إرهاب الشرق الأوسط يستهدف المسيحيين
ucgen

إرهاب الشرق الأوسط يستهدف المسيحيين

1097

منطقة الشرق الأوسط والأناضول مهد المسيحية، وفي هذه الأراضي عاشت مريم عليها السلام مع عائلتها، وفي هذه الأرض وُلِد النبي يوحنا (عليه السلام) واستشهد، ووُلِد عيسى عليه السلام في مدينة بيت لحم، في المنطقة التي أصبحت لاحقا تسمى فلسطين، ثم رفعه الله إليه من هذه الأرض الطيبة، ولهذه الأرض أيضا قيمة كبيرة بالنسبة لليهود باعتبارها مقدسة.

شكلت هذه المنطقة على مدى قرون أرضا، تعايش في رحابها أتباع الديانات الرئيسية الثلاثة، حيث شكلوا نسيج فسيفساء، في سلام واحترام لبعضهم بعضا، و بعد الحرب العالمية الثانية، دُفِع اليهود والمسلمون دفعًا في دوامة عنف طاحنة، ناتجة عن التدخلات الخارجية وذلك على مدى 70 سنة ماضية، أما اليوم، وقد دخلنا القرن الـ 21، توشك المنطقة برمتها السقوط في هوة سحيقة، قد تفضي إلى حالة شبه فوضى عارمة ذات عواقب وخيمة. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، لقي الملايين من المسلمين حتفهم، وانهارت الدول الكبرى في العالم الإسلامي، الواحدة تلو الأخرى. وإلى جانب هذه المأساة التي حصدت أرواح قوافل من المسلمين، سقط أيضا ضحايا آخرون، نتيجة هذا الجو من العنف المستشري، يتعلق الأمر بالمسيحيين المقيمين في المنطقة.

سُجِل انخفاض كبير، مع مرور كل يوم، في عدد السكان المسيحيين في الشرق الأوسط، نظرا لاضطرار العرب المسيحيين والآشوريين والأرمن والمركيت والموارنة والأقباط إلى هجرة أراضيهم، ويُسَجل أيضا شبه انقراض المسيحية الأرثوذكسية في المنطقة، بينما تعيش المجموعة المتقلصة من المسيحيين الذين اختاروا البقاء في المنطقة، في جو من الرعب، خاصة بعد استهدافهم من قبل الجماعات الراديكالية والحكومات القمعية، ويقع المسيحيون أيضا ضحايا للأنشطة الاستفزازية في المنطقة. وقد دُمِر في السنوات القليلة الماضية، عددٌ لا يحصى من الكنائس أو تعرضت للقصف في مصر، مخلفة المئات من الضحايا المسيحيين، وانخفض عدد المسيحيين العراقيين بشكل كبير، لينحدر من 1.4 مليون نسمة في 2003، إلى نحو 300 ألف مسيحي اليوم، فضلا عن التدمير الكامل للقرى الكلدانية والسريانية والنسطورية، مما حوَل المسيحيين إلى لاجئين داخل بلادهم.

تُعد سوريا اليوم بلا أدنى شك، المكان الذي يشتد فيه لهيب الحرب أكثر من أي منطقة أخرى، وفي هذه الظروف الخطيرة يجد المجتمع المسيحي السوري نفسه رهينة الصراع بين فكي النظام السوري والجماعات الانفصالية. وقد تعرضت العديد من الكنائس، خاصة في حمص واللاذقية، إلى تبادل نيران كثيفة بين الأطراف المتنازعة، قبل أن تُدمَر تماما. يعود تاريخ المسيحيين السوريين إلى زمن القديس بولس الضارب في القدم، حيث كان يبلغ عدد السكان المنتمين لهذه الجماعة ذات الجذور العميقة، أي ما قبل ألفي عام، مليوني نسمة، في حين انخفض عددهم اليوم ليتقلص إلى بضع مئات الآلاف.

