خلافاً للاعتقاد السائد، فإن أهم الأهداف وراء الأعمال التي تقوم بها المنظمات الإرهابية ليس إلحاق الهزيمة بقوات الأمن والسيطرة عليها، بل ترمي هذه المنظمات في معظم الأوقات إلى حشد الدعاية لنفوذها. قتل خمسة أشخاص، على سبيل المثال، في عمل إرهابي لا يشكل مقياسًا للتفوق العددي للمنظمة، لكن بالمقابل يكون مثل هذا العمل، عندما يتصدر جدول أعمال الدول مرات عديدة من خلال تناوله عبر أجهزة الإعلام، أكثر تأثيراً على المجتمع كما لو أن الهجوم الذي تم تنفيذه يتجدد المرة تلو الأخرى.
ولهذا السبب، يعتقد الإرهابيون أنه كلما زادت تغطية وسائل الإعلام لأعمالهم كثافة، كلما اقتربوا من تحقيق هدفهم، وقد صدقت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر عندما صرحت بالقول: "إن الدعاية هي أوكسجين الإرهاب". وقد خلصت الدراسات التي أجراها محللو السياسة الخارجية إلى أن وسائل الإعلام تستخدم عمليتين مهمتين لدى تقديمها المعلومات. أولى هذه العمليات، ما يمكن تسميتها "إشعال الفتيل"، وترتيب الأولويات. يشير هذا المصطلح إلى العملية التي تقوم من خلالها وسائل الإعلام بعرض قضية معينة على حساب قضايا أخرى، بغية ترسيخها في أذهان الناس.
تولي بعض المؤسسات الإعلامية التي تستخدم هذه العملية، الأولوية لمسألة الإرهاب من خلال تفسيرات مبالغ فيها وطرح وجهة نظر أحادية في محاولة منها لصد أنظار المشاهدين والقراء عن مواضيع أخرى، وتوجيههم نحو اتجاه معين، مع التهوين في نفس الوقت من شأن قضايا أخرى، بل وتتجاهلها أحياناً تماماً. تلجأ بعض وسائل الإعلام في كثير من الأحيان، بغية إضعاف الحكومة، إلى استخدام عملية "منح الأولوية"، وتزرع في أذهان الناس فكرة مفادها أن "الحكومة فاشلة في مكافحة الإرهاب وعاجزة حتى عن توفير الأمن لمواطنيها، الذي من المفترض أنه يشكل مهمتها الأساسية".
تشير طريقة منح الأولوية لمواضيع على حساب أخرى، إلى أن وسائل الإعلام تلعب دوراً لا يقل أهمية وحيوية عن دور قوات الأمن في بلد ما. دعونا نفترض على سبيل المثال أن منظمة إرهابية معينة نفذت عمليات عنف في عدة مدن في بلد ما، وعندما تقوم وسائل الإعلام بتغطية هذه الأعمال في النشرات الإخبارية، أو الشريط الإخباري أسفل شاشات التلفزيون بشكل مستمر، والتعليق على هذه العمليات في موجزاتها الإخبارية تحت عناوين مثل "تحول البلد إلى ساحة معركة"، تصبح هذه الوسائل الإعلامية، عن قصد أو غير قصد، شريكة في جهود ومخططات مرتكبي تلك الأعمال، فلا يجب أن يغيب عن وسائل الإعلام، أن هدفها هو حماية المصالح الوطنية والشعب، قبل كل المصالح الأخرى، وهذا هو السبيل الأوحد إذا أردنا فعلًا تغيير طبيعة التأثير الناجم عن هذه العمليات الإرهابية.
إلى جانب ذلك هناك عملية أخرى تستخدمها وسائل الإعلام، تعرف باسم التأطير. يشير هذا المصطلح إلى الكيفية التي تعرض فيها وسائل الإعلام المعلومات. إن الطريقة التي يتم بها الإبلاغ عن الحادثة، والشكل الذي يقدم به الحادث، يؤثران على مواقف الأفراد تجاه ذلك الحادث ويصيغان مواقفهم وسلوكياتهم إزاءه. يرتبط جزء مهم من عملية التأطير بالطريقة التي تستخدم فيها المواد البصرية لتقديم المعلومات.
