ظهر مبدأ "الإسلام المتطرف" - الذي يُستخدم على نطاقٍ واسعٍ في الوقت الحالي ولا سيما في العالم الغربي - في النصف الثاني من القرن العشرين بوصفه مبدأ يتعارض تماماً مع جوهر الإسلام والقرآن.
يسيء الأشخاص ذوو العقول المتطرفة في تفسير الكتب المقدسة التي أرسلها الله إلى البشر من أجل السلام والأخوّة، كما يعملون على شرعنة العنف ضد البشر ذوي المعتقدات المختلفة عبر خرافاتهم التي ابتدعوها بأنفسهم، ومن ثَم يعتدون على معتقداتهم في الوقت الراهن.
أدت هذه العملية - التي يعود تاريخها إلى ما قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وتمتد حتى يومنا لتُطبع خلال الآونة الأخيرة في ذاكرة الناس عبر الأعمال الإرهابية التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والمنظمات السلفية المشابهة - إلى ظهور مبادئ مثل "الإرهاب المتطرف" و"الإرهاب الإسلامي"؛ إذ إنه بالكاد يمر يوم دون أن نسمع عن هجمات إرهابية جديدة إما في أفغانستان، أو العراق، أو في أي مدينة أوروبية عبر تقارير الأخبار جنباً إلى جنب مع ذكر مبدأ "الإرهاب الإسلامي".
وتتنوع هذه الهجمات الإرهابية بين حزام ناسف يلفه أحد الأشخاص حول صدره ويسير نحو مجموعة من الناس قبل أن يفجر نفسه، وبين قتل الأشخاص ذوي المعتقدات المختلفة خلال تأديتهم لشعائرهم الدينية في الأماكن المقدسة مثل الكنائس؛ لذا لا يمكن إطلاقاً أن يأمن الناس بأي منطقة في العالم من هذه الهجمات الشنيعة.
وفي اليوم الحالي، يحاول أفراد محددون في أعقاب هذه العملية أن يخلطوا خلطاً خاطئاً بين تعريف مبادئ التطرف والإرهاب وبين الإسلام والمسلمين المخلصين، بيد أن الدراسات التاريخية والسوسيولوجية تبين أن المبادئ التي على غرار "التطرف" و"الأصولية" ظهرت قبل فترةٍ طويلةٍ من ربطها بالإسلام.
وتذكر الموسوعة البريطانية أن المصطلح "Radical" (متطرف/ أصولي/ راديكالي) استُخدم استخداماً سياسياً للمرة الأولى عن طريق تشارلز جيمس فوكس، وهو برلماني ينتمي إلى حزب الأحرار البريطاني، وذلك في عام 1797، ومن ثم استُخدمت كلمة "Radicalism" (التطرف/ الأصولية/ الراديكالية) لوصف أي عقلية تهدف إلى تقديم أي فكرةٍ سياسيةٍ، أو نظام فكري، أو معتقد، أو أيديولوجية وجعلها مهيمنة عن طريق الإطاحة بالنظام الحالي من خلال الثورة، والتي تتم عادةً عبر توظيف أساليب القمع والعنف والإرهاب.
وإنه خطأٌ عظيمٌ في حقيقة الأمر ويتعارض مع "الإسلام"، في معناه المعجمي الذي يعني السلام والخير، أن يُذكر جنباً إلى جنب مع عقليةٍ دمويةٍ مرعبةٍ مثل عقلية التطرف، فيستحيل أن تجد أي تحيز نحو التطرف في القرآن، وهو المصدر الصحيح الوحيد للإسلام. وعلى النقيض، تدافع آيات القرآن عن حرية الفكر والعقيدة بطريقة أقوى من بعض المجتمعات المعاصرة في يومنا هذا؛ فقد ذكر القرآن تحديداً في الآية 256 من سورة البقرة أنه لا إكراه على دخول الإسلام، كما أنه لا يُسمح بالتدخل بأي طريقة في ديانة المجموعة الأخرى، وذلك حسبما ذُكر في سورة "الكافرون".
