العبرة التي يجب اِتّخاذها من "قندوز": هزيمة طالبان لا تكون إلاّ فكريًّا
ucgen

العبرة التي يجب اِتّخاذها من "قندوز": هزيمة طالبان لا تكون إلاّ فكريًّا

1563

 

   عادت حركة طالبان في شهر يوليو الماضي إلى الواجهة مرّة أخرى ضمن الاهتمامات العالمية. وموضوع الخبر هذه المرة لم يكن هجمات دامية كالمُعتاد، وإنّما كان خبر وفاة الملاّ عمر الذي يُعتبر "قائد أسطوري" للحركة. وبدأت التأويلات المختلفة تتوالى بتأكيد هذا التطوّر المفاجئ من قبل جميع المَصادر.

        ووفقاً لبعض المحلّلين كان المُلاّ عُمر اِسماً لا يمكن أن يعوّضه أحد. وكان من المحتمل أن ينشأ نزاع على القيادة داخل طالبان ثم تتشتّت طالبان بين القبائل جرّاء الخلافات الفكرية وبسبب النزاعات، وكان سيَهيضُ جناحها. وهناك مزاعم بأنّ الفرصة باتت سانحة من أجل إحلال السّلام المنشود في أفغانستان. حتى إنّ البعض تساءل قائلاً: " هل هذا الحدث يمثّل نهاية الطّريق بالنّسبة إلى حركة طالبان ؟".                                       

       بيد أنّ خبراً ورد في الأيام الأخيرة من شهر سبتمبر خيّب آمال كلّ هذه التوقعات. حيث سيطر المئات من حركة طالبان على مدينة " قندوز" بهجوم مسلّح مفاجئ. ومدينة " قندوز" هي واحدة من المدن الأفغانية الكبيرة. ولهذه المدينة أهمّية استراتيجية لكونها مركز الطّرق التجارية الموجودة في شمال البلاد. وعلّق الخُبراء العسكريّون على سقوط المدينة بأنّه "أكبر نجاح عسكريّ" لحركة طالبان منذ الاحتلال الأمريكي الذي بدأ عام 2001م.                                                                                                   

        وجاء الهجوم على "قندوز" بعد فترة وجيزة من أخبار اختيار الملا منصور لقيادة الحركة بإجماع الآراء. وتصريحات مصادر المخابرات ومتحدّثي حركة طالبان أكّدت على نظرية واحدة: كان جميع المسلحين قد تجمّعوا حول قيادة جديدة موحّدة.                                                                       

     وفي حقيقة الأمر لم يكن هناك وضع ظاهر يبعث على الدّهشة، فطالبان ـــــــــ حتى وإن كان خطأ ـــــــــ هي منظمة متماسكة في إطار فكريّ وتحارب من أجل أيديولوجيا أصوليّة. ولذا فإن موت القائد أو قتله لا يمثّل مشكلة بكلّ تأكيد. فمن وجهة نظر أتباع طالبان من السّهل جدّاً اختيار أيّ قائد جديد. فبالنّسبة إليهم هم استطاعُوا أن يًوجدوا قائداً جديداً. وعلاوة على هذا فإنّ القادة الجدد يميلون في معظم الوقت إلى التعصّب والقوة بشكل أكبر، كما أنهم يرغبون كثيرا في تنفيذ عمليّات داميةً. فالشّيء المهم هو موت الإيديولوجيا الأصولية وليس القائد. ومادام أنّ هذه الحقيقة لا تؤخذ بعين الاعتبار فإنّ طالبان ستظلّ صامدة كما هي.                      

     وصادف الهُجوم على "قندوز" الذّكرى السّنوية الأولى لتأسيس حكومة الوحدة الوطنية الأفغانيّة، وكان هذا الهجوم صدمة كبيرة بالنّسبة إلى المسئولين في كابل. فبينما كانوا يعتقدون أنّ طالبان قد ضعفت، استولى مئات من المسلحين بين عشية وضحاها على مدينة يتولّى حمايتها آلاف من حرّاس الأمن الأفغان. وهذا كان ثمن الاستخفاف بالجانب الأيديولوجي لطالبان.

