تراود الأحلام كلاً منا، فبعضنا يحلم بالوصول إلى منصب مهم في وظيفته، والبعض الآخر يحلم بمنزل، فيما يحلم آخرون بامتلاك سيارة رياضية. ولكن، هل سبق وقابلت شخصاً يحلم باللبن أو حفنة من الطعام الساخن؟ في بعض مناطق العالم، أحياناً تكون أعظم أحلام الأمهات أن يستطعن اصطحاب صغارهن إلى المستشفى، وحتى إن بدت هذه الأحلام غير اعتيادية، فإنها صدقاً أحلام الشعب اليمني، هل تتساءل عن السبب؟
تشير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة إلى أن ما يحدث في اليمن واحدة من أشد أزمات الجوع في العالم.
وفقًا لما جاء في تحليل الأمم المتحدة، ارتفعت معدلات الجوع بنحو 20% مقارنة بالتسعة أشهر الماضية. وفي الوقت الحالي، يقدر عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع في اليمن بحوالي 17 مليون شخص، لا يملك ثلثا سكان اليمن أي طعام ليأكلوه، والشعب في حاجة ماسّة إلى المساعدة. تسبب الصراع المستمر داخل البلاد في تراجع حاد في أعداد الماشية والإنتاج الزراعي، يعاني 460 ألف طفل -من أصل 2.2 مليون طفل يمني- في الوقت الحالي من سوء تغذية، قالت رئيسة منظمة اليونيسيف في اليمن ميريتكسل ريلانو"تبلغ نسبة تعرض أطفال اليمن للموت إذا لم يعالجوا عشرة أضعاف أكثر من أي طفل طبيعي آخر في نفس أعمارهم".
يصف يان إيجلاند، رئيس المجلس النرويجي للاجئين وأحد أكثر الدبلوماسيين خبرة في أوروبا، الموقف الذي شهده في اليمن بـ"الصادم حتى النخاع".
وأضاف"الرجال الذين يملكون السلاح والسلطة، داخل اليمن وأيضاً في العواصم الإقليمية والدولية، يقوّضون كل الجهود المبذولة لتجنب مجاعة يمكن تفاديها كلياً، فضلاً عن انهيار الخدمات الصحية والتعليمية لملايين الأطفال".
لا يزال عدد الأشخاص الذين يفقدون حياتهم في زيادة على الرغم من جميع مبادرات المساعدات الغذائية من المنظمات الدولية، وذلك بسبب نقص الشحنات أو تأجيل وصولها، فأغلب المساعدات لا تصل إلى الأشخاص الذين يحتاجونها، علاوة على أن القلق الأكبر الذي يساور مسؤولي الأمم المتحدة يرتبط بأن خطوط الإمدادات الحالية التي تستخدم لنقل المساعدات سوف تُغلق في المستقبل القريب. فإذا حدث هذا، سوف يتوقف إرسال المعونات الغذائية إلى اليمن، وهو ما سيترك ملايين الأشخاص ليواجهوا قدرهم المحتوم.
على الرغم من المعونات الغذائية الحالية، يموت طفل لم يبلغ الخامسة من عمره كل عشر دقائق في هذا البلد المنكوب، كما أن المستويات الحالية من المساعدات الغذائية لا تلبي الحاجة لأسباب لوجستية ومالية. تشير الإحصاءات التي نُشرت في اجتماع الأمم المتحدة في جنيف إلى أن المبلغ المطلوب لمنع المجاعة في اليمن هو 2.2 مليار دولار، غير أن هذا المبلغ لا يمكن جمعه بين البلدان القوية حول العالم، وإذا وضعنا في الحسبان تقديرات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن إنهاء المجاعات في العالم كل عام يكلّف 30 مليار دولار، فلن يكون من الصعب رؤية حل لهذه المشكلة بكل سهولة.
من المؤكد أن سياسات الزراعة في البلاد يجب أن تخضع للتعديل لتعزيز مستويات الرفاه في اليمن حتى ينشط الاقتصاد وتبدأ البلاد في توفير الغذاء الكافي للشعب. يعتبر الاستخدام غير الكفء للأراضي الزراعية أحد الأسباب وراء نقص الغذاء في اليمن، إذ تستخدم البلاد جزءاً كبيراً من أراضيها لزراعة"القات"، الذي يستخدم أيضاً باعتباره مخدراً إدمانياً، فقد اعتبر غزاة البلاد لبعض الوقت أن زراعة وبيع القات يحقق ربحاً أكثر من زراعة الطعام، وفي ظل الاستهلاك الكبير لهذا النبات الإدماني، استُدرج الشعب نحو الجوع بقدر أكبر، فضلاً عن أن الصعوبة في نقل المنتجات الزراعية القليلة نسبياً، نظراً لزيادة أسعار الوقود، تشكّل مشكلة رئيسة أخرى في اليمن.
كانت اليمن في الماضي تنتج 450 ألف برميل نفط يومياً، إلا أن الأعوام الستة الأخيرة شهدت انخفاضاً في مستويات إنتاج النفط اليومي إلى 180 ألف برميل يومياً، والأكثر من ذلك أن التكاليف المالية للصراع بين السنة والشيعة زادت من تدهور الموقف الاقتصادي. لقد صار نقل الغذاء أزمة كبيرة في البلاد بسبب ارتفاع الأسعار الناتج عن الأزمة، ولم يؤثر ارتفاع أسعار الوقود في نقل الغذاء وحسب، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النقل، لم يعد اليمنيون قادرين على الوصول إلى المياه النظيفة، والرعاية الصحية، والتعليم، ومع انتشار أمراض مثل الكوليرا، يمكن لأيّ مرض قابل للعلاج أن يحصد مئات الأرواح.
إن زيادة إذكاء الوعي بشأن الأزمة في اليمن، حيث لا تتوفر أبسط الحقوق الإنسانية الأساسية، وتعريف العالم بالمشكلات التي تضرب البلاد، سوف يمهّد الطريق أمام الوصول إلى حلول. لا شك أن تسليط الضوء على مأساة اليمن، التي تقع تحت الحصار، وتذكير الناس بالحاجة الماسّة إلى المساعدات الإنسانية سوف يحث الرأي العام على اتخاذ موقف، ومن هذا المنطلق، تحظى دعوة الأمم المتحدة لإنشاء"صندوق مساعدات طارئة"والدعوات الأخرى المماثلة بأهمية كبيرة، وإن لم تكن كافية حسبما شهدنا، ثمة قضايا عاجلة في حاجة إلى المعالجة كي نضمن الاستقرار في اليمن، والتي تتمثل في: التفاوض الفوري للوصول إلى اتفاق بين الأطراف، ضمان الالتزام المتبادل من الأطراف ليلقوا أسلحتهم، وقبل كل شيء، تيسير جهود منظمات المساعدات الإنسانية.
تستحق اليمن أن نذكرها بعجائبها الطبيعية الآسرة، لا بالحرب والحصار والجوع والكوليرا.