بقلم : هارون يحيي
ان الحروب الصليبية قدمت مفهوما جديدا كاملا للعقل الجمعي العالمي وهو "حروب الدين". ومازالت هذه الحروب تندلع من وقت الي اخر منذ قرون. وكان الأخصائيون قد حاولو جاهدا اعطاء تفسيرا لتلك الحروب. ومما لاشك فيه ان اولئك الأخصائيون والخبراء قد ارجعو السبب وراء الصراعات للدين . وبمعني اخر، اشار الخبراء ضمنا الي ان المصالح الأنانية والطمع في الأرض والسلطة لم يكن لها دخل وان الانا ظلت السبب الحقيقي للحروب وهو السبب الذي بقي خفيا.
وعلي الرغم من ذلك ، لم تكن الحروب الصليبية ولا الحروب الكبيرة الأخري والتي تركت اثرا عميقا في العالم، نابعة من الدين. لم يكن الصليبيون سوي مجموعة من البلطجية المتعطشين للدماء واللذين لم يكن لهم اي صلة بالدين المسيحي ذو الطبيعة المسالمة. فلقد كانو اصحاب نوايا خبيثة ويطمعون في الارض. وفي الحقيقة فان المدن التي عانت اكثر في ظلهم هي المدن المسيحية نفسها.
ان الشرق الاوسط لم يكن مختلفا وفقا لهذا التوصيف . فنجد ان اللاعبين وراء الحروب الكبري في المنطقة لم يهتمو الا بمصالحهم الذاتية . وعلي الرغم من الأدعاء بأن حروب الشرق الأوسط يقف وراءها الدين ، فان الحقيقة مغايرة تماما. فالأطراف المختلفة لهذه النزاعات كانو في الغالب اتباع للأنظمة البعثية والتي سعت الي تطبيق الايديولوجية الماركسية في الشرق الاوسط.
ان النزاع السني/ الشيعي والذي استمر بلا توقف ولقرون طويلة في الشرق الأوسط ، لم يكن في الحقيقة سوي تعبيرا متنكرا عن المنافسة بين الجماعات العرقية المختلفة والتي تسعي جميعا لزيادة نفوذها وبسط قوتها وسيطرتها علي الموارد الطبيعية وطرق التجارة الهامة. والي ان ظهرت الجماعات الراديكالية ، لم يكن هذا النزاع طائفيا . بل علي العكس من ذلك ، تم استخدام الطوائف المختلفة كوسيلة لبث الكراهية وتوفير الأرضية الخصبة للحروب.
ان تقرير 2014 لمعهد السلام والاقتصاد ربما يساعدنا علي شرح الموقف بشكل افضل ، فالتقرير اظهر ان الدين لم يكن السبب الرئيسي للنزاغات المسلحة ال 35 في العام 2013. ووفقا لهذا التقرير فان تلك النزاعات كانت لها صلة بمشاعر عدائية للحكومة والحركات الانفضالية والانقسامات الأيديولوجية وتوزيع الموارد الطبيعية.
والتقرير يشتمل أيضا علي تحليل احصائي للقضية: " هل تقرر نسبة الاعتقاد الديني و الألحاد ، السلام في البلاد ؟ . وبناءا علي هذا التحليل الرقمي ، فان ثلاثة دول من بين كل عشرة مسالمة تعتبر دينية بشكل كبير . ففي 11 دولة من عدد 25 والتي ترتفع فيها نسبة السلام، فان 90 بالمائة من السكان فيها قد عرفوا انفسهم بالمتدنيون . اما بقية الدول الأقل سلمية كانت السمة الغالبة فيها الأقل ديمقراطية . اما في الدول التي يعتبر فيها الألحاد سياسة للدولة ، كانت مشاهد النزاعات الخطيرة والتوترفيها حاضرة .
ويبقي السؤال هنا ، " بالنسبة للدول المسلمة ، هل الأنتشار الديمغرافي للسنة والشيعة يقرر السلم ؟" لقد اظهر التقرير بانه لم يكن هناك علاقة حقيقية بين السلم والخلافات الطائفية. علي سبيل المثال، نجد ان قطر والتي يوجد فيها 85 بالمائة من السكان هم من السنة ، و15 بالمائة فقط من الشيعة ، كان تصنيفها الرقم 11 من بين الدول المسالمة ، بينما افغانستان التي يوجد فيها نفس النسب ، اتضح ان المشهد فيها هو حرب مطلقة ..
هل يمكن للدين ان يلعب دورا ايجابيا في بناء السلام "؟ وهذا السؤال يعتبر السؤال الرئيسي للدراسة كلها . بناءا علي التقرير ، ان المؤسسات الدينية تعزز بدورها السلم . وبعبارة اخري ، لكي يكون هناك سلما دائما ومؤثرا في العالم ، فانه بالأهمية بمكان ان يعمل اهل الدين جنيا الي جنب لتقوية اواصر الصداقة والتحالف فيما بينهم .
ويختتم التقرير المستند الي تحلايلات رقمية احصائية ، باشارة فكرية مستفزة :" ان الدين ليس هو المسبب للحروب ، ولكن الطريقة المثلي لايقاف الحروب تكمن في التحالف بين الأديان. فان كان اولئك الساعين الي حل يريدون السلام حقا ، فعليهم ان يبدأو في الأهتمام بمفردات صناع السلام الحقيقيين التي تدعو الي العودة الي جوهر الأديان.