معظم الناس يتصرفون بنفس الطريقة عندما يقال لهم بأن الداروينية تشكل خطرًا على الإنسانية: الدهشة هي السمة المشتركة، والسبب وراء هذا الذهول هو أنهم لا يدركون كيف يمكن لنظرية بيولوجية أن تشكل خطرًا بأي شكل من الأشكال. ورغم أنهم يعرفون عن الكثير من المشاكل الكبرى التي تنتشر حاليًا في جميع أنحاء العالم، لكنهم لا يرون أي علاقة لهذه المشاكل بالداروينية.
تعتبر الداروينية خطرًا لأنها ليست مجرد نظرية مجردة عن علم الأحياء، بل إنها تشعبت أيضًا وامتدت أذرعها المختلفة في اتجاهات غير متوقعة، وأحدثت تأثيرات سلبية هائلة في كل مكان امتدت إليه تفرعاتها. بدأت بنشر مزاعمها غير الدقيقة التي لا تقوم على أي أساس علمي، التي مفادها أن الحياة نشأت بالصدفة. ثم زعمت أنه أمر لا مفر منه، أن تتشكل الحياة على أساس صراعات مستمرة، حول كل شيء، وأن القوي يجب أن يسحق الضعيف، وأنه لا بد من وجود أنانية مطلقة من أجل النجاح، بل وروجت هذه النظرية لزعم غريب، تدعي فيه أن كل ما تطرحه من فرضيات مدعوم بالعلم.
بادئ ذي بدء، كل هذه الادعاءات خاطئة. ليس فقط أن الكون لم يشهد أي عملية تطورية، في أي مرحلة من مراحله، ولكن التجارب الحياتية والأدلة الملموسة تثبت أن الأنانية والقسوة ليست سوى اختيارات تتم بإرادة أصحابها، ومن المؤكد أنها ليست شيئًا مبرمجًا في داخلنا لننفذه من دون إرادة منا، كما يحلو للداروينيين اعتقاده.
ومع ذلك، تمكنت الداروينية من إحداث تأثير من خلال الافتراضات الخاطئة. أول الأمور، لقد ساهم خطابها الأناني والمادي في تجريد الناس من شعورهم بالسعادة، وحوّل بشكل مزيف، المشاعر الجميلة مثل الحب والتعاطف والإيثار إلى مجرد أوهام وردود فعل بيولوجية. ولأنها ادعت أنها نظرية علمية، فقد قادت أغلبية من الناس إلى الاعتقاد بأن حياتهم عبثية من دون أي معنى في الواقع. وبعد الدعاية المستمرة من خلال أنظمة التعليم ووسائل الإعلام، بدأ معظم الناس يعتقدون أنه لا يوجد أي هدف من هذه الحياة، وأن الحياة البشرية ليس لها قيمة على الإطلاق، وأن على «كل فرد ألا يهتم إلا بنفسه ومصالحه» وما إلى ذلك.
ونتيجة لذلك، بدأ الناس يعيشون حياتهم من دون شعور بأنهم يملكون هدفًا في هذه الحياة، مع التشديد المتواصل على كل شيء من أغراض الحياة، دون الوثوق بالله، يئنون تحت عبء الاعتقاد بأن العالم كله ضدهم. لا عجب أن نشاهد غياب الابتسامة على أوجه الناس كما كانوا من قبل، ولا عجب أن العلاقات -سواء مع أفراد العائلة والأصدقاء أو الجيران- التي تعد حيوية للغاية للسعادة، تتضاءل مع الوقت إلى حد التلاشي. حتى أكثر المتعصبين لداروين، ومن بينهم الملحد الشهير ريتشارد دوكينز، يعترف بأنه لا يرغب في العيش في مجتمع دارويني، لكن، سواء كان يريد ذلك أم لا، فهو يعيش بالفعل في عالم دارويني، وكذلك بقية العالم.
