في السنوات الأخيرة، شهدت بريطانيا العديد من الأحداث المتعارضة مع تقاليدها؛ تلك الدولة التي صدرت فيها وثيقة الماجنا كارتا أو (الميثاق الأعظم) في عام 1215، والذي كان يُعدُّ مهدًا للدستور والديمقراطية. تحمل أرقام السنوات الأخيرة إشاراتٍ سلبية للدولة التي وعدت بتقبل الخلافات.
لقد بدأت العدائية والعنصرية والأفكار اليمينية المتطرفة تجاه الأجانب بالازدياد بشكلٍ ملحوظٍ في بريطانيا. كما ارتفع معدل العنف والجرائم التي يتمّ ارتكابها لأسبابٍ عنصرية، إلى عشرة أضعافٍ في الأعوام العشرة الماضية. كذلك، تشيرُ بعض التقارير إلى أن العنف العنصري لا يقتصر فقط على الشوارع، بل قد تحدث بعض الأذية العنصرية حتى في مكان العمل. تستشهدُ تلك التقارير ببعض الأمثلة للأذية والعنف العنصريين، واستخدام الألفاظ البذيئة، ضد الأقليّات. طبقًا للمفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب التابعة للمجلس الأوروبي، فإنّ العنصرية والتمييز ضدّ اللاجئين وطالبي اللجوء في بريطانيا، ما زالا مستمرّين.
في بيانٍ نشرته الحكومة البريطانية في 13 أكتوبر 2015، تمّ تسجيل 52,528 جريمةٍ دافعها الكراهية، تمّ ارتكابها ما بين 2014 و2015، وذلك في مقابل 44,471 جريمةٍ العام الماضي، ما يعني ارتفاع معدل الجريمة بنسبة 18%.
يشكل العنف العنصري 82% من جرائم الكراهية في بريطانيا. في العام الماضي، شهدت لندن وحدها ارتفاع معدل جرائم الكراهية ضدّ المسلمين، بنسبة 70%. (تيل ماما Tell Mama) هو مشروعٌ وطنيٌّ في بريطانيا، يهدف إلى وضع الأنشطة المعادية للإسلام تحت المجهر. طبقًا لتقارير (تيل ماما) فإنّ 6% من الجرائم تمّ ارتكابها ضدّ المسلمات المحجبات حجابًا كاملًا.
باختصار، فإنّ بعض من يتبنّون آراءً عنصريّة، وبعض الجماعات ذات التوجهات اليمينية المتطرفة، يستهدفون الأقليّة المسلمة في بريطانيا.
لقد بدأت الحكومة البريطانية في اتّخاذ التدابير اللّازمة، للحدّ من هذه الظاهرة؛ فقد خصّصت هذا العام على سبيل المثال، 5 ملايين جنيه استرليني، لبناء شبكةٍ وطنيةٍ تشمل المجتمع المدني للنضال ضدّ (جميع أشكال الفكر المتطرّف). هذه الأموال سيتمّ تسليمها إلى مجموعاتٍ مقابلة للمجموعات التي تصفها الحكومة بـ (الخطيرة). من المتوقع أن يكون دورها هو نشر الوعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنشاء المواقع الإلكترونية، ودعم بعض المشاريع المحدّدة. كما سيتمّ تشكيل (وحدة تحليل التطرّف) داخل هيكل وزارة الداخلية. من خلال تلك الوحدة، سيتمّ توفير الدعم في مجال مكافحة التطرف، لصالح الجهات الحكومية والقطاع الخاصّ. كما سيكون على السلطات المحلية إغلاق جميع الأماكن التي من المتوقع أن يتمّ فيها دعم الأنشطة المؤيدة للتطرف. في الوقت ذاته، يجب حدوث بعض التغيرات التي تسمح لراديو الإذاعة والتلفزيون (هيئة الأوفكوم) بالتدخل ضدّ البرامج الموالية للتطرف.
كشفت الحكومة البريطانية عن دورها المهم في اتخاذ التدابير ضد التمييز في تقريرٍ باسم تقرير سير العمل بخصوص جرائم الكراهية. طبقًا لهذا التقرير، فقد أدانت الحكومة البريطانية بشدة، جميع الهجمات المعادية للإسلام في جميع المناسبات، كما قامت بنشر دوريات الشرطة على مدار 24 ساعة، في المناطق المعرضة للخطر، وعملت بجدٍّ لمنع حدوث جرائم الكراهية قبل وقوعها، كذلك يتمّ توسيع أنظمةٍ عمليةٍ لمكافحة الجريمة مثل تعزيز نظام الخط الساخن العام.