تتجاهل هذه الوسائل الإعلامية الانفجارات التي تمزق الشرق الأوسط مع محاولة التكتم عنها، في حين تقدم الانفجارات في نيويورك وباريس ولندن وبروكسل بشكل مركز وانتقائي لتظهر كأعمال إرهابية دموية، مما يبين مدى الانحياز والخداع في ما يسمى بمكافحة الإرهاب. إذا كان الذين فقدوا أرواحهم في دول الغرب يعتبرون ضحايا لهم قيمتهم العالية ويستحقون النعي والبكاء عليهم والثأر لهم، فلا يقبل الضمير الحي ولا العدالة، أن يتم تجاهل الأرواح التي أزهقت في الشرق الأوسط واعتبارها غير جديرة بالاهتمام، فمثل هذا الموقف الانتقائي التفاضلي، الذي يفتقر إلى نبل الضمير، يبرز كعنصر أساسي يغذي الغضب والاستياء ويقوض العلاقات الاجتماعية.
إن التمييز بين عمليات الإرهاب بحسب مسرح حدوثها وهوية ضحاياها أمر غير مقبول، يجب إدانة الإرهاب حيثما وقع بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، ومن غير المعقول اعتبار أي عملية إرهابية مقبولة أو مبررة. من جهة أخرى، يقتضي الإنصاف عدم توجيه اتهام شامل دون تمييز بحق جميع ما تصدره وسائل الإعلام من تقارير عن الإرهاب واتهامها بالمكر والانحياز، فلا بد من توخي الحذر بشأن هذه المسألة. ينبغي على وسائل الإعلام أن تتصرف بمسؤولية وألا تنساق أبدًا نحو منح أولوياتها للشواغل المتعلقة بالتصنيفات أو المنافسة، عندما يتعلق الأمر بما تصدره من تقارير إخبارية عن الإرهاب.
وينبغي أيضاً أن تتجنب وسائل الإعلام الإيحاء أو نشر صور من شأنها أن تعطي الانطباع بأن المنظمات الإرهابية قوية ومؤثرة، يتعين عليها بدل ذلك، أن تنشر الصور التي تظهر غياب أي أثر لهذه الأعمال على المجتمع، وأنها على العكس من ذلك، تسهم في تحقيق وحدة المجتمع وتضامنه، والشيء المهم أثناء نقل التقارير الإخبارية عن الإرهاب هو تنوير الناس من خلال إمدادهم بمعلومات صادقة، وزيادة وعيهم ضد الإرهاب واعتماد طريقة معتدلة.
إذا كان شخص ما مستعداً لقتل غيره من البشر وأن يُضحي بنفسه من أجل "تحقيق هدف"، حتى وإن كان هذا الهدف خاطئاً، فمعنى ذلك أنه "يؤمن" بصحة ونبل أعماله، لكن إذا كانت هذه الأيديولوجية تحث الشخص على القتل، فمن الواضح أنها أيديولوجية منحرفة. ومع ذلك، ما لم يتضح لدى هذا الشخص خطأ الفكرة التي يؤمن بها ويتصرف بموجب هذه الأيديولوجية، وما لم يقتنع بشكل علمي بشأن ضلال الطريق الذي يسير عليه، فلن يترك طريقه، حتى لو كلفه حياته. وفي هذا الصدد، تتحمل وسائل الإعلام مسؤولية جسيمة، لأنه يقع على عاتقها أيضاً مهمة إظهار زيف الأيديولوجيات المنحرفة التي يسير عليها الإرهابيون. وعندما تستخدم هذه الطريقة، وتستخدم الأساليب التي تدمر فكرياً الفلسفة التي تحول هؤلاء الناس إلى إرهابيين، وإلى قتلة، عندما تستخدم هذه السبل أثناء الإبلاغ عن الأخبار، عندئذ تتحرر وسائل الإعلام فعلًا من خطر توظيفها كأوكسجين للإرهاب.
http://www.almadapaper.net/ar/newsdetails.aspx?newsid=534427