السنوات الأخيرة من الحياة هي الأوقات الأكثر إهمالًا من حيث الخطط المستقبلية للأشخاص البالغين، إلا في عملية الادخار لمعاش الشيخوخة المثيرة للتوتر. في الواقع، مع الاقتراب من الموت، عادة ما يصير الناس مترددون حيال هذه الفترة. عندما يحاول شخص ما أن يتحدث عن الشيخوخة، يشعر الآخرون بالقلق ويحاولون تغيير هذا الموضوع "غير السار" في أقرب وقت ممكن. روتين الحياة اليومية هو أيضًا وسيلة جيدة للهروب من التفكير في هذه السنوات التي يُحتمل أن تكون بائسة. لذلك، فهو يُؤجل إلى أن يأتي هذا اليوم الذي لا محالة منه. لا شك في أن السبب الرئيسي لهذا التجنب هو افتراض أن المرء يمتلك وقتًا لا نهاية له قبل أن يأتيه الموت.
غالبًا ما تؤدي تلك الفكرة الخاطئة إلى حزن كبير. السبب ببساطة -بغض النظر عن مدى واحد من العمر- هو أن الممتلكات الحقيقية الوحيدة المتبقية من ماضي الشخص هي الذكريات التي يتذكرها بشكل خافت. الإنسان بالكاد يتذكر طفولته، بل من الأصعب التذكر بالضبط ما حدث خلال العقد الماضي. أعظم طموحات الشاب، وقراراته المهمة، وأهدافه التي يلتزم بها، جميعها تفقد أهميتها بمجرد أن يختبرها وينتهي منها. وهو ما يجعل حكاية "قصة حياة طويلة" عناءً دون جدوى.
سواء المراهق أو الراشد، ينبغي لهذا الأمر أن يدفع الشخص إلى اتخاذ قرار مهم في حياته. على سبيل المثال، إذا كنت في الأربعين وتتوقع العيش حتى منتصف الستينات -وأنت لا تضمن هذا- فتلك السنوات الخمس والعشرون المتبقية ستمر بالتأكيد بسرعة مثل السنوات الأربعين السابقة. وهذا بالتأكيد، تذكير دائم بطبيعة هذا العالم. ذات يوم سيغادر كل مخلوق حي على هذه الأرض هذا العالم ولن تكون هناك عودة.
وبالتالي، يجب أن يُنحي الشخص تحيزه جانبًا ويكون أكثر واقعية في حياته. الوقت يمر بسرعة كبيرة وكل يوم يجلب المزيد من الضعف الجسدي والفكري بدلًا من الحيوية والانتعاش والمظهر الأصغر سنًا. باختصار، يُعد التقدم بالسن دليلًا على عدم قدرة الرجل على التحكم في جسمه أو حياته أو مصيره.
في الطب، تُسمى الشيخوخة المتقدمة أيضًا بـ "الطفولة الثانية". خلال هذه المرحلة الأخيرة من الحياة، يحتاج المسنون إلى الرعاية تمامًا مثل الأطفال، إذ تمر أجسادهم ووظائفهم العقلية ببعض التغيرات.
بعبارة أخرى، تبدأ الحياة وتنتهي في حالة أشبه بالرُضع. ومن الواضح أن هذه ليست عملية عشوائية. من الممكن أن يحتفظ الإنسان بشبابه إلى أن يموت، ولكن الله تعالى يذكر الناس بالطبيعة المؤقتة لهذا العالم بجعل جودة الحياة تتدهور في مراحل معينة. تخدم هذه العملية تذكيرًا واضحًا بأن الحياة تمر بسرعة.
لا يمكن تجنب التقدم في السن، ولا يمكن لأحد -بلا استثناء- الهروب منه. رؤية جميع الناس يشيخون هو بالتأكيد تذكير بقصر وتفاهة هذه الحياة.
يمكن ملاحظة هذه الحقيقة كل يوم من مئات الأمثلة من حولنا، الشخص الذكي والذي يتمتع بالصحة والشهرة، كان ذات مرة رمزًا للجمال أو للنجاح، يظهر يوما ما في الصحف والمجلات وعلى شاشات التلفزيون وهو يعاني من إعاقة جسدية أو عقلية. كل هذا دليل واضح على أنه مهما كنت جميلًا أو ناجحًا أو شابًا، فإن النهاية الحتمية للإنسان هي الشيخوخة.
ذُكرت التغيرات التي يمر بها البشر خلال حياتهم في القرآن الكريم فيما يلي: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" سورة الروم 54.
ولكن الجسم فقط هو الذي يمر بهذه العملية التي لا رجعة فيها ويموت في النهاية. بينما الروح، من ناحية أخرى، تعيش إلى الأبد. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يصطحبه الإنسان معه عندما يموت هو إيمانه أو كفره.
والطريق لتجنب العقاب الأبدي، والفوز بالنعيم الدائم ونيل رضا الله واضح: قبل فوات الأوان، كن ذا إيمان حقيقي بالله واقض حياتك في فعل الخيرات لتحقيق رضوانه.
http://www.raya.com/news/pages/6a2d2a51-50ea-40e7-b0b8-a8b830264972