للأسف، لا يقتصر الضرر على حرمان الناس من السعادة. لقد تسببت هذه النظرية في فورة غضب لدى الناس جعلتهم أكثر عنفًا. في الواقع، يمكن ربط بشكل مباشر عمليات إطلاق النار في المدارس التي أصبحت بمكانة الروتين الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية، بهذا التلقين المادي طويل الأمد. يشرح الصحفي الأمريكي والمؤلف أليكس نيومان، الذي كان ضيفًا في المؤتمر الدولي الأخير حول «أصل الحياة والكون» في إسطنبول ، كيف أدى هذا التلقين الدارويني إلى العنف في المدارس الأمريكية:
«أعتقد أن تدريس نظرية التطور في المدارس باعتبارها حقيقة ثابتة، يشكل عاملًا مركزيًا للغاية، وراء انتشار العنف الذي رأيناه في المدارس ونشاط العصابات وعمليات إطلاق النار في الأماكن العامة. من السهل جدًا فهم السبب: إذا لقنت الأطفال أن البقاء على قيد الحياة هو فقط من نصيب الأقوياء، وإذا علمت الأطفال أن الحياة لا معنى لها، وأن الحياة البشرية ليست لها قيمة، ما عدا السعي لتحقيق المتعة والسيطرة على الآخرين ونشر الجينات للتوارث، فمن الواضح جدًا في هذه الحالة، أن نرى ما سيؤدي إليه مثل ذلك التلقين.
وإذا نظرت إلى الأمثلة من واقعنا المعاش، على غرار عملية إطلاق النار في مدرسة كولومبين الثانوية، التي كانت الأولى من نوعها وأبرزها، ما يلاحظ هو أن هؤلاء الأطفال يتم تلقينهم بالكامل نظرية التطور… [حتى لو] لم يقم الطفل بإطلاق النار في المدرسة، ربما سيصبح سياسيًا، ربما سيقود حكومة ثم يضع هذه الأفكار موضع التنفيذ على نطاق أوسع، وما سيتمخض عنه في نهاية المطاف، هو مأساة على الصعيد الوطني أو حتى على نطاق عالمي، ولنا في ذلك أمثلة يجسدها أشخاص مثل أدولف هتلر، أو ستالين أو ماو». إنه أمر جوهري بالنسبة للذين يتبنون مثل هذه الرؤى للعالم، أن يؤمنوا بالنظرية التطورية لأنه بدون النظرية التطورية، يعترف الإنسان ويدرك أن البشر هم من صنع الله على صورته سبحانه. كيف يمكنك إذن أن تقتل الناس، كيف يمكنك أن تغتال الناس، عندما تدرك بأن الله يقدرهم، وأن الله هو الذي خلقهم؟
الكثير من الناس لا يعرفون أن النازية تأثرت بشكل كبير بأفكار داروين، وقد ذكر هتلر بالكثير من الازدراء والاحتقار جميع الأقوام من غير «العرق الآري» ونعتهم بالـ «قردة» أو «كائنات دون البشر». وبالمثل، أهدى كارل ماركس كتابه لتشارلز داروين وستالين ولينين، الذين يتحملون معًا المسؤولية عن هلاك عشرات الملايين من الأبرياء، وكان جميعهم من المعجبين بداروين والمستلهمين لأفكاره، عند ارتكاب أفعالهم المروعة.
يجري حديث بلا توقف، وتعقد اجتماعات بعد اجتماعات لإيجاد حلول لمشاكلنا في العالم، لكن لا يبدو أن أحدًا يعي أن التعاليم المادية الداروينية تتسبب في أضرار جسيمة وعميقة لنسيج مجتمعاتنا.
ولهذا السبب من المهم للغاية الوقوف على مخاطر الدارونية وتحديها علميًا. تنظم مؤسسة الأبحاث التقنية والبحث العلمي مؤتمرات دولية سنوية لمعالجة هذه القضية وتوضح للعالم حقيقة الخلق.
في هذا العام، عُقد المؤتمر في إسطنبول في 28 أبريل 2018 (نيسان) وحضره العديد من العلماء الدوليين الرائدين لشرح كيف أن العلم بين بأن التطور لم يحدث قط ومدى خطورة تبعاته الاجتماعية. بطبيعة الحال، تستأثر هذه الأحداث الدولية باهتمام كبير وتلحق دمارًا كبيرًا بالدكتاتورية الداروينية التي تؤذي عالمنا إلى أبعد مدى، لكن من الصحيح أيضًا أن عالمنا يحتاج إلى المزيد من هذه الجهود ويحتاج بالتأكيد إلى أناس عقلانيين من ذوي الوعي، للتواصل فيما بينهم والعمل معًا لاتخاذ موقف فكري ضد الداروينية.
https://www.sasapost.com/opinion/the-reason-for-the-seriousness-of-darwinism/