إيران وتركيا قد يجلبان السلام لمنطقة الشرق الأوسط
ucgen

إيران وتركيا قد يجلبان السلام لمنطقة الشرق الأوسط

1486

 

واحدة من الدولتين تعود جذورها إلى عهد الدولة العثمانية، والتي كانت في الماضي محفلًا للعديد من الأعراق والأديان، أما الأخرى فهي نتاج الحضارة الأسطورية للدولة الفارسية. هناك تفاعل دائم بين هاتين الدولتين العريقتين على مدار التاريخ نتيجة لطبيعتهما الجغرافية. ليس صعبا تخمين أن هاتين الدولتين هما تركيا وإيران، وهما أكبر دولتين غير عربيتين في منطقة الشرق الأوسط.

بالرغم من أن العلاقات بين الدولتين لم تكن طيبة بشكل دائم على مدار التاريخ، إلا أن هناك العديد من القواسم المشتركة بينهما على المستوى الثقافي، فعلى سبيل المثال عندما يبدأ شخص تركي بتعلم اللغة الفارسية سيدرك بعد فترة قصيرة أن هناك العديد من الكلمات التركية مشابهة لمثيلتها في اللغة الفارسية، ونفس الشيء ينطبق على اللغة التركية والتي يستطيع أي شخص مصادفة كم هائل من الكلمات الفارسية فيها.

عندما تقوم بزيارة المنازل في طهران تجد أن العديد من الأسر الإيرانية تشاهد معظم القنوات الفضائية التركية وهم في غاية السعادة، على الرغم من أنهم لا يستطيعوا فهم كل كلمة. هناك بعض الاهتمامات المشتركة بين الشعبين، فكلاهما يشعر بوجود ارتباط بينهما وهذا ما يقربهما أكثر. ندرك جميعا أن ما يجمع بين الدولتين هو الصداقة المخلصة والتضامن بينهما على المستوى الشعبي.

الربيع العربي، الذي أوحل التاريخ الحديث للشرق الأوسط بالعديد من الصراعات الدامية، والذي بدأ ببصيص أمل لنيل الحرية في العالم العربي. بدأت سلسلة من الاحتجاجات في تونس عقب قيام أحد الباعة الجائلين بإضرام النار في نفسه. للأسف لم تستطع الشعوب في المنطقة الوصول إلى ما تصبو إليه، فعلى العكس من هذا فقد أدت الاحتجاجات إلى تفجير الغضب الكامن منذ زمن طويل ضد الحكومات في المنطقة والتي حولت هذه البقعة من العالم إلى حمام من الدماء.

في بعض الأجزاء من المنطقة، حدث هدوء نسبي لأحداث العنف، ولكن في دول أخرى مثل اليمن، والعراق، وسوريا مازالت الأحداث مشتعلة، وبالرغم من عدم تورط تركيا بشكل مباشر في الأحداث إلا أنها تأمل في إقامة علاقات أفضل مع جيرانها وأن تكون نموذجًا يُحتذى به عن طريق المساعدة في تطوير التجربة الديمقراطية في المنطقة لذلك فقد تبنت تركيا سياسة خارجية تسمى "تصفير المشاكل مع الجيران"، غير أنها لم تخرج بالصورة التي أرادتها تركيا واستمرت العديد من المشاكل والخلافات بين تركيا وجيرانها.

خلال فترة الصراع في العديد من أرجاء المنطقة سحبت تركيا سفراءها من سوريا، وإسرائيل، ومصر، والعراق، وليبيا، تاركةً العلاقات مبتورة مع العديد من الدول. جميع هذه الأحداث ساهمت في تغذية شعور تركيا بالعزلة، لذلك ومن أجل الإحساس بالأمان والأمل في مستقبل أكثر سلما، ومع إقامة علاقات جديدة مع الجيران، يجب على تركيا خلال الفترة المقبلة اتخاذ الخطوات الدبلوماسية اللازمة لإعادة العلاقات الطيبة مع جيرانها في المنطقة.

لم تعد تركيا الدولة الوحيدة التي تشعر بالعزلة في المنطقة، فإيران، على الجانب الآخر لديها نفس الشعور بالعزلة نتيجة العقوبات الصارمة التي وضعتها عليها أمريكا بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي، هذا بجانب أنها واحدة من الدول القليلة غير العربية في المنطقة.

على الرغم من توقع الكثيرين حدوث هدوء نسبي للصراعات في المنطقة بحلول عام آخر إلا أن هذا لم يحدث. فالصراعات التي تحدث في دولة ما تكون بداية لنشوب صراعات في المنطقة مما ساهم في بزوغ الحروب بالوكالة. بالنظر والتحليل للصراعات القائمة في المنطقة نجد أنه ليس من الصعب ملاحظة قوة إيران المتنامية. فقد أرجع العديد من الصحفيين هذا الصعود على أنه خطوة لاستبدال الدور التركي في المنطقة. ومع ذلك، في منطقة الشرق الأوسط، فإن الأشياء لا تحدث وفقا لما يتخيله الغرب فقط. ففي العالم الإسلامي، يُعد إظهار التعاطف وبذل التضحيات أهم بكثير من المصالح الذاتية للدول.

يُنظر لكل من إيران وتركيا على أنهما قدوة ومثل بالرغم من ادعاءات العديد من الغربيين بأن السياسة الخارجية لكلا الدولتين تعتمد على البراجماتية البحتة. فهما الدولتان الأكثر قوة والأعمق جذورا وكلاهما على دراية بأن علاقتهما ببعضهما البعض ضرورية ومهمة لحدوث الاستقرار والأمان في المنطقة. بغض النظرعن بعض الخلافات الطفيفة بين الدولتين في الماضي والحاضر إلا أنهما دائما ما تعاملان بعضهما البعض بالحب والإحترام والإخاء. وحتى في وقت حرب الاستقلال التركية بين الأعوام 1918-1920 فقد تبادل قادة الدولتين العديد من الرسائل التي تُظهر مدى الصداقة بينهما.

علاوة على ذلك، لم يكن لتركيا أي دور في العقوبات الإقتصادية التي تم توقيعها على إيران، هذا بالإضافة إلى أن تركيا أرادت أن تكون قناة التفاوض بين إيران والغرب، وقد كانت دائما تقف في صف إخواننا الإيرانيين لحل المشاكل بشكل سلمي. على سبيل المثال فقد توسطت كل من تركيا والبرازيل لإبرام اتفاق لتبادل الوقود مع إيران، هذا بالإضافة لتصريح وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بأن توقيع المزيد من العقوبات على إيران ليس ضروريا. وللأسف تم رفض هذا الاتفاق من قبل مجموعة فيينا في يونيو 2010، ومع ذلك فتركيا لم تستسلم وقد استمرت مساعيها لإيجاد حل دبلوماسي، وفي يناير2011 استضافت إسطنبول جلسة للمفاوضات بين مجموعة 5+1 وإيران، وعلى مدار العديد من السنوات من المفاوضات بين الجانبين فإن إيران على وشك توقيع اتفاق نهائي في يونيو 2015. لقد كانت بلا شك رحلة شاقة، ولكن استطاعت إيران أن تؤدي دورها بشكل جيد وبالتالي اكتسبت تعاطف الغرب ومواطنيه. هناك أمل جديد يلوح في الأفق، فالعقوبات المفروضة على إيران سيتم رفعها قريبا وسيمكن هذا الشعب الإيراني من بدء حياة جديدة مليئة بالفرص الواعدة في كل أنحاء العالم.

إحلال السلام بشكل عام ليس بالأمر السهل. إحلال السلام بمنطقة الشرق الأوسط هو أمر أكثر صعوبة، فهو يتطلب الكثير من التضحيات، إيران وتركيا سيكونان هما اللاعبان الأساسيان في المنطقة وهذا على الرغم من محاولة بعض الأطراف الأخرى تصويرهما على أنهما متنافسان إلا أنهما ليسا كذلك، فهما أخوة. وكلاهما دولتان قويتان، وناضجتان ويحملان في الوقت ذاته عبء الصراعات الموجودة في المنطقة، فكلاهما يعلم ما يقع عليهما من المسئولية تجاه الفقراء والمحتاجين.وكلاهما يعلمان أنهما سوف يعيشان جنبا إلى جنب، وأن هذا التحالف سيكون المفتاح الأساسي ليس فقط لمواجهة المشاكل التي تواجه العالم الإسلامي فحسب، بل وأيضا على المستوى الدولي على حد سواء.

للكاتب أكثر من 300 مُؤلف في مجال السياسة، والدين، والعلوم وقد تُرجِمَت إلى 73 لغة. ويمكن متابعة الكاتب www.harunyahya.comأو من خلال الموقع الإلكتروني @Harun_Yahyaعلى تويتر

http://www.sasapost.com/opinion/iran-and-turkey-to-bring-peace-to-the-middle-east/

 

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo