عدنان أوكطار
أُسست الأمم المتحدة بهدف إرساء السلام والأمن ومنع قيام الحروب، ولكنها تعرضت في الآونة الأخيرة للكثير من الانتقادات الحادة واللاذعة؛ تتمثل تلك الانتقادات في الأداء البطيء للهيئة وفقدانها للدور الفعّال فيما يتعلق بمواجهة الحروب والأزمات – وخصوصًا الحرب الأهلية الجارية في سوريا حاليًا – والصراعات، هذا بجانب المكانة المتميزة الممنوحة للدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة.
في مارس من عام 2015، اتُهمت الأمم المتحدة من قبل 21 منظمة من منظمات الإغاثة بالفشل الذريع، وقد انتقد سليل شيتي - الأمين العام لمنظمة العفو الدولية - الهيئة لفشلها في إدراة الأزمة المتعلقة باللاجئين والتي – طبقًا لوصف شيتي – تعد أحد أعظم التحديات في القرن الحادي والعشرين.
في المقابلة التي أُجريت معه مؤخرًا، صرح زيد بن رعد الحسين – المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان – بأن ما يحدث في سوريا هو أوضح مثال على فشل مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، مضيفًا " تقع مسؤولية إنهاء الصراعات المشابهة لذلك الصراع المستمر في سوريا على مدار 5 سنوات بشكل أساسي على عاتق مجلس الأمن الذي يحوي بداخله الدول الخمسة دائمة العضوية، والتي تقع على عاتقهم الكثير من المسؤوليات الجسام".
شهدت الدورة الـ 70 من جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة - التي انعقدت في سبتمبر من عام 2015 - الكثير من الانتقادات فيما يتعلق بالأمور السالف ذكرها، يأتي هذا في الوقت الذي وُضعت فيه المطالبات المتزايدة لتوسيع صلاحيات مجلس الأمن وتحجيم استخدام "حق الفيتو" الخاص بالدول الخمسة دائمة العضوية على جدول أعمال تلك الدورة.
لا يخفى على أحد تلك المبادرة التي اتخذتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية لتأسيس الأمم المتحدة، ولا يخفى على أحد أيضًا حق الفيتو الذي منحته تلك الدول لنفسها إبان تأسيس الهيئة، وأيضًا ما فعلوه من منح أنفسهم العضوية الدائمة داخل مجلس الأمن، وهو الجهاز التنفيذي الأهم بالهيئة. يستحيل تمرير أية قرارات عبر مجلس الأمن في حالة استخدام حق الفيتو تجاه القرار من قبل أيّ من الدول الخمسة دائمة العضوية، وهم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين. وفي الوقت الذي تُعد فيه القرارات الصادرة عن جميع أجهزة الهيئة محض قرارات استشارية، فإن القرارات الصادرة عن مجلس الأمن مُلزمة لجميع الدول الأعضاء بالهيئة. تُعد تلك الوضعية المميزة التي منحتها الدول الخمسة الدائمة لنفسها والتي تتعارض مع العدالة الدولية، ومبدأ المساواة، والقانون الدولي هي المشكلة الأكبر التي تتعلق بالأمم المتحدة. هذه المشكلة أيضًا هي السبب وراء الفشل الذي يلاحق الأمم المتحدة - فيما عدا بعض الاستثناءات - فيما يتعلق "بالحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، والقدرة على الحد من الأزمات والكوارث". في الواقع، لم يعد للأمم المتحدة دور محثوث في مواجهة الأزمات، والحروب، والنزاعات، والاعتداءات، والاحتلالات التي لا تُحصى كحرب الاستقلال الجزائرية (1954-62)، والثورة الغواتيمالية (1954)، وأزمة السويس (1956)، واحتلال المجر (1956)، وحرب فيتنام (1946-1975)، والحرب الصينية الفيتنامية (1979)، واحتلال أفغانستان (1979-88)، واحتلال بنما (1989)، واحتلال العراق (2003)، والحرب الجورجية (2008)، واحتلال شبه جزيرة القرم (2014)، والحرب الجارية في سوريا منذ عام 2012 إلى وقتنا هذا. وعلى ما يبدو فإن الأمم المتحدة تجاهلت أيضًا كل شيء فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، ومشكلة قطاع غزة، والصراعات المنتشرة في جميع أرجاء أفريقيا، ومجزرة سراييفو، وذلك بجانب الاضطهاد، والتعذيب، والإبادة التي يتعرض لها المسلمون في ميانمار وشرق تركستان على مدار عشرات السنين.
