هارون يحيى
يمرّ الاتحاد الأوروبي الذي أنشأته الدول الأوروبية مع كثيرٍ من الآمال، بالفترة الأكثر اضطرابًا منذ الحرب الباردة. الهجمات الإرهابية، مشاكل اللاجئين، الأزمات الاقتصادية وإمكانية فصل المملكة المتحدة من الاتحاد، كلها أمورٌ تسير بالاتحاد الأوروبي نحو الهاوية.
فرنسا وألمانيا، العضوان الأكثر قوة في الاتحاد الأوروبي، قد شرعتا في تعاونٍ كبير الأهمية تحت قيادة المستشار كونراد أديناور والرئيس شارل ديغول، وكانت الأسباب الرئيسية وراء ذلك، هي أنّ على فرنسا إدارة الهيكلة السياسية الجديدة في أوروبا، بينما على ألمانيا الغربية دعم التنمية الاقتصادية. انطلاقًا من ذلك، بدأ المجتمع الاقتصادي يشقّ طريقه من خلال القضايا الرئيسية مثل السفر بدون تأشيرة والعملة المشتركة. منذ ما يقارب 40 عامًا، شكّل هذا المجتمع 40% من الاقتصاد العالمي بأسره.
ومع ذلك، فقد صوّت المواطنون الفرنسيون سلبًا فيما يتعلق بدستور الاتحاد الأوربي، وذلك في الاستفتاء الذي أُجري في عام 2005، ثمّ تبعتهم هولندا بالنتيجة ذاتها. في ضوء هذه التطورات، قررت ثلاث من الدول الأعضاء، وهي فنلندا وسلوفاكيا وألمانيا، إلغاء عمليات الاستفتاء التي كانت قد أُنجزت بشكلٍ جزئي. بعد ذلك، قررت سبع دول من الدول الأعضاء تأجيل عملية التصويت إلى أجلٍ غير معلوم، وبذلك، تلقى الاتحاد الأوروبي ضربةً قاسيةً زلزلت هيكله.
هذا الوضع السيء، أعقبه الأزمة الاقتصادية عام 2007، ومع توسع الفجوة بين البلدان الأوروبية الشمالية الصناعية التي تقودها ألمانيا، وبين دول جنوب أوروبا الأكثر فقرًا، بدأت مساعدات الاتحاد الأوروبي الممنوحة للدول الأضعف بالانسحاب تدريجيًا، وكانت النتيجة أن وصلت دول مثل اليونان وإسبانيا إلى حافة الإفلاس.
ثم كانت الاضطرابات الأهلية والمعروفة باسم الربيع العربي في عام 2011، والتي بدأت بالمظاهرات والمسيرات صغيرة الحجم، بعد فترةٍ وجيزة، رفعت الشعوب العربية أصواتها مطالبةً بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. هذه المرة، ظهر العديد من أعمال الشغب والاشتباكات والحروب الأهلية في مختلف البلدان. نتيجةً لذلك، وخاصةً بعد الحرب الأهلية السورية، بدأت أزمة اللاجئين بالتأثير على البلدان الأوروبية، بدأ مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء الهاربين من الحرب، بالدخول إلى أوروبا عبر مختلف المسارات وطلب اللجوء فيها. اختلفت ردود أفعال الدول الأوروبية حيال هذا الوضع، فبينما برّرت العديد من الدول اتّخاذ التدابير الصارمة ووضع حواجز الأسلاك الشائكة وبناء الجدران العازلة، فضّلت المستشارة الألمانية ميركل تبني سياساتٍ أكثر احتضانًا ومرونةً تجاه هؤلاء الأشخاص في ألمانيا.
وأخيرًا، فإنّه من المرجّح أن تقوم المملكة المتحدة بإجراء استفتاءٍ بحلول نهاية يونيو من هذا العام. قد يؤدي هذا الاستفتاء إلى عواقبَ قد تكون سببًا في إنهاء عضويتها في الاتحاد الأوروبي. من جهة، فإنّ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يعمل جاهدًا لإقناع الشعب البريطاني ببقائه داخل الاتحاد، وهو يطالب الاتحاد الأوروبي ببعض التنازلات بناءً على طلب الجمهور، بينما من جهةٍ أخرى، فإنّ مطالبه تلك، تتعارض مع الهيكل الأساسي للاتحاد الأوروبي. وبينما تسبب رفض المملكة المتحدة لليورو من أجل الحفاظ على عملتها الخاصة، بما يكفي من المشاكل، فإنّ باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي لا يتعامل بمرونةٍ كبيرة مع المطالب الحالية. قد يسبب عدم تلبية الاتحاد الأوروبي لتلك المطالب، انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد. تُعدّ المملكة المتحدة ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد. ومع ذلك، وطبقًا لإجراءات صنع القرار، فإنّ أصغر أعضاء الاتحاد له تأثيرٌ في اتخاذ القرار. تفاصيل كتلك، أدّت إلى مطالبة المملكة المتحدة بإجراء بعض المراجعات المختلفة في إطار عمل الاتحاد الأوروبي.
كما أنّ عواملَ أخرى مثل الصراعات الثقافيّة، واختلاف العقائد بين الدول البروتستانتية الشمالية والدول الجنوبية ذات الغالبية الكاثوليكية، تلعب دورًا حاسمًا في تكوين الخلافات. أضف إلى ذلك، حقيقة وجود 24 لغةً مختلفة يتمّ التحدث بها بين 500 مليون نسمة، والتي تحتوي على التنوع الديموغرافي، وأنّ 19 عضوًا فقط من أصل 28، يستخدمون العملة المشتركة، كل ذلك يؤدي إلى المزيد من التحديات والصعوبات داخل الاتحاد الأوروبي اليوم.
كل تلك التطورات تتبلور تلقائيًا في سؤالٍ واحد: هل الاتحاد الأوروبي على وشك الانهيار؟
لذا، عادةً ما نسمع تعليقاتٍ من البعض عن مدى صعوبة بقاء الاتحاد الأوروبي على هذا النحو، على سبيل المثال فقد عبّر مارتن شولتز - رئيس البرلمان الأوروبي - لصحيفة دي فيلت الألمانية، عن خطر تفكك الاتحاد الأوروبي وقال "لا يمكن لأحدٍ أن يتنبأ بوجود الاتحاد الأوروبي بعد 10 سنواتٍ من الآن".
طبقًا لمركز أبحاث ستراتفور وهو مركز دراسات استراتيجي وأمني أمريكي، وفي تقرير (توقّعات العقد 2025-2015) والذي يتضمن بعض التنبؤات بما سيحدث في العالم خلال الفترة ما بين 2015 وحتى 2025، فإنّ بقاء الاتحاد الأوروبي يبدو أمرًا بالغ الصعوبة. يخمّن التقرير "بأنّ الاتحاد الأوروبي قد دخل في الأزمة التي لا يمكن حلّها والتي قد زادت حدّتها. نتوقع أنّ الاتحاد الأوروبي لن يعود أبدًا إلى وحدته السابقة، وإذا بقي على قيد الحياة فسوف يعمل بطريقةٍ أكثر محدوديّة وتجزئة خلال العقد المقبل".
كما يعبّر دونالد توسك - رئيس المجلس الأوروبي - عن أفكارٍ مشابهة بأنّ مستقبل الاتحاد الأوروبي في خطر، وأنّه قد ينهار.
إنّ الاتحاد الأوروبي هو مجتمعٌ جيد تمّ بناؤه مع الكثير من الصعوبات، ونحن لن نرغب أبدًا في أن نرى مثل هذا الاتحاد العظيم يتهاوى. من أهمّ الاحتياطات ضدّ تفكك الاتحاد الأوروبي، هي تعميم المحبة مع جعلها أساسًا للسياسات الاجتماعية. سيكون تعزيز التضامن، والقضاء على التعقيدات أفضل بكثير من جعل الاتحاد يتهاوى. من أهمّ الواجبات التي تقع على عاتق رجال الدولة وكذلك الشعوب، هي البقاء بعيدًا عن نغمات العدوانية والغضب والكراهية والأنانية، مع الاهتمام أكثر بالولاء والإخلاص. علينا ألّا ننسى أبدًا أنّ العامل الأساسي والمهيمن على المشاكل الاقتصادية في العالم وفي أوروبا هو الأنانية وحبّ الذات، تلك القطاعات التي تكون في حالة دائمة من الاستياء وعدم الرضى، يقومون بتجميد التدفّق النقدي وسحب الأموال الدائرة من البنوك ووضعها تحت الفراش، وتكون النتيجة أن يعاني الاقتصاد. ويكمن الحل الجوهري لهذه المشكلة، في دمج التجارة مع المحبة والصداقة والثقة، فمن شأن الحياة المرنة والمطمئنة والفعالة والبعيدة عن الأنانية، تحقيق السعادة والنجاح في الاقتصاد والسياسة أيضًا. مع استرجاع السعادة الروحانية، سوف تحدث المعجزات في شتّى المجالات، وسوف يحصل الناس في الاتحاد الأوروبي على الحياة المزدهرة التي يتطلعون إليها.