تشكِّل الأعياد الدينية فرصًا رائعة للمسلمين كي ينحّوا جانبًا حالة الاستياء، ويكوِّنوا صداقات جديدة، ويبنوا حالة من الألفة بين الناس. إلا أننا نرى بعض المسلمين لا يستغلون هذه الفرصة.
لقد تجاوز عدد الضحايا بالفعل ملايين القتلى في الحروب الطائفية المستمرة في العراق وإيران واليمن وسوريا، فيما تستمر المواجهات المسلحة بين المسلمين في مصر وليبيا وباكستان وأفغانستان جراء الاختلاف في تفسيرات الإسلام. وفي غضون ذلك، يواجه المسلمون في نيجيرياوسنجان وميانمار اضطهادًا شديدًا، إذ يُنظر إليهم أنهم يشكلون تهديدًا في بلادهم وحسب بسبب معتقداتهم، كما أن المشاعر المناهضة للإسلام تأخذ في الازدياد.
والآن، صارت مظاهر الاحتفال القديمة في العالم الإسلامي شيئًا من الماضي؛ لم يعد الأجداد في ولاية أراكان في ميانمار قادرين على أن يربتوا بسرور على رؤوس أحفادهم، ولا أن يمرح أطفال سوريا المدمرة في الشوارع متأنقين بملابس العيد الجديدة، كما أن الناس لا يمكنهمزيارة ذويهم وجيرانهم خوفًا على سلامتهم.
يجب التخلي عن الصراعات الطائفية في العالم الإسلامي في أقرب وقت ممكن؛ حتى يستعيد المسلمون روح الاحتفالات القديمة التي طالما اشتاقوا إليها. إذ لا يمكن لإخواننا حول العالم – ولا سيما في الشرق الأوسط – أن يتجاوزوا المعاناة والمصاعب التي يستمرون في تحملهاوأن يحيوا الحياة الهادئة المستقرة المسالمة المزدهرة التي يتوقون إليها إلا من خلال الوحدة والتضامن ونية الأخوّة والتراحم الخالصة بين عموم المجتمع الإسلامي وتحت إرشاد القرآن.
وبكل تأكيد تقع مسؤولية رئيسية على عاتق قادة البلاد الإسلامية في هذا المنحى، إذ إن وجود مزيد من القادة العادلين الرحيمين، الذين يمتزجون مع شعوبهم ويخلقون مناخًا متحابًا من أجلهم، بدلًا من قمع الشعوب والبقاء بعيدين عنهم، هو ما سيزيح الظلام والعنف الذي يخيم علىبعض البلاد الإسلامية.
في واقع الأمر، يأمر الله المؤمنين في القرآن بأن يفعلوا الخيرات وأن يحرصوا على التراحم والتسامح، فيما يشدد على أهمية امتلاك شخصية معتدلة ويؤكد على حقيقة أن جميع الأنبياء كانت شخصياتهم معتدلة. تعطي إحدى آيات القرآن المثال التالي على المبادئ الأخلاقية الجميلةللنبي إبراهيم (عليه السلام):
«… إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ» (التوبة 114).
إن العالم الإسلامي في حاجة ماسة إلى مزيد من القادة الذين يكونون على مستوى عال من العصرية والتواضع والبلاغة، والذين يكونون على استعداد لأن يتبادلوا النقاش مع الشباب ويقدموا حلولًا عقلانية لمشاكلهم، والذين يتقبلون بكل سرور السائرين فوق جميع دروب الحياةويحبونهم ويعاملونهم برحمة، والذين يشجعون الفن والجمال تشجيعًا حارًا. ومن خلال معاملة شعوبهم بمثل هذه الروح الكريمة وإعطاء الأولوية للمحبة، فإن هؤلاء القادة سوف يجلبون نعمة الجمال الإلهية على البلاد الإسلامية.
تكمن الطريقة الأخرى لجلب عهد السلام والأمان المنتظر إلى العالم الإسلامي في معاملة النساء بالاحترام والمودة التي يستحققنها، إذ تعاني النساء معاناة شديدة من الاضطهاد وسوء المعاملة في المجتمعات التي لا تلتزم بالمبادئ الأخلاقية للقرآن. ففي بعض البلاد، تنظر عقلياتالمتعصبين إلى النساء على أنهن كائنات ذوات مرتبة ثانية يعشن ببساطة من أجل الخدمة والأعمال المنزلية، وهي فكرة مغلوطة تتعارض كليًا مع القرآن. والأكثر من هذا أن الفكرة الخاطئة التي تقول إن النساء يفتقرن إلى الشخصية والأخلاقيات والقدرة التي تتناسب مباشرة مععجزهن البدني ليس من الصعب أن تصل إلى هذه البلدان.
يخبر الله المؤمنين في القرآن كيف أنه أنبت حضرة السيدة مريم (عليها السلام) نباتًا حسنًا، مما يشير إلى الحقيقة التي مفادها أن النساء راقيات ولطيفات وطاهرات ونفيسات. لذا فينبغي أن تُعامَل النساء في البلاد الإسلامية بأقصى درجات العناية والرحمة والاحترام والمحبة، كماينبغي أن تحظى حقوقهن بمكانة بارزة.
ستكون أفضل الطرق وأكثرها دقة لتغيير العقلية المتعصبة عبر القادة في البلاد الإسلامية الذين يطورون خطابًا شاملًا غير تمييزي، فقد حث القرآن من بين أوامره على السماح للنساء بالتمتع بنفس الحريات التي يتمتع بها أي فرد آخر في المجتمع.
كما ينبغي على المسلمين أن يعاملوا المسيحيين واليهود، وهم أهل الكتاب، معاملةً حسنةً وأن يضمنوا لهم حرية الاعتقاد الضرورية لممارسة شعائرهم. وفي هذا المنحى، من المهم أن يكون لنا أسوة في العادات التي كانت تنتشر في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم). يجب على قادةالبلاد الإسلامية أن يأخذوا بزمام المبادرة في هذا الأمر أيضًا، وأن يتخذوا التدابير لحماية المسيحيين واليهود الذين يعيشون في بلادهم لضمان حياة سلمية لهم وممارسة حرة لشعائرهم.
فإن تحققت كل هذه النقاط، سوف تعود الاحتفالات الدينية مرة أخرى أوقاتًا من البهجة حيث يستطيع المسلمون أن يعانقوا بعضهم بعضًا بمحبة ومودة، وأن يتجمعوا على ذكر الله والدعاء بالخير لغيرهم ولسائر المجتمع الإسلامي. سوف ينتهي الاستياء عبر عناقٍ ممتلئٍ بالحنين،وسوف يحظى الفقراء بيد العون، وسوف يُحيَّى كبار السن بالقبلات على أيديهم، وسوف يفرح الصغار بالعيديات من المال والحلوى والشوكولاتة والهدايا المبهجة الأخرى.
ومع الأعياد، تأتي الاحتفالات والبهجة والسعادة والتواصل الاجتماعي والمشاركة والطمأنينة والجمال. فالأعياد الجميلة التي طالما اشتاق إليها المسلمون تعتبر قريبة المنال، وكل ما علينا القيام به هو أن نبذل جهدًا أكبر من أجل تحقيقها.