ما زال هناك الكثير والكثير من الأمثلة التي يمكن سردها فيما يتعلق بتلك المسألة، المثير في الأمر أن جميع الدول الخمسة دائمة العضوية بمجلس الأمن - والتي أخذت على عاتقها مسؤولية حفظ السلام، والاستقرار، والهدوء في جميع أرجاء العالم - هم في الواقع يستحوذون على ما تزيد نسبته على 65% من إنتاج وبيع الأسلحة لجميع أنحاء العالم، ويأتي هذا في الوقت الذي تستحوذ فيه الولايات المتحدة على ما نسبته 35% من النسبة السالف ذكرها.
وطالما أنها قادرة على الالتزام بمهمتها الأساسية وقادرة على تنفيذها على أكمل وجه، فقد أصبح جليًا أن دور الهيئات كهيئة الأمم المتحدة أصبح هامًا وحاسمًا فيما يتعلق بحفظ السلام والأمن وتسوية النزاعات في جميع أرجاء العالم.
وبالتالي، وبدلًا من أن تلعب دورها الأساسي - والمنصوص عليه نظريًا - بتمثيل جميع دول العالم، فإن دور الأمم المتحدة الحقيقي أصبح مقتصرًا فقط على خدمة الدول الكبرى، وتمرير مصالح تلك الدول بشكل قانوني. الأمر يتطلب التدخل لعمل الكثير من الإصلاحات العاجلة فيما يتعلق بالهيكل الخاص بمجلس الأمن. من الواجب أن تتمحور تلك الإصلاحات حول الوضعية المميزة الممنوحة لبعض الدول كالعضوية الدائمة داخل المجلس وحق الفيتو، وهي الحقوق التي تخالف معايير القانون والعدالة الدوليين، وتخالف أيضًا مبادئ المساواة في السيادة فيما يتعلق بجميع دول العالم. لقد أصبح من الضروري على المجلس اتباع مبدأ الشفافية وإيجاد السبل القانونية الواضحة لإصلاح نفسه من الداخل.
فأولًا، وقبل كل شيء، ينبغي أن يعلم الجميع بأن تلك القرارات التي تصدر عن مجلس لا يُمثل فيه ما يقرب من 1.7 مليار مسلم بالشكل اللائق – على الرغم من أن ما يقرب من نصف القرارات التي تتخذها الأمم المتحدة تتعلق بالدول الإسلامية والشرق أوسطية – ستكون بمثابة القرارات الفاقدة للشرعية والفاعلية.
ينبغي على العالم الإسلامي، بالطبع، الخروج بالكثير من الدروس المستفادة من الوضع الراهن. سيظل المسلمون في حاجة إلى التحالفات الأخرى لحماية حقوقهم ومصالحهم ما لم يتوحدوا مع بعضهم البعض. لقد حان الوقت كي يدرك العالم الإسلامي مدى جسامة الأوضاع الراهنة، وأن عليهم اتخاذ بعض الخطوات الحاسمة لتصحيح هذا الوضع المأساوي.
http://www.raya.com/news/pages/f7204b3b-f52a-4897-a110-745a8e888729
http://www.raya.com/File/Get/ffa99c53-ee2b-44e8-9e04-3d5fcf897ffb#pagemode=thumbs