لا يخفى على أحد أن السر وراء قوة الغرب ارتبط بشكل معقد بالتطورات في الشرق الأوسط على مدى القرن الماضي. كما أن المشاهد الدموية الصادمة التي نشهدها اليوم بزغت بدون أدنى شك باعتبارها جزءًا من هذه الخطط المرسومة بعناية.
بيد أنه بالكاد يبدو صحيحًا أن بعض المجتمعات المسلمة تحاول أن تلقي باللوم كله على الغرب، وألا تستوعب أي دروس من هذه المشاق. لا يمكن لأي شخص إنكار أن مجتمعات بعينها استسلمت للتطرف، وأعدت نفسها للمؤامرات السرية التي تُحاك لأجل الشرق الأوسط. وطالما اعتبرت القوى العميقة للعالم الغربي أن مجتمعات الشرق الأوسط هي عبارة عن "فريسة سهلة يمكن استغلالها"، ويرجع السبب في هذا بدرجة كبيرة إلى الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها هذه المجتمعات. إذ يعتبر غياب الديمقراطية، والغياب العام للحرية، وكره النساء لبعضهن من هذه الأخطاء الجسيمة. في هذا المقال، سنسلط الضوء في الغالب على الأخطاء التي تُرتكَب فيما يتعلق بالجودة، وكيف أن مجموعات بعينها تسعى لتصدير غيابها على أنه أسلوب حياة، وفي بعض الأحيان تصدره على أنه جزء من التزاماتهم الدينية.
في عالم المتعصبين، ينبغي أن يرتبط الدين بالبؤس، وقد تسببت هذه الصورة في تصاعد رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) ورهاب الأجانب. والغريب أن هذه الصورة البائسة عن المسلمين هي التي تحظى بأكبر قدر من الاهتمام لدى العالم.
رغم أن الشرق الأوسط يجب أن يكون مركز الحضارة والعصرية، باعتباره الوكيل الأمثل للجودة والحضارة التي وُصفت في القرآن الكريم.
فوفقًا لما جاء في القرآن، ينبغي أن يكون المسلمون القدوة في التعاطف والمحبة والطيبة والكرم والنظافة والكياسة. لقد كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أحسن الناس أخلاقًا في هذا الوقت، وأبصرهم، وأطيبهم، وألطفهم، وأبهاهم.
ومن الواضح أن هؤلاء الأشخاص الذين يسعون لتصوير الإسلام على أنه دين البؤس ليسوا على دراية بالقرآن الكريم، كما أنهم لا يعرفون الله حقًا. إن الله جميل يحب الجمال؛ فمن أجل هذا خُلقت الفراشات والطيور والأشجار على صورة شديدة الجمال.
لا تتطلب الجودة أموالًا طائلة، بل تتطلب الذوق والفن والرغبة - والحاجة أيضًا - في الحسن والجمال، إذ يمكن أن يكون المرء شديد الذكاء والأناقة والكياسة بدون أن ينفق أموالًا كثيرة. وبالمثل، يمكن أن يكون شخص ما بلا ذوق رغم الثروة.
يمنع بعض المتطرفين في العالم الإسلامي، بما فيها تركيا، مجتمعاتهم من بناء علاقات مع العالم الغربي بسلوكياتهم المتضاربة. إنهم ينشرون الجلافة والتخلف، لكنهم في الوقت ذاته يعشقون الجودة الأوروبية سرًا. يعتقد هؤلاء الأشخاص المتزعزعون أن كلًا من أهلهم وهم أنفسهم عديمو القيمة ومُهمَلون، كما أنهم يروجون هذه الصورة (والعالم الإسلامي القيِّم بعيد كل البعد عن مثل هذه الانطباعات). وقد أثرت هذه الصورة المشوهة بشدة على تصورات مجتمعات غربية بعينها عن الشرق الأوسط. ونتيجة لهذا، تبنت هذه المجتمعات نزعة تميل للنظر إلى أبناء الشرق الأوسط على أنهم مُهمَلون وعديمو القيمة، وهو ما أجج - بصورة عامة - النظرة العنصرية.
يُعدّ وضع الجودة على أنها سياسة دولة في البلاد الإسلامية أمرًا ذا أهمية عظيمة. إذ أن هذا السبيل من شأنه أن يسهل مواجهة النظرة الخطيرة للمتطرفين. كما ينبغي استحداث وزارات للجودة في أنحاء العالم الإسلامي، وينبغي أن يمتلك الناس وسائل للاطلاع على الفنون والعلوم والإسهام فيها، كما ينبغي أن تُرعَى الجودة وتُشجَّع بكل الطرق الممكنة. فيجب أن تُفسَّر، عن طريق الاستشهاد بالقرآن، على أنها (الجودة) من السمات الشخصية المهمة للمسلمين وأنها، في واقع الأمر، إحدى متطلبات المبادئ الأخلاقية القرآنية.
ليست أوروبا مثالية بكل تأكيد، إلا أن تصورهم للفن والجودة يستحق الثناء الكبير. وبناء عليه، يمكن أن تُتَّخذ أوروبا مثالًا يُحتذى به للتقدم في هذا المنحى.
يعتبر من الأهمية بمكان تذكُّر أن غياب الجودة يمنع التفكير الصحي، ويمنع التفكير الحر، ويفضي إلى العداوة والخصومة. ولا تتناسب هذه الصفات مع المجتمعات الإسلامية. فمن مسؤوليتنا أن نوضح الجودة التي قدمها الإسلام إلى العالم بأسره، وأن نكون نحن أنفسنا قدوة في الجودة.
إذ أن تصوير تلك الروح بأنفسنا هو أهم خطوة نحو تحقيق السلام في عالمنا الذي أصابته العداوات والحروب.
ولهذا السبب؛ يُعدّ تقدير الجودة الفائقة واستيعابها أمراً ضرورياً. والأهم من هذا، أنه ما يريده ربُّنا.