الموت نهاية حتمية لكل كائن حي· إن كل من يعيش على هذه الأرض اليوم أوغداً، سيموت كما مات من سبقه من البشر، لا مفر لأحد ولا استثناء لمخلوق من هذه النهاية· لهذا السبب يتجنب الإنسان الخوض في هذا الموضوع والحديث عنه· فبعض الناس يصرون على تجنب التفكير في أنهم في يوم من الأيام ستنقطع صلتهم بكل ما تعلقوا به في هذه الحياة الدنيا، وأنه سيأتي عليهم يوم يقفون فيه أمام الله عز وجل للحساب فيرون أعمالهم ماثلة أمامهم · وإذا كانت سنة الكون هذه لم تتغير حتى يومنا هذا، فكيف يستمر هؤلاء بتصرفاتهم الخرقاء؟ كيف يمكنهم أن يعيشوا حياتهم وكأن الموت لن يصل إليهم في يوم من الأيام؟
يرتب الناس قصصاً في عقولهم، فيتصورون أنهم سيموتون في وقت متأخر من حياتهم، وبذلك لا يزال أمامهم متسع من السنين للعيش في هذه الدنيا· إلا أنهم وعلى عكس هذا التصور، يرون في كل يوم شباناً وقد أصبحوا في عداد الموتى، وتذكرهم النعوش التي يرونها في التلفاز، أو التي يمرون بها، أو المقابر التي يمرون عليها كل يوم بالموت، ومع ذلك يتظاهرون بعدم فهمهم لحقيقة الموت · إلا أن تجاهلهم هذا لن يغير من الحقيقة شيئاً··· ويبقى الموت متربصاً لبني البشر··· يمكن أن يلفظ الإنسان أنفاسه الأخيرة في غمضة عين، ومن المحتمل أن تأتيه ملائكة الموت التي وكلت بقبض روحه في أية لحظة، وهنا يفقد كل فرصة لإنقاذ روحه من العذاب الأليم· لا شيء سيعوضه عن الحياة التي عاشها في غفلة ·
لا تسلم نفسك إلى هذه الغفلة التي استحكمت بالكثير من الخلق، ولا تتجاهل أن الموت مرحلة انتقالية وأنه قريب جداًمنك وحقيقة ثابتة · يعتقد بعضهم أنه بإمكانهم أن يتخذوا احتياطاتهم في مواجهة الموت، إلا أن هذه تبقى فكرة سخيفة· ومهما يكن المكان الذي يوجد فيه الإنسان، أو الأشخاص الذين يحيطون به، أو الظروف التي يعيش بها، فإنه لا يمكن أن يتجنب الموت· يلفت الله انتباهنا إلى هذه الحقيقة من خلال الآيات التالية :
قُلْ إِنَّ المَوتَ الَّذي تَفِرُّونَ مِنهُ فإِنَّه مُلاقِيْكُم ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بمَا كُنْتُم تَعْمَلونَ .الجمعة : 8 .
أَيْنمَا تَكُونُوا يُدرِككُّمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُم في بُروجٍ مُّشَيَّدةٍ وإِنْ تُصِبْهُم حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عندِ اللهِ وإِنْ تُصِبْهُم سَيئةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِندِ اللهِ فَمَالِ هَؤلاءِ القَومِ لا يَكادُونَ يَفْقَهونَ حَدِيْثاً . النساء: 78 .
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ونَبْلُوكُم بالشَّرِّ والخَيْرِ فِتْنةً وإِلَيْنا تُرْجَعُونَ . الأنبياء: 35 .
في كل يوم نسمع عن موت أحدهم، أو يموت عزيز من أقاربنا، وهذا أقرب دليل على أنه لا يوجد بشر مستثنى من الموت· كلٌّ مقدر عليه الموت سواء كان صغيراً أم كبيراً، فقيراً أم غنياً· هذا يحدو بالإنسان أن يدرك أنه عليه أن لا يتعلق بهذه الحياة وأن يعدّ نفسه لحياة الآخرة ·
لا تتجاهل أن الإنسان يخدع نفسه عندما يعتقد أن الموت بعيدٌ عنه · وبعد أن عرفت هذه الحقيقة عش حياتك في مرضاة الله ·
تطالع أمثال هذه الصور الإنسان في كل يوم في الصحف والتلفاز، ومع هذا فهو لا يفكر أبداً أنه في يوم من الأيام سيكون مكان هذا الجسد المسجّى أمام أقاربه الذين يودعونه إلى اللحد. لا تنس أنهم في يوم من الأيام سيحملونك في كفن مشابه. ستعيش فترة قصيرة في هذه الحياة ثم ترد إلى بارئك. |
إن تجنب التفكير بالموت لن يغير من الحقيقة شيئاً، فأنت ستواجهه في يوم من الأيام· فقد تكون جلطة دماغية، أو حادث مفاجئ، نهاية مفاجئة لحياة شاب صحيح معافى· لا يمكن لأحدنا أن يدعي أنه قد لا يموت في زلة من أعلى الدرج، أو وهو في طريقه إلى اجتماع عمل· وإذا كان الأمر كذلك، فإنه من الحمق بمكان التفكير بإمكانية الهروب من الموت إذا تجنبنا التفكير به· لا أحد يعرف متى وكيف ستُقبض روحه· قد يأخذ الله روح أي إنسان في أية لحظة · ينهض الإنسان في كل صباح ليستقبل يوماً جديداً، وفي زحمة الأعمال اليومية يجد أن عليه الكثير من الأعمال التي يتوجب إنجازها، مما يشعره بأن الحياة لا زالت أمامه طويلة· إلا أن هذا ليس إلا تفادياً لفكرة الموت، ومحاولة للهروب لا طائل من ورائها· الموت حقيقة ستواجهها في يوم من الأيام وفي كل يوم تقترب منه خطوة ·
لا تتجاهل هذه الحقيقة الواضحة، حتى لا يأخذك الموت على غفلة منك · يحمل الكفار معتقدات غريبة حول الموت، يبينها القرآن الكريم :
وكَانُوا يَقُولونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وعِظاماً أَإِنَّا لمَبعوثُونَ ü أَوَ آباؤُنا الأوَّلُونَ ü قُلْ إنَّ الأوَّليْنَ والآخِرِيْنَ ü لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيْقاتِ يَومٍ مَعْلُومٍ . الواقعة: 47-50 .
كما ذكرنا سالفاً، فإن الموت ليس بداية لنومة أبدية في القبر، وإنما هو بوابة للمرور إلى الدار الآخرة، حيث المقام الأبدي الذي يجازى فيه الإنسان على أعماله في الحياة الدنيا· إن الموت الذي يقطع صلة الإنسان بهذه الحياة الدنيا ليس نهاية كل شيء، على العكس هو بداية لحياة جديدة · يذكرنا الله باستمرار في قرآنه الكريم الذي أنزله هداية للناس بالطبيعة المؤقتة للحياة الدنيا، وبالموت وبوجود حياة آخرة هي حياة الخلود، والحاجة إلى التحضير لها، ويدعونا إلى التفكير بعقل صافٍ وضمير واعٍ· لقد جاءت الرسل إلى أقوامها بدين الحق، ولم يطلبوا منهم أكثر من التوجه إلى الله في أقوالهم وأعمالهم· الموت هو بداية يوم الحساب ·
فلا تتجاهل أن الموت هو المفتاح لبوابة الدار الآخرة، عش حياتك دون أن تنسى هذا· هذه الفكرة ستقود الإنسان بالتأكيد إلى حياة تنقذه من العذاب الأبدي · إن كل الأشياء التي يسعى الإنسان إلى امتلاكها في هذه الحياة الدنيا، مثل الثروة والصحة والسلطة، كلها لا قيمة لها· وعلى الرغم من معرفة الناس بأن هذه الأشياء ستتسرب من أيديهم في يوم من الأيام، إلا أنهم لا يستطيعون وقف السيل الذي يجرفهم للتعلق أكثر وأكثر بهذه الحياة· وعلى الرغم من بديهية حقيقة الموت الذي سيجبرهم على الرحيل وترك كل ما بنوه وراءهم، إلا أنهم يتجاهلون هذه الحقيقة ويحاولون غض الطرف عنها ·
|
في هذه الحالة، يسعى الإنسان إلى عقد صلة وثيقة مع هذه الحياة· لقد زعم الفراعنة الذين شهدهم التاريخ والكثير من سادة الأقوام السالفة، أن ممتلكاتهم ستكون لهم حرزاً من الموت، علاوة على أن بعض الملكات الشهيرات دفنَّ مع مجوهراتهن وكنوزهن، إلا أن ذلك لم يمنع أجسادهن من الانحلال والانتهاء إلى هيكلٍ عظمي·
إلا أن الإنسان الذي يفكر بالموت سيدرك تفاهة هذه الحياة ويبدأ بالإعداد للدار الآخرة · لا تتجاهل أن كل ما تملكه في هذه الحياة الدنيا ستتركه وترحل، وتجنب الندم الذي سيلازم الكثيرين في الحياة الآخرة ·
تأمل ذلك الإنسان الذي لم يفكر بالموت طوال حياته، ولم يتعظ من الأحداث التي أجراها الله عليه في حياته، ولم يستجب لرسالات الرسل، وبالتالي عاش حياته عاصياً لا يؤمن بالله· شخص كهذا عاش لرغباته لا بد أن يفاجئه الموت ، ولكن للأسف لا يمكنه أن يستفيد من فرصة أخرى يعود فيها إلى الحياة، لأنه لا عودة بعد الموت · لا تتجاهل أن من يتجنب التفكير بالموت سيواجه نهاية مؤلمة· وقبل أن يأتي هذا اليوم أعد ترتيب أعمالك، وتذكر أنه لا أحد يضمن لك حياة الخلود على هذه الأرض، فهذا يوم لا ينفع فيه الندم ولا ينجي من عذاب الخلود ·
وأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُم مِنْ قَبلِ أَن يَأتيَ أحَدَكُمُ الموتُ فيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالحين ü وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نفساً إذا جَاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبيرٌ بما تَعْمَلُونَ . المنافقون 10-11 .
حَتَّى إذا جَاءَ أحدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُون لَعَلِّيْ أَعْمَلُ صَالحاً فيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُها وَمِنْ وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . المؤمنون: 99-100 .
ولَيْستِ التَّوبةُ لِلَّذين يَعْمَلونَ السَّيئاتِ حَتَّى إذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ولا الَّذينَ يَمُوتونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئكَ أَعْتَدْنا لَهُم عَذَاباً أَلِيْماً . النساء:18 .