في أعقاب محاولة انقلاب الخامس عشر من يوليو/تموز .. الصداقة بين تركيا وقطر تزداد قوةً
ucgen

في أعقاب محاولة انقلاب الخامس عشر من يوليو/تموز .. الصداقة بين تركيا وقطر تزداد قوةً

2235


هارون يحيى
إن العلاقات الدبلوماسية بين الدول ذات أهمية جوهرية، إذ تُحمى من خلالها المصالح القومية بالوسائل السلمية، أي الدبلوماسية، وتُقترَح حلول للمشاكل المستقبلية. ولكن، تمتد العلاقات بين بعض الدول إلى أكثر من الدبلوماسية، التي تلعب دور القوة غير المرئية في حل المشاكل بسهولة. دعوني أفصِّل هذا الأمر أكثر بمثالٍ من آخر محاولات الانقلاب وأكثرها دمويةً في تاريخ تركيا.
كانت الليلة الواصلة بين يومي 15 و16 من يوليو/تموز أطول وأعتم وأصعب ليلة في التاريخ التركي. كانت الساعات التي تلت محاولة الانقلاب، التي بدأت بغلق الجسور التي تعبر مضيق البسفور في الساعة 10:00 م. لم يكُن مؤكَّدًا آنذاك إذا ما كان المخطِّطون للانقلاب سينجحون أم لا، وكانت الحكومة التركية في أشد الحاجة للدعم. ولكن الدول الغربية فضَّلت الصمت حتى ساعات الصباح الباكر، عندما اتضح إحباط محاولة الانقلاب. لم تُرسل تلك الليلة سوى بضعة دول رسائل تدين الانقلاب بشدة وتعبِّر عن دعمها الكامل لحكومة تركيا وشعبها. من بين هذه الدول، تبنَّت إحداها على وجه الخصوص موقفًا صلبًا وشجاعًا وأمينًا. كانت هذه الدولة هي صديقتنا وشقيقتنا قطر.
كان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول زعيم يتصل بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. في الحقيقة، أشاد أردوغان برسائل الدعم التي أرسلها آل ثاني منذ الساعات الأولى لمحاولة الانقلاب، معبِّرًا عن امتنانه بالعبارة التالية «أخص بالذكر اسم أمير قطر، إذ كان يتصل بي باستمرار». كان مدّ قطر يدها الداعمة لتركيا بصدق وطواعية دون شك موقفًا جديرًا بالثناء، وكان لهذا الدعم أهمية خاصة للشعب التركي، الذي أفشل محاولة الانقلاب السافرة الشاملة هذه ومنع المخطِّطين للانقلاب المتعطِّشين للدماء مخاطرًا بحياته.
أشار كريستيان كوتس أولريخسن الأستاذ في جامعة رايس، في لقاء مع وكالة الأخبار الفرنسية AFP، إلى أهمية دعم قطر كما يلي:
«كان (تصريح قطر بدعمها الحكومة التركية) إظهارًا مهمًا للدعم السياسي في وقتٍ كان الوضع في تركيا ما يزال غير مؤكَّد تمامًا، وتناقض بحدَّةٍ مع التصريحات الفاترة التي صدرت عن العواصم الغربية، في وقت محاولة الانقلاب وفي الأسابيع التي تلتها».
لم يقتصر دعم تركيا على أمير قطر، بل أكَّده أيضًا كل المسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة القطرية. فبعد محاولة الانقلاب مباشرةً، زار كلٌ من أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، ووزير الشؤون الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، ورئيس الأركان العامة القطرية غانم بن شاهين آل غانم، تركيا لتقديم أطيب تمنياتهم والتعبير عن عزمهم على تقوية علاقاتهم مع تركيا في كل المجالات، وخصوصًا السياسة والاقتصاد والجيش والدفاع.
هذه التطورات مهمة جدًا لتركيا بالطبع، فقد أثبتت قطر كما هو واضح بدعمها تركيا في الأوقات العصيبة أنَّها صديقة أصيلة لتركيا، وأظهرت أنَّها ليست مجرَّد صديقة وقت السراء فقط، بل تقف جوار تركيا في أصعب لحظاتها أيضًا. تركيا هي بدورها أيضًا أحد أهم أصدقاء قطر وحلفائها في الشرق الأوسط، وتُعَد اتفاقيات التعاون الاستراتيجية رفيعة المستوى في قطاعات متنوعة التي وقَّع عليها البلدان والقواعد العسكرية التي بنتها تركيا في قطر، أمثلة بسيطة على هذه الصداقة. تركيا واعية بثقة قطر فيها، وعازمة على الوقوف جوار قطر مهما كانت الظروف.
وضعت محاولة الانقلاب يوم 15 من يوليو/تموز العلاقات بين البلدين أمام اختبار بطريقةٍ أو بأخرى، ممَّا أنتج حسًّا أعمق بالصداقة والأخوة والثقة والتضامن. إنَّ الدولة التركية وشعبها ممتنون بشدة لدعم قطر الروحي وسيذكرونه دائمًا.
يستمر التعاون الوثيق بين البلدين في مجالات كثيرة مثل الجيش والاقتصاد والسياسة والثقافة والإدارة. يتشارك البلدان رؤية استراتيجية ورؤية مشتركة في الأمور الثنائية والإقليمية. وطبيعة العلاقة بينهما مدهشة نوعًا ما أيضًا، فهي ليست راكدة أو مضطربة، بل هي على العكس دينامية نوعًا ما ومتنامية باستمرار. ويلعب زعماء البلد ورابطة الحب والأخوة بين الحكومتين بلا شك دورًا مهمًا في هذا.
تعوِّض اقتصادات كلٌ من تركيا وقطر نواقص الأخرى، إذ تستطيع كلٌ منهما تلبية احتياجات الأخرى بصورةٍ رائعة. يتناغم رأس مال قطر الكبير وإمكاناتها المالية مع خبرات تركيا وخلفيتها وبنيتها التحتية ورأس مالها البشري وإنتاجها الزراعي والصناعي تناغمًا تامًا، وحجم التجارة في ازدياد مطرد: فهناك تعاون متنام سريعًا في قطاعات الطاقة والمالية والاستثمار والبناء والبنية التحتية والعقارات والتعليم والزراعة والبحرية والعلوم والتكنولوجيا. توفِّر الحكومة التركية كل سبل الراحة والتحفيز والدعم لتلك الشركات القطرية التي ترغب في الاستثمار في بلدنا.
وفي جذر الأخوة والوحدة بين هذين البلدين نجد القيم الروحانية المشتركة. تتبع كلٌ منهما سياسات إيثارية وخيِّرة وتصالحية وعطوفة وسلمية، ولا تعلق في عالم السياسة الواقعية القاسي الفاتر الخالي من الحب. يسعى كلاهما وراء حلول دبلوماسية وتصالحية وودِّية لمشاكل الشرق الأوسط الراسخة بدلًا من الحرب والنزاع والكراهية. نتيجةً لهذا التعاون والوحدة الرائعين، يضرب البلدان مثلًا للعالم الإسلامي بأكمله بصفتهما فاعلين دوليين مؤثرين.

http://www.harunyahya.com/en/Articles/230342

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo