ارتفع معدل الوفيات بين اللاجئين الذين حاولوا عبور البحر المتوسط، سعياً نحو حياة أفضل، بشكل مطرد. فبحسب بيانات الأمم المتحدة، بلغت نسبة الوفيات في الشهور الخمسة الأولى من العام 2.3% مقارنة بـ1.2% في الفترة نفسها من العام الماضي. يُعتقد أن هؤلاء اللاجئين كان أغلبهم غير بالغين وبلا مرافقين، غرقوا أو تجمدوا حتى الموت في مياه المتوسط الباردة. وقد تضاعف عدد الوفيات هذه المرة عن نظيره لنفس الفترة من عام 2016.
ولكن منذ أن صارت مثل هذه الأحداث المفجعة اعتيادية، لم تكن هذه المأساة كافية لينتفض العالم من سباته حتى يستطيع الناس أن يروا حقاً ما الذي يجري. اختار معظم الناس - بدلاً من هذا - أن يصبوا تركيزهم على الأخبار المتعلقة بأحدث الألبومات التي صدرت وطلاق المشاهير.
وعندما وجدت الأخبار طريقها لتشغل مكاناً لها في وسائل الإعلام الرئيسية، استقبلها الأشخاص الذين يمتلكون وسائل المساعدة برد فعل فاتر ومحسوب. لقد حدث هذا رغم الحقيقة التي تقول إن هناك شيئاً يمكن فعله، ولا يزال هناك ما يمكن فعله، لإنهاء هذه المأساة. على الرغم من هذا، يبدو أن تكرار هذه الحوادث، والأعداد المرتفعة لخسائر الأرواح بين اللاجئين، تسببت في إضعاف حساسية العالم تجاه مثل هذه الأهوال.
ليست هذه اللامبالاة وفقدان التعاطف شيئاً عادياً على الإطلاق، بل إنها شيء بغيض وتشكل حلقة من العار الحقيقي في تاريخنا الجمعي. إذ يبدو أن العالم يفقد صلته بإنسانيته وحقيقته، لأن استيعابه لهذه الحوادث وأي شيء آخر لم يعد يتجاوز الأرقام والإحصاءات. إنهم في الحقيقة بشر وأرواح غالية تستحق الحياة. لعل هؤلاء الأشخاص الـ 226 الذين فقدوا حياتهم في البحر الأبيض المتوسط، كان لديهم طفل جميل، أو أخ عزيز، أو أب وأم يبتسمان في وجوههم. لقد كانوا بالتأكيد أهم من أخبار المشاهير وعروض الموضة، والسياسة، والمسلسلات التلفزيونية. كانوا محبوبين للغاية، وكانوا بشراً لهم قيمة. إنهم جميعاً يستحقون الاحترام والإجلال والحب مثل هؤلاء الذين اختاروا تجاهل محنتهم. ينبغي أن تتجاوز حقوق الإنسان العالمية الدين والثقافة والعرق، لكنها لم تفعل، بل إنها تقف عند حدود المسلمين.
الجدير بالذكر أن اللامبالاة المستمرة التي تُرى في العالم الغربي، والإعراض الصريح عن اللاجئين - والسبب في الغالب أنهم مسلمون - يلعب دوراً رئيسياً في تنامي المشاعر المعادية للغرب. ينبغي عليكم أن تضعوا أنفسكم في مواقف هؤلاء الأشخاص كي تستطيعوا تخيل الصورة بشكل أفضل. تخيلوا أنه عليكم أن تشاهدوا أقرباءكم يغرقون في البحر على شاشات التلفاز، لأنهم هربوا من الحرب والفقر والاضطهاد، بينما الدول الغربية الغنية لا تريدهم. ستعرفون أن العالم كان قادراً على إيوائهم، وحمايتهم، ومساعدتهم بكل سهولة. ستدركون أن اللاجئين لم يلقون ترحاباً بسبب هويتهم المسلمة في الغالب. لن تستطيعوا أن تساعدوا في شيء سوى أن تشعروا بتزايد حالة الاستياء لديكم، يمكنكم الآن أن تضاعفوا هذا المشاعر مليون مرة. حسناً، هذا هو ما يحدث لعائلات اللاجئين وأصدقائهم الذين يشاهدون العالم الغربي يتخلى عن أحبائهم.
لا يمكن لأي شخص أن ينكر الدور الذي يلعبه مثل هذا الغضب في ظل تزايد عنف الإرهاب. وعلى الرغم من عدم وجود مبرر للعنف والإرهاب على الإطلاق، حتماً سوف تتسبب السلوكيات الأنانية التمييزية ضد أبناء ديانة بعينها - لدرجة التخلي عنهم حتى الموت - في توليد العداء.
فإن أردنا جلب أي شكل من أشكال السلام إلى عالمنا الذي يعاني من الألم، ينبغي أن يتغير هذا السلوك الآن.
يجب أن تنتهي هذه اللامبالاة المخزية، إذ إن عالمنا يمتلك وسائل بما فيه الكفاية لمساعدة هؤلاء الأشخاص، الذين هم في حاجة ماسة إليها. إن حياة الناس أهم من السياسة والمصالح الوطنية والمال. هلموا بنا لننهض من أجل أن نكون بشراً ونفعل كل ما بوسعنا كي نساعد هؤلاء الأشخاص الذين يحتاجون مساعدتنا حقاً.
http://www.raya.com/news/pages/2f90bd2a-ebd3-48f2-aeb0-a110b664937f