يبدو جليًّا أنّ تلك التدابير المُتَخذة ضدّ اليمين المتطرف والمجموعات العنصرية، من شأنها منع جرائم الكراهية. ومع ذلك، فإنّ ثمّة احتمال كبير، أن تؤدّي تلك الإجراءات المُتخذة لمنع انضمام الشباب المسلمين إلى الجماعات المتطرفة، إلى تشجيع التمييز ضد المسلمين داخل المجتمع.
تشمل هذه الإجراءات منع بعض المجموعات التي يُعتقد بدعمها وتشجيعها للكراهية، وغلق الأماكن التي تربي الراديكاليين بما في ذلك المساجد، ومنح المزيد من الصلاحيات لهيئة أوفكوم كي تقوم باتخاذ إجراءاتٍ أكثرَ صرامة ضدّ محطات الإذاعة والتلفزيون التي تشجع التطرف. مجلس مسلمي بريطانيا، وهو أكبر منظمة للمجتمع المدني الإسلامي في البلاد، رافضٌ لهذا الإجراء الذي يدعمه الكاميرون. حذّر الأمين العام للمجلس، الدكتور شجاع الشافي، من احتمالية أن تؤدي مثل تلك الإجراءات إلى المزيد من التمييز ضدّ المسلمين في بريطانيا. كما قال شجاع بأنّ هذه الإجراءات يمكن أن يُنظر إليها كوسيلةٍ لمعالجة قلق البعض من المسلمين وحياتهم الدينية، بدلًا من وباءِ الإرهاب ذاته.
يجب أن يكون التعليم والمحبة بدلًا من أساليب الشرطة، في طليعة الكفاح ضدّ التطرف. من الممكن أن يكون استخدام الطرق العلميّة في كشف وفضح المعتقدات الخرافيّة والتعصّب الديني الذي أُضيف إلى الإسلام حديثًا، هو الخطوة الأولى على هذا الدرب.
يجب على مواطني هذه الدولة التي هي مهد الديمقراطية الأوروبية، أن يتصرّفوا بأساليب راقية وحضارية. من حقهم أن يكونوا أحرارًا في تبني المعتقدات التي يرونها صحيحة، ولكن في الوقت ذاته، يجب عليهم تقبّل وجهات النظر وأساليب الحياة المختلفة عنهم، وعدم مواجهتها بالكراهية. كما عليهم عدم تحويل الكراهية إلى أفعالٍ ضارّة. يجب أن يكون لكل فردٍ الحق في حرية التعبير عن آرائه وانتقاداته، ولكن ليس من حقّه فرض آرائه عنوة. في الواقع، لا يخدم التطرّف سوى أهداف المحرضين وأعداء النجاح. أولئك الذين يعملون في الظلام، يستغلون مثل تلك الأحداث لخدمة أهدافهم الخاصة. لقد كانت الإجراءات القائمة على القمع والعدائية دائمًا مشجعةً للتطرف.
يستحيل بناء دولةٍ آمنةٍ ومزدهرةٍ إلا من خلال وضع الخلافات والصراعات بين الناس في محلها. يجب انتهاز كلّ فرصة لنشر فضائل التعاون والوحدة والمحبة والرحمة بين الناس. أمّا القمع والعدائية فلا يمكن أن يمثلا حلًا لأيّة مشكلة. بل يجب وضع الأضرار الناتجة عنهما في جداول الأعمال من خلال البيانات الإحصائية والأمثلة المناسبة. مثل تلك الأساليب المعتدلة وحدها كفيلة بالقضاء على من ينتهكون السلام وينشرون الفوضى مثل الجماعات اليمينية المتطرفة.
في مثل هذا العالم الذي نقوم فيه بتحييد دوامة العنف، سيكون بوسع الأطفال أن يلعبوا بحريةٍ في الشوارع، وبوسع النساء أن يتجولن في الأماكن المظلمة بلا خوف. كذلك، لن يكون هناك الكثير من الأيتام والأرامل. حينها سيكون بمقدورنا إنفاق مئات الملايين من الدولارات التي تُنفق اليوم على الأسلحة والدفاع عن النفس، على إفادة البشر. وستختفي حينها الكوارث التي تعذب البشرية مثل الحروب والفقر والجوع والجهل.