     وسقوط قندوز في يد حركة طالبان تسبب في دهشة كبيرة ليس في كابل وحدها بل في جميع العالم أيضاً. وكان "ريان بلوم " العسكري الأمريكي الذي خدم في أفغانستان واحداً من الذين عبّروا عن آرائهم في وسائل الإعلام. 1 - فعلى مدى عام قاتل هو والجنود الذين كانوا تحت قيادته حركة طالبان في مدينة قندوز. وبدأ يسأل نفسه أمام من فقدوا حياتهم وأمام هول المعركة قائلاً: "هل الأمر يستحقّ ذلك؟ ". 2- ولكن بعدما سمع عن سقوط قندوز فإنّه ينظر إلى عيون رجاله ويعترف بأنّه لم يكن متأكدًا من أنّه سوف يستطيع القول: " كانت تستحقّ ذلك ". 3                                                                                        

          وفي أثناء كتابة المقالة التي تقرأونها كانت المعارك بين مسلحي حركة طالبان وقوات الأمن مستمرة وسط مدينة قندوز. وكانت الأخبار المتعلقة بالأماكن التي تُقصف بالقنابل بالخطأ، وأيضاً المتعلقة بالمدنيّين الذين فقدوا حياتهم تأخذ مكانها في العناوين الرّئيسيّة في الجرائد. ومن المحتمل أن ينسحب المسلّحون خلال فترة وجيزة إلى مواقعهم الموجودة في المناطق الرّيفية من مركز المدينة. ولكن هذا لن يغيّر من حقيقة نفوذ حركة طالبان القويّ في قندوز.                                                                                   

   وبناءً على هذا فإنّ تعليق مولاّ منصور على ما حدث في "قندوز" بأنّه "انتصار رمزيّ" له سبب أو موجّه لغرض ما. فحينما تغادر حركة طالبان المدينة فإنّها ستكون استولت على الأموال والأسلحة والمعدّات. وستظل في الذاكرة صورة الرّايات البيضاء التي كانت ترفرف في أنحاء مركز المدينة، وصورة المسلّحين وأهالي قندوز السّلفيين. ومهما يكن من أمر فإنّ طالبان قد حقّقت غرضها بترويج الدّعاية لــ " طالبان قوية" في جميع أنحاء العالم.                   

   وهناك حقيقة لم يتم التوقف عندها بالقدر الكافي في الأخبار في وسائل الإعلام ولكنّها حقيقة مهمّة للغاية وهي: أنّ أكثر الأعوام دمويّة في تمرّد حركة طالبان المستمر منذ 14 عاما هو هذا العام 2015م. حيث سجلّ أعلى نسبة في أعداد القتلى سواء بين قوات الأمن الأفغانية أو المدنيّين. 4 – وهذه هيَ النّقطة التي تمّ الوُصول إليها في نهاية فترة الأربعة عشر عاما الماضية حيث العمليات العسكرية الهائلة وقذائف القنابل التي لا تعرف النهاية، ومئات الآلاف من الأبرياء الذين فقدوا حياتهم، وهذه هي أيضاً الحقيقة التي تم اكتشافها بعد النفقات العسكرية التي تجاوزت 1 ترليون دولار أمريكيّ.

    وفي هذه الحالة يجب أوّلاً على قادة أمريكا أن يسألوا أنفسهم بصدق هذه الأسئلة: "أين الأخطاء التي ارتكبناها؟. ما الذي جعل حركة طالبان قويّة إلى الآن بهذه الصّورة ومصمّمة على ما هي عليه ؟ وما الذي يحفّز مقاتلي حركة طالبان على الإقدام على الموت دون خوف وعلى القتل وسفك الّدماء في أحلك الظّروف، وحتّى أيضاً دون أن تكون أحذيتهم في أقدامهم؟... "

     وفي واقع الأمر فإنّ العنصر الذي حوّل حركة طالبان إلى منظمة راديكالية ومنظمة إرهابيّة مضرّجة اليدين بالدّماء هو ايديولوجيتها المتشدّدة. ولم تفعل كلّ هذه الأشياء بهدف الأموال والمصالح والشّهرة، وإنّما ارتكبت كل هذه الأمور من أجل ايديولوجيّتها. ولكن يوجد في الأسس الفكرية أو الأيدولوجية لحركة طالبان التعصّب والراديكالية ومفهوم ديني خاطئ مليءٌ بالخرافات. ومصدر هذا المفهوم الدّيني بالتأكيد ليس القرآن الكريم وإنّما الخرافات التي تُقدّم باسم الدّين، والمعتقدات الباطلة والأحكام الملفّقة ....                                   

   وتحتاج حركة طالبان إلى تعليم يُجرى بصورة نقيّة بخصوص فهمها للإسلام، وأيضاً تتم بالاعتماد على القرآن الكريم. وهذا هو السّبيل الوحيد من أجل انتهاء إرهاب حركة طالبان، ومن أجل وضع حدّ للآلام والمُعاناة والظّلم الذي يعانيه منه إخواننا الأفغان. وليس هناك طريق آخر من أجل أفغانستان حرةّ وقويّة ومستقرةّ وآمنة، ومن أجل أفغانستان مرفّهة وعادلة وحديثة تُحترم فيها حُقوق الإنسان.

========================

http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/11/5/%D9%87%D8%B2%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9

  
يشارك
logo
logo
logo
logo
logo