تشكل المنطقة الشمالية من سوريا إحدى مراكز المجتمع المسيحي، وتتألف ديموغرافيًا في معظمها من الأكراد والعرب والتركمان، ومع انتشار رقعة الحرب الأهلية، أنشأ حزب الاتحاد الديمقراطي مقاطعة في المنطقة وفرضها بحكم الأمر الواقع، ونظرا لرغبة هذا الحزب في إقامة دولة شيوعية في سوريا، يقوم بممارسة ضغوط على السكان الأكراد والعرب والتركمان المحليين، في الوقت الذي يكافح النسطوريون المسيحيون من أجل البقاء في وجه حملات القمع على يد حزب الاتحاد الديمقراطي. وقد أحرقت العديد من القرى المسيحية، وأجبر سكان المنطقة على الهجرة، ونهبت جميع الممتلكات التي تركوها وراءهم، من قبل المنظمة الإرهابية التي يشكلها حزب الاتحاد الديمقراطي وأفراده، وتعرض أيضا المسيحيون الذين يكافحون من أجل الوجود في مدينة القامشلي لهجوم مسلح من قبل مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي في أكثر من مناسبة. وقُتِل الكثير من المسيحيين في المنطقة، خاصة منذ أوائل 2017، نتيجة هجمات حزب الاتحاد الديمقراطي، وأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي مدينة القامشلي عاصمة لِما يسميها بمقاطعتهم، مع محاولته في الوقت الراهن، القضاء على 50 ألف مسيحي يقيمون في القامشلي.

يحاول المسيحيون في شمال سوريا إسماع صوتهم للعالم الخارجي في كل فرصة تتاح أمامهم، من خلال شرح كيف يقوم حزب الاتحاد الديمقراطي بالاستيلاء على ممتلكاتهم، وكيفية فرضه عليهم الضرائب بقوة السلاح، وكيف يُجبر شبابهم على القتال في صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي. وقد تحدث جوني ميسو، رئيس مجلس الآراميين العالميين باستمرار في مقابلاته حول سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي للاستيلاء على المنطقة وكيفية استخدام المنظمة الإرهابية للأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة ضد المسيحيين الأبرياء. ومن جديد، أصدرت 18 منظمة أرمنية ونسطورية، في الأيام القليلة الماضية، إعلانا مشتركا احتجاجا على السياسات القمعية التي يتبعها حزب الاتحاد الديمقراطي تجاه المسيحيين، لكن للأسف لم تجد هذه المناشدات من المسيحيين في شمال سوريا آذان مصغية وتكاد لم تحدث أي تأثير في وسائل الإعلام الغربية.

يُلاحظ تعامل قوات التحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي بالكثير من التسامح والدلال، لا سيما من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يجري تزويد هذا التنظيم بالأسلحة والدعم المالي، والتغاضي عن سياساته العدوانية. والمؤسف أن الولايات المتحدة الأمريكية يبدو وكأنها لا ترى انجراف العالم  نحو إرهاب شيوعي جديد، علما بأن الشيء الوحيد الذي حققه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني/ حزب العمال الكردستاني في تاريخه الممتد على مدى 40 عامًا يقتصر على إرهاب أي جهة تعترض طريقهما، وخاصة شعوبهما.

يرتكب الغرب في استمرار تحالفه مع هؤلاء الإرهابيين الشيوعيين مغامرة محفوفة بالمخاطر، ويلعب بالنار في واقع الأمر نظرا لعلمه بطبيعة هذا التحالف، لكنه يبدو غير مدرك أن المنظمات الإرهابية بطبيعتها ليس لديها حلفاء وأصدقاء، وقد يسبب تحول أي منظمة مسلحة إلى دولة فعلية في سوريا، في إشعال فتيل حرب جديدة لا تبقي ولا تذر، يدفع ثمنها الباهظ كل من المسيحيين والمسلمين واليهود والعرب والأكراد والتركمان، أي كافة شعوب المنطقة باختصار. وغير مستبعد انتشار شرارة مثل هذا اللهيب بسرعة وعلى نطاق واسع قد يشمل العالم بأسره، ولهذا السبب، فلا بد من وضع حد نهائي وفي أقرب وقت ممكن لسياسة تسليح المنظمات الإرهابية واستخدامها كمرتزقة.

في نهاية المطاف، يقع على عاتق جميع المسلمين، واجب جمع الشمل فيما بينهم ورص الصفوف مع المسيحيين المضطهدين، لوضع حد للقمع السائد الذي يستهدف المسلمين والمسيحيين على حد سواء.

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo