تكبّد اليمن خسائر بشرية فادحة تُقدّر بـ 10 آلاف شخصٍ، نتيجة ما يعيشه من حربٍ أهليةٍ مدمّرةٍ على مدى السنوات الثلاث الماضية وما تبعها من حصار، إلى درجة أصبحت تذكرنا بمآس ماضية، من خلال تكرار هذه التجارب المريرة في عصرنا هذا.
تُكافح البلاد لمواجهة مجاعة قاتلة وحصارٍ يحول دون وصول الغذاء والماء والدواء إلى البلاد، ويوجد حالياً 21 مليون يمني مُحاصر داخل حدود بلدهم وفي حاجة عاجلة إلى مساعداتٍ إنسانيةٍ، بينما يُصارع سبعة ملايين من شدة الجوع.
ثمّة ضرورة ملحة لتوفير المياه النظيفة والغذاء وخدمات الرعاية الصحيّة لهؤلاء المُحاصرين في أقرب وقت ممكن، علماً بأن عدم حصولهم على المياه النظيفة أدى إلى تفشّي وباء الكوليرا، الذي أصاب حسب التقديرات، 900 ألف شخص منذ أبريل من هذا العام، وجَعل منظمة الصحة العالمية (WHO) تعتبره أكبر حالة لتفشّي وباء الكوليرا في التاريخ.
وفي أعقاب فرض الحصار، تضاعفت أسعار البنزين والغذاء، ما زاد من حدة الضغط على السكان الذين يعانون أصلاً من فقر مدقع، وقد أدت صعوبة التزود بالوقود، إلى زيادة صعوبة ضخ المياه النظيفة وهذا بدوره ساهم في سرعة انتشار الكوليرا.
أصبح الحصول على الغذاء هدفاً بعيد المنال بالنسبة للعديد من اليمنيين، وتمتلئ صفحات الجرائد بالصور التي تمزّق القلب، تُظهر الأطفال والكبار، في أوضاع مروعة طريحي الفراش من شدة معاناتهم من سوء التغذية.
والسؤال المطروح، ماذا تفعل الأمم المتحدة لمواجهة هذه الحالة الصعبة؟ من نافلة القول أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لديه السلطة التي تخوّله لفرض عقوبات مختلفة يمكنها أن توقِف الكارثة الإنسانية وجرائم الحرب المستمرة، ويمكنها أيضاً أن تُحَمّل الأفراد المسؤولين عن جرائم الحرب، عواقب أفعالهم، لكنها مع ذلك لم تقم بأي شيء من هذا القبيل، وأحد أهم أسباب هذا الجمود، قرارات الأمم المتحدة نفسها التي تقيّد حركاتها، على غرار قرارها 2216 الذي قدّم السند لتبرير التدخل في اليمن، والآن قد أصبح من الشائع تشكيل بعض الدول لتحالفات من خلال توظيف أعذار مثل تلك المستخدمة في سوريا واليمن، لشن عمليات القصف وتطبيق الحصار على دولٍ مثل اليمن.
وعادة ما تُستخدم المنظمات الإرهابية أو غير القانونية وتُتخذ ذرائع لشن مثل هذه الهجمات وفرض الحصار، وكان من الطبيعي جداً أن ينجم عن ذلك تدمير مدنٍ بأكملها، ومعاناة الناس من الجوع، ويبدو كأن الأمم المتحدة، أصبحت آلة تبرير لما يجري، بدلاً من أن تكون مركزاً لإيجاد الحلول.
لقد كتبتُ مرات عديدة عن ضرورة إدخال تعديلات على قواعد الأمم المتحدة، ولا بد من أن تقوم الأمم المتحدة، تماشياً مع الظروف الراهنة، بتنقيح وتغيير قواعدها فيما يتعلق بما يُعتبر مبرّرات مقبولة للحرب والتدخل في الدول، لأن ما يجري اليوم، ليس نزاعات بين دول قومية تقاتل بعضها البعض، بل هي عمليات تشنّها مجموعات مختلفة تتصرّف على أرض الواقع نيابة عن جهات أخرى، وبالتأكيد لا يمكن تبرير تدمير بلدٍ ما، من خلال التذرع بوجود هذه الجماعات، وما لم يتم إدخال تعديلات فعّالة، لم يعد أي بلد مُحصناً، ستجد أن كل الدول عُرضة للتدخل على أساس هذه الذرائع، ما سيؤدي دون شك إلى توسيع نطاق هذه المأساة الرهيبة.
أما بالنسبة لليمن، فمن المهم أن يجتمع مجلس الأمن الدولي فوراً، ويصدر قراراً بإرسال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المنطقة ورفع الحصار عنها.
ويمكن حل هذه المشكلة أيضاً بوساطة دول المنطقة، مثلما حدث في حالة سوريا، من خلال توصل الائتلاف المشكّل من تركيا وروسيا وإيران إلى اتفاقٍ حول المناطق الآمنة ووقف إطلاق النار في سوريا، الذي كان بمثابة معلم بالغ الأهمية، ويمكن القيام بالشيء نفسه بالنسبة لليمن، وبوسع دول مثل تركيا وروسيا والكويت، المساهمة في الحل عن طريق الاتفاق حول طرق تكون مقبولة من قبل جميع الأطراف، والمساعدة في نهاية المطاف في إنهاء معاناة المدنيين.
هناك أشياء يُمكننا القيام بها في سبيل وضع حد لمعاناة اليمن، وقبل أن تواجهنا الأجيال القادمة وتسألنا «كيف حدث ذلك؟»، جدير بنا بذل ما بوسعنا من جهود لمساعدة اليمن، الذي يلتهِمه لهيب الفتنة أمام أعيننا.
http://www.raya.com/news/pages/aea42829-c083-4480-929f-ee1f153450f9