفية خلقهم وبين مدة خلقهم و"هل يمكن أن تكونالمخلوقات الحيّة قد ظهرت عن طريق المصادفة"؟.
وحسب ما ذهبت إليه هذه الأوساط يمكن أن يكون الله تعالى خلقالكائنات عبر الزمن التطوّري. فنحن نستطيع أن نقول لو أن دعاة التطور استطاعوا عنطريق العلم أن يثبتوا مجيء الكائنات عن طريق التطور ففي ذلك الوقت نقول يمكن أنيكون الله قد استعمل زمن التكامل والارتقاء لإيجاد المخلوقات. وكمثال على ذلك، لووجدنا دليلا على تحوّل الطيور إلى زواحف، لأمكننا القول أنّ الله يصدر أمره "كنْ"للطيور فتتحوّل إلى زواحف. ولكن لكلّ واحد من هذين الكائنين نظام وتصميم خارق يختلفعن النظام الموجود لدى الآخر وهذا دليل آخر على الخلق.
لكن الأمر ليس على هذا النحو، فالمبدأ العلمي الأساسي بين عكس هذا (وبالأخص عند المقارنة بين الحفريات وعلم الأحياء). فلم يوجد على وجه الأرضدليل على وجود زمن حصل فيه تطور. فمن سجل الحفريات إلى الأصناف المختلفة للكائناتالحية، ومنذ صغرها وعبر مراحل حياتها المختلفة وجدنا أنها لم تتطور من بعضها البعضوإنما تم إثبات العكس. فكل صنف من أصناف الكائنات الحية له خاصية متميزة في بنائه،وكلّ مرحلة من مراحل نموه لا تشبه المراحل الأخرى. فلا الزواحف تطورت إلى الأسماكولا الأسماك تطورت بحيث تستطيع العيش في اليابسة، بل إن كل صنف له خصائصه وقد خُلقمتميزًا عن غيره. وقد قبل بعض العلماء التطوريين المعروفين هذه الحقيقة العلميةواعتبروها دليلا على حقيقة الخلق.
مثال على ذلك ما قاله التطوري "بلانتكو مارك كزارنيك" في اعترافله: "إنّ سجلات الحفريات الموجودة كانت العائق الوحيد أمامنا، فالمراحل التياعتبرها الداروينيّون موجودة جاءت هذه السجلات لتثبت عكس ذلك. فالأنواع تتكون فجأة،وكذلك تنتهي فجأة، وهذا يدعم فكرة الخلق، بمعنى أن الله خلق جميع أنواع الكائناتالحية، ولكن هذا الوضع لم يكن متوقعًا".
في الخمسين سنة الأخيرة عندما قاموا بالمقارنة بين الحفريات وعلمالأحياء المجهرية وعلم الوراثة (الجينات) وبين علم الأحياء فإن الذي ظهر وتبينحديثًا أن نظرية التّطور ليست صحيحة لأن الكائنات الحية الموجودة الآن وبكلتفاصيلها وخصائصها ظهرت فجأة إلى الوجود. ولهذا السبب فإن الإدعاء بأن الله سبحانهوتعالى اعتمد فترة التطور غير صحيحة وغير مجدية. فالله سبحانه وتعالى خلق الكائناتالحية كلاًّ على حدة وفي آن واحدٍ بأمر "كن"، وهذه هي الحقيقة التي لا ريب فيها.
الخلاصة
إنّ الذين يؤمنون بالله، عليهم أن يكونوا منتبهين ويقظين ودقيقينأمام أنظمة الأفكار التي هي ضد الدين. فالتطوّريون مثلهم مثل الفاشيين والشيوعيينوالرأسماليين حشروا أنفسهم في الدين فجلبوا للإنسانية الكثير من المصائب خلال الـ150سنة الأخيرة وذلك لأنهم دعموا الحكام بواسطة فلسفاتهم التي أدت إلى اكتسابأنظمتهم الظالمة والجائرة المشروعية. ولكن إدراك هؤلاء المؤمنين للوجه الحقيقي لهذهالنّظرية سوف يكشف لهم عن الحقيقة.
إنّ كل مسلم صاحب ضميريجب عليه أن يناضل نضالا فكريًّا ضد هذه الأفكار التي تنكر وجود الله تعالى وتنكرحقيقة الخلق، وذلك من خلال اعتماد الحقائق حتى يزهق الباطل، ويتعين على كل مسلمأيضا تنبيه الإنسانية من مخاطرها الجسيمة.