حمل‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬بعض‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬سلام‭ ‬وطمأنينة‭ ‬واستقرار‭ ‬منطقة‭ ‬البلقان،‭ ‬فقد‭ ‬أعادت‭ ‬تلك‭ ‬التطورات‭ ‬إلى‭ ‬الأذهان‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬حقبة‭ ‬التسعينات‭ ‬المؤلمة،‭ ‬والتي‭ ‬شكلت‭ ‬خطرًا‭ ‬داهمًا‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬ككل‭. ‬ويرجع‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬تلك‭ ‬التوترات‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬الخلافات‭ ‬والنزاعات‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭. ‬وتحتاج‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬صربيا،‭ ‬والبوسنة‭ ‬والهرسك،‭ ‬وكوسوفو،‭ ‬ومقدونيا،‭ ‬وكرواتيا‭ ‬إلى‭ ‬متابعة‭ ‬دقيقة‭.‬

إحدى‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬الشائكة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أثارت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬بين‭ ‬البوسنيين‭ ‬وصرب‭ ‬البوسنة‭. ‬وخلافًا‭ ‬للتوقعات،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬التي‭ ‬حققته‭ ‬اتفاقية‭ ‬دايتون‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أخفقت‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬التوترات‭ ‬الكامنة‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭. ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬انتظاره‭ ‬في‭ ‬البوسنة‭. ‬وكان‭ ‬الاستفتاء‭ ‬الذي‭ ‬أُجري‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬صربسكا‭ ‬–‭ ‬أو‭ ‬جمهورية‭ ‬صرب‭ ‬البوسنة،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬أحد‭ ‬الكيانين‭ ‬السياسيين‭ ‬للبوسنة‭ ‬والهرسك‭ ‬–‭ ‬هو‭ ‬آخر‭ ‬تلك‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬وتيرة‭ ‬الاحتقان‭ ‬في‭ ‬البلاد‭. ‬إذ‭ ‬وافق‭ ‬صرب‭ ‬البوسنة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الاستفتاء‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬يوم‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬يناير‭/ ‬كانون‭ ‬الثاني،‭ ‬للاحتفال‭ ‬‮«‬باليوم‭ ‬الوطني‭ ‬لجمهورية‭ ‬صربسكا‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬أُقيمت‭ ‬مراسم‭ ‬الاحتفال‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬وكأنها‭ ‬استعراض‭ ‬للقوة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إدراكهم‭ ‬تمامًا‭ ‬لحقيقة‭ ‬تعارض‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬دستور‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬مخالفته‭ ‬للقانون‭.‬

إذا‭ ‬استمر‭ ‬ميلوراد‭ ‬دوديك‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬صربسكا‭ ‬على‭ ‬مواقفه‭ ‬المتعنتة،‭ ‬فمما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه،‭ ‬سوف‭ ‬يستمر‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬التصاعد‭. ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬هو‭ ‬احتمالية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الاستفتاء‭ ‬الأخير‭ ‬مجرد‭ ‬جس‭ ‬نبض،‭ ‬أو‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الاستفتاء‭ ‬مجرد‭ ‬بروفة‭ ‬لاستفتاء‭ ‬على‭ ‬الاستقلال‭ ‬الكامل‭ ‬يُجرى‭ ‬في‭ ‬2018‭. ‬ولمنع‭ ‬نشوب‭ ‬هذا‭ ‬الصراع،‭ ‬تقع‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬سياسيين‭ ‬اثنين‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬هما‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬والرئيس‭ ‬الصربي‭ ‬المُنتخب‭ ‬حديثًا‭ ‬أليكسندر‭ ‬فوكسيس،‭ ‬والذي‭ ‬أعرب‭ ‬بوضوح‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬تأييده‭ ‬للاستفتاء‭ ‬الأخير‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تعد‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬يبذلها‭ ‬كروات‭ ‬البوسنة،‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬قرابة‭ ‬15‭% ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬ذاتي،‭ ‬عاملًا‭ ‬آخر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يزعزع‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬فتلك‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬موستار‭ ‬قاعدةً‭ ‬لإقامة‭ ‬جمهورية‭ ‬كرواتية،‭ ‬سوف‭ ‬تؤجج‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭. ‬طفى‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬توتر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬صربيا‭ ‬وكوسوفو‭. ‬ويرجع‭ ‬أصل‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صربيا‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بكوسوفو،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تعتبرها‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬أراضيها‭. ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬أثر‭ ‬الأزمة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬نشبت‭ ‬في‭ ‬يناير‭/ ‬كانون‭ ‬الثاني‭ ‬مستمر،‭ ‬والذي‭ ‬تسبب‭ ‬فيها‭ ‬كتابة‭ ‬جملة‭ ‬‮«‬كوسوفو‭ ‬أرض‭ ‬صربية‮»‬‭ ‬على‭ ‬القطارات‭ ‬التي‭ ‬تسير‭ ‬بين‭ ‬بلجراد‭ ‬وميتروفيسا‭. ‬بينما‭ ‬تلوح‭ ‬إشارة‭ ‬خطر‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الأفق،‭ ‬فقد‭ ‬صرح‭ ‬مسؤولون‭ ‬حكوميون‭ ‬رفيعو‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬علنًا،‭ ‬بإمكانية‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭. ‬وثمة‭ ‬موضوع‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البلقان‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬حيويةً‭ ‬عما‭ ‬سبق،‭ ‬وهو‭ ‬جمهورية‭ ‬مقدونيا‭. ‬والذي‭ ‬يرجع‭ ‬أحد‭ ‬أسبابه‭ ‬الرئيسية‭ ‬إلى‭ ‬المشاكل‭ ‬العرقية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بين‭ ‬الألبان‭ ‬المسلمين،‭ ‬والمقدونيين‭ ‬الأرثوذكس‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬أغلبية‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬قدمت‭ ‬الجارة‭ ‬صربيا‭ ‬الدعم‭ ‬إلى‭ ‬المقدونيين،‭ ‬وقدمت‭ ‬ألبانيا‭ ‬وكوسوفو‭ ‬الدعم‭ ‬للألبانيين،‭ ‬قد‭ ‬يتسبب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬احتدام‭ ‬المواجهة،‭ ‬والذي‭ ‬بدوره‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعقد‭ ‬أكبر‭ ‬للمشكلة‭.‬

تزداد‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬كرواتيا‭ ‬الكاثوليكية،‭ ‬وصربيا‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬سوءًا‭ ‬أيضًا‭. ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬مختلفة‭ ‬للخلاف‭ ‬بين‭ ‬هاتين‭ ‬الجارتين‭. ‬السبب‭ ‬الأساسي،‭ ‬هو‭ ‬توقف‭ ‬المفاوضات‭ ‬الدائرة‭ ‬بين‭ ‬صربيا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭/ ‬كانون‭ ‬الأول‭ ‬الماضي،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬توقف‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬كرواتيا‭. ‬ويأتي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬احتفال‭ ‬الكروات‭ ‬بعملية‭ ‬العاصفة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬شنوها‭ ‬ضد‭ ‬الصرب‭ ‬عام‭ ‬1995،‭ ‬والتي‭ ‬تُوجت‭ ‬بالنصر‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬استقلال‭ ‬بلادهم‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأقليات‭ ‬الصربية‭ ‬في‭ ‬كرواتيا،‭ ‬والأقليات‭ ‬الكرواتية‭ ‬في‭ ‬صربيا‭. ‬ولكن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬هو‭ ‬قدرة‭ ‬القوميين‭ ‬المتطرفين‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬أبسط‭ ‬الأحداث‭ ‬العادية‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭ ‬مدوية‭.‬

تلاحق‭ ‬المشاكل‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬البلقان‭ ‬تقريبًا،‭ ‬إذ‭ ‬تفاقمت‭ ‬الخلافات‭ ‬العالقة‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬بين‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭. ‬نأمل‭ ‬ألا‭ ‬تكرر‭ ‬شعوب‭ ‬منطقة‭ ‬البلقان‭ ‬أخطاء‭ ‬الماضي،‭ ‬فمن‭ ‬المستحيل‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬أن‭ ‬تجني‭ ‬أي‭ ‬منافع‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬والتوترات‭. ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الامريكية‭ ‬الجديدة،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وروسيا‭ ‬أن‭ ‬يبنوا‭ ‬سياساتهم‭ ‬الخارجية‭ ‬تجاه‭ ‬منطقة‭ ‬البلقان‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬تلك‭ ‬الحقائق‭ ‬الجلية،‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬عليهم‭ ‬تشجيع‭ ‬الطرق‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والمصالحة‭. ‬إن‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬مستعصيةً‭ ‬على‭ ‬الحل،‭ ‬أمر‭ ‬ممكن‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استطاعت‭ ‬شعوب‭ ‬منطقة‭ ‬البلقان‭ ‬تخطي‭ ‬الماضي‭ ‬والتطلع‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭. ‬فلا‭ ‬وجود‭ ‬للضغينة‭ ‬أو‭ ‬الغضب‭ ‬أو‭ ‬الكراهية‭ ‬أو‭ ‬الثأر‭ ‬بسفك‭ ‬الدماء‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الإنجيل،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬الصفح‭ ‬والحب‭ ‬والمودة‭ ‬والرحمة‭ ‬والتسامح‭. ‬ويمكن‭ ‬لهذه‭ ‬الشعوب‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬مستقبلًا‭ ‬مشرقًا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬الاختلافات‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية‭ ‬جانبًا،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬هوياتهم‭ ‬الوطنية‭. ‬فهم‭ ‬يشتركون‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬أساليب‭ ‬الحياة،‭ ‬والثقافات،‭ ‬والعادات‭. ‬ينبغي‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يعملوا‭ ‬سويًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رخاء‭ ‬واستقرار‭ ‬وسلام‭ ‬وسعادة‭ ‬أراضي‭ ‬البلقان‭ ‬الجميلة،‭ ‬لأنهم‭ ‬جميعًا‭ ‬ببساطة‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭.‬

https://www.azzaman.com/index.php/archive/200315