كل شخص لديه ضمير وهو مسؤول عنه وعن الالتزام به. حقيقة أن الناس حولنا يفعلون الخطأ لا يبرر لأي منا فعل الخطأ نفسه، أو يعفي ايا منا من مسؤوليته.
على مر التاريخ ادى التأثير النفسي للمنظمات (سيكولوجيا الجماعة) الى الدمار والالم والذبح. فقد ادت السياسات الجماعية للاتحاد السوفييتي الى موت ملايين الناس جوعا في الثلاثينات، ونفي مئات الالاف وشلهم، الامر المثير في الموضوع هو انه عندما مات الملايين من الناس، لا احد من الناس الناجين طرح هذا السؤال البسيط:
لماذا؟
لأن ما يربط المجتمعات التي لم تتصرف في ضوء الضمير، هو رباط المصلحة الذاتية. ان هذا الرباط واه جدا ورقيق يمكن كسره خلال استفزاز بسيط، لذلك فان البنية النفسية يمكن ان تعتبر الجيد سيئا والسيئ جيدا، حسب ما تمليه عليها المصلحة الذاتية، بذلك يمكن سحق الخير بلا رحمة من اجل اخفاء الشر الأعظم. ومع ذلك فمن السهل على شخص يتبع ضميره ولا يتماشى مع سياسة التأثير النفسي للمنظمات، ان يرى الخير. فقد آمن النبي ابراهيم (عليه السلام) وحده، من خلال تأمله للسماء. كما تلقى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الوحي في عزلته في غار حراء.
وتكلم النبي موسى (عليه السلام) مع ربه عندما كان وحيدا في الجبل. انها حقيقة حيث جاء في القرآن قوله تعالى ‘إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ’ (النحل: 120). احد الاسرار التي جاءت في الاية هو ان الشخص الذي يستخدم ضميره بعيدا عن كل العقبات هو الاكثر فاعلية واقوى من مجتمع باكمله، ومع ذلك فان الإيديولوجـــيات والأنظمة البعيدة عن القيم الأخلاقية الدينــــية تشجع الناس على اتباع القطيع بدلا من الالتفات لضــمائرهم، وهذا يخنق ضمائر الناس.
دعونا ننظر حولنا، كم من الناس يستطيعون التصريح بأمر يرونه صحيحا من دون الاهتمام بما سيقوله الناس عنهم؟ كم من الناس يستطيعون القول للأغلبية بانهم على خطأ؟
ان التصرف في ضوء التأثر النفسي للمنظمة اصبح يشمل الغالبية العظمى من حياة الناس، اصبح هذا التاثر يشكل حياتهم الخاصة وحياة العمل والحياة العائلية على اساس ماذا سيقول الناس عني. لا تسمح سياسة التأثر النفسي للمنظمة للناس ضعيفي الايمان الاستجابة لضمائرهم.
ان الله يأمرنا العكس تماما في القرآن، فهو يأمرنا بتجنب المنظمات التي تقودنا الى طريق الشر او التي يمكن ان تقربنا من الشر، حيث يقول:
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِــلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ.( الانعام، 116):
ان التصرف في ضوء التأثر النفسي للمنظمة يجعل من المستحيل التفكير بعقلانية، فبدلا من تقييم الاحداث كلا على حدة، يعتبرون من الاسهل اتباع الرأي العام، وذلك للتماشي مع ما يسمعون بدلامن التماشي مع ضمائرهم.
يختفي التفاهم والشعور بالخير والضمير الصالح. ان المنظمات تفكر بشكل سطحي ولا تتصرف في ضوء الفهم العميق، إما ان يتم رفض او قبول الافكار في اذهانهم او لا خيار وسط. هذا هو الوضع نفسه في كل العالم الذي يستنتج افكاره من التلقين بدلا من الحكم الرشيد والضمير الصالح. انهم يرفضون ويكرهون اي تطور او حداثة يمكن ان تطور حياتهم.
ان اخطر ما يمكن ان يؤدي اليه التأثر النفسي بالمنظمات هو فقدان الحب في المجتمع…اذا تغذى المجتمع على الكراهية والتطرف بدلا من الحب والمودة، فكيف يمكن للمرء ان يتوقع اي فائدة من هذا المجتمع للبشرية، اذا شعر الناس بالغضب عندما يقال ‘نعم، نحن غاضبون الان’ من دون ان يسألوا ‘ لما نحن غاضبون؟’ فكيف لهم ان يبنوا نظاما من العدل يقود للسلام والهدوء.
الإنسان ‘هو الأكثر تفوقا على كل المخلوقات’ يجب ألا يتحول الى آلات للكراهية تحت ضغط الأغلبية’، بل يجب ان يكونوا قادرين على جلب الجمال للعالم من خلال الالتزام بالعقلانية، الحداثة، النضج، الحب والصبر.
يمكن للمرء أن يستمتع بايمانه بربه من خلال العمل في ضوء الآيات القرآنية، وعدم الانصياع وراء القطيع، الاصغاء لصوت الضمير الداخلي، والانتباه الى بطلان الأيديولوجيات التي تشجع على الكراهية والعنف والصراع أيديولوجيات، مثل الشيوعية، الفاشية والداروينية الاجتماعية، تلك الايديولوجيات التي تركت بصمة دموية على مدى المئتي سنة الاخيرة، وتدعي عكس ذلك. لهذا السبب فانه يجب توضيح البطلان العلمي لهذه الإيديولوجيات، إذا ما اردنا أن يعيش الناس في مناخ من الحرية والسلام، ذلك لأن الله يأمرنا في القرآن ان ندافع عن السلام وان نحب بعضنا بعضا وان نتسامح.