الإرهاب عبارة عن حرب غادرة، غير معلنة تخطف الأبرياء في أكثر لحظاتهم ضعفاً وتطعن الصالحين في ظهورهم؛ إذ تلجأ جماعات فشلت في الترويج لأفكارها عن طريق التواصل، والتلقين، والتعليم، إلى طرق غادرة.
لكن، سيكون خطأ أن ننظر إلى المنظمات الإرهابية ككيانات شاردة، عند وضع كل هذا في الاعتبار. تعمل آليات اتخاذ القرار للجماعات الإرهابية العصرية بالضبط كقادة البلاشفة الذين نشروا أيضاً الإرهاب، من خلال قوى كامنة تُشبه طرق عمل المافيا.
هذه القوى هي التي تملك نفوذاً حتى على الحكومة الشرعية لبعض البلدان، وتُشارك العالم بشكل إستراتيجي فيما بينها، وتُطالب بحصتها في بعض المقاطعات، وتستغل الإرهاب كوسيلة لتحقيق غاياتها، وتشنّ مثل تلك الجماعات حروبها على المنظمات الحكومية الدولية من خلال المنظمات الإرهابية.
في الواقع، عندما ننظر إلى الحروب المختلفة التي تورطت فيها الدول في القرن الـ 21، نشهد حقيقة أن أعمال الإرهاب قد تزايدت هي الأخرى بمعدل موازٍ. على سبيل المثال، طبقاً لدراسة في جامعة شيكاجو، لم تقع هجمات انتحارية في بلاد الشرق الأوسط قبل تدخل التحالف الغربي في المنطقة عام 2003، بينما بعد 2003، كان هناك 2152 تفجيراً انتحارياً في العراق، و1143 في أفغانستان، و513 في باكستان، و259 في سوريا، و44 في ليبيا. بمعنى آخر، كلما اشتدت حدة الصراعات بين الدول، تزايدت القوة الفعالة للإرهاب، وأُعلنت صراعات المنظمات الدولية الحكومية تلك عبر منظمات إرهابية.
لذا طالما استمر تواجد القوى الكامنة التي تُطالب بحصتها على مستوى العالم كله، سيتم تغذية وجود النشاطات الغادرة كالإرهاب، والجماعات الإرهابية التي تُنفذ هذه النشاطات باستمرار، سيَظهرون دائماً بوجوه مختلفة، سيُفجر بعضهم مساجد، وسيُهاجم بعضهم الملاهي الليلية، ويُمطرون الناس بوابل من طلقات الرصاص. لهذا، سيتم تحويل انتباه الناس إلى جدال آخر، سيتناقش الناس حول "التدخل في أنماط حياة الآخرين"، وسيتمّ تعريف "الإرهاب المتطرف".
ستزيد هذه الإستراتيجية الموَظَّفة من مستويات الحشود المذعورة، وستُوصم الحكومات من خلال هذه الإستراتيجية على أنها "غير مستقرة"، وبهذا، تُوضع تلك الحكومات التي تُدعى غير مستقرة في موقف ضعف، وعجز أمام كل من مواطنيها، والدول الأخرى التي ترتبط معها بعلاقات جيدة. هذه مؤامرة، الدول التي تتعرض إلى الإرهاب، بما فيها تركيا، لا يجب عليها أبداً السقوط ضحية لتلك الخدعة. لا يُمكن لأحد، ولا يجب أن يُصبح أي أحد معتاداً على العيش مع الإرهاب. إذ لا يعني الاستسلام والكف عن البحث عن حل لمشكلة الإرهاب، وتَقَبُّل الهزيمة سوى السقوط مرة أخرى في فخ يعود لعدة قرون مضت.
هناك سبيلان لمحاربة الإرهاب، الأول هو تفادي السقوط في فخ قوى الظلام التي تُسخّر الإرهاب ومن ثم التحوُّل إلى مجتمعات فاشلة. المجتمعات التي تُحافظ على بهجتها، وسعادتها، وتصميمها، وتضامنها، ويُوطدون هذه الصفات أكثر في وجه التصرفات الإرهابية، سيُضعفون بشكل كبير قوى الإرهاب والغدر التي تُحاول استخدامهم. لا يجب أبداً نسيان أن أول شيء يُحاول هؤلاء الراغبون في مجتمعات مضطربة تحقيقه هو زرع بذور الشقاق داخل المجتمع، دائماً ما تتحدى الأمم المترابطة تأثير هؤلاء الراغبين في القيام بعملية جراحية على هذه الأمة.
الثاني هو الأنشطة الهادفة لتعليم الإرهابي باستخدام كل الطرق المتاحة، الإرهابي الذي سيُدرك خواء عقيدته من خلال الأدلة سيفقد حماسه لتنفيذ أعماله الإرهابية، وسيُحرم من مثله الأعلى، الذي كان يُقاتل من أجله، وسيفشل في الحفاظ على حماسه وعزمه. من السهل والممكن نوعاً ما، إيقاف هذه الجموع التي حملت السلاح بسبب التعليم المُضلِّل الذي تلقوه، من خلال التعليم الصحيح، والأمر المهم هو تطبيق هذه الطريقة فوراً بينما تقف الدول والأمم بحزم ضد الإرهاب.
لا يجب على أي شخص التعود على الحياة مع الإرهاب، الإرهاب حربٌ غادرة تسعى لفرض الهيمنة بواسطة أفخاخ اصطناعية مبنية على عقائد مُختلقة، معنى اعتيادك على الإرهاب هو استسلامك لهذه الخطة الغادرة. كل مجهود علمي يهز الأسس الكاذبة التي تقوم عليها عقيدة الإرهاب، سيكون من شأنه ضرب الجماعات الفاسدة التي ترعى الإرهاب في قلبها، وفي نفس الوقت سيُدمر هذا جوهر الإستراتيجية المبنية على "خلق مجتمعات هشة تتبنى سياسة العنف في مواجهة العنف" التي تتبناها القوى المذكورة.
http://www.raya.com/news/pages/bb7b8c9d-16fe-47ab-94cf-9b1e03de46c5