يؤكد احترام القرآن لمعتقدات الآخرين على نفس المنطق الذي يستند إليه الفكر العلماني المعاصر في الوقت الحالي، بينما يعبر عن كل أساليب حرية العقيدة بأوجز الطرق.
إذ إن القرآن يعارض حتى أدنى درجات الإكراه تجاه المعتقدات والعبادات التي يمارسها الآخرون، ناهيك عن ذكر القمع والعنف والإرهاب، يذكِّر القرآن الكريم المؤمنين بأنهم مُذَكِّرون وليسوا مُكرِهِين، وذلك في الآية الخامسة والأربعين من سورة ق، والآية الحادية والعشرين والثانية والعشرين من سورة الغاشية.
لكن الغالبية في العالم الإسلامي في وقتنا الحالي قد هجروا القرآن، رغم أنه قد يكون عن غير قصد، وبدأوا يعايشون نموذجاً متعصباً من الدين يتعارض كلياً مع روح القرآن وأوامره، قاموا بتبني أساليب وعادات وتقاليد توارثوها عن ثقافات القبائل القديمة وأسلافها، فمارسوها وتشربوا بالتفسيرات الخاطئة للعديد من الدعاة المحتالين الذين يعتبرونهم علماء، وأيضاً الروايات الخاطئة والخرافات التي لا تعد ولا تحصى، والتي تنسب افتراءً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويعتبرونها على نحو خاطئ أنها هي الإسلام.
ويعد أحد الدلائل التي تشير إلى انفصال المجتمع محل الذكر عن القرآن، هو أن يصير أحد الأشخاص انتحارياً باسم الإسلام، على عكس أوامر الله الواضحة في القرآن، والتي يقول فيها: "مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً" (سورة البقرة: الآية 33).
ومرة أخرى، نشأ هذا النفور المعرفي لمثل هذا الشخص الذي يأمل أن يدخل الجنة عن طريق قتل العشرات من الأبرياء وقتل نفسه (إذ إنه يتجاهل كلياً أن الانتحار محرم في الإسلام) من هذا المبدأ الديني المشوه الذي لا علاقة بينه وبين القرآن.
إن إرشاد الأشخاص للعودة إلى جوهر الإسلام، وهو القرآن، لهو الطريق الوحيد لإخراج الحشود، الذين شكلهم التطرف، من هوة التشوش التي سقطوا فيها، ولإنقاذهم -وإنقاذ العالم بأكمله- من براثن التطرف والإرهاب؛ إذ تجبر هذه الهجمات الإرهابية المستمرة القادة السياسيين والأكاديميين والمرشدين الدينيين على أن يحاولوا استيعاب الإسلام الحقيقي ويحددوا الطرق التي تنهي الإرهاب عن طريق حلول من داخل العالم الإسلامي.
فقد أظهر الكفاح الأيديولوجي ضد الإرهاب مرةً أخرى أن التفسيرات المتطرفة، التي تتكون من خرافات أُضيفت إلى الإسلام لاحقاً تبرر الأعمال الإرهابية، هي التي تقف وراء عديد من الهجمات، يعتبر نشر الإسلام الحقيقي المعتمد على القرآن، والمطهر من التطرف، هو الحل الحاسم للإرهاب، وهؤلاء الذين يسعون وراء تطبيق حلول بالقوة ينبغي أن يدركوا أن التفسيرات الفلسفية والدينية الملتوية لا يمكن أن تنتهي بقوة السلاح، بل تحتاج إلى أن تواجَه فكرياً، ويحدونا الأمل أن الأموال التي تبدد على الأسلحة سوف تنفق بدلاً من ذلك على التعليم، وأن الساعين وراء الحلول سوف ينضمون إلى قوى المسلمين المستنيرين والمعاصرين والمحبين والعاقلين.
http://www.huffpostarabi.com/haron-yahia/-_12328_b_17374876.html