تملك تركستان الشرقية من وجهة نظر الصين أهمية عسكرية واقتصادية كبيرة. إلا أن العنف السياسي المتمثل في الاعتقالات المكثفة التي يتعرض لها التركستانيون الشرقيون الملتزمون بدينهم والضغط الذي يتعرض له رجال الدين وعدم السماح لهم أن يعيشوا كما يأمرهم دينهم يعيد إلى الأذهان وجود سبب أعمق. ويفهم من هذا قبل كل شيء مخاوف الصين الأحمر من الوجود الإسلامي في تركستان وتحرك هذا الوجود وتأثير انتشاره على الدول المحيطة.
وحتى لو كان سبب الهجمات في الصين على الدين الإسلامي والمسلمين يعود جذوره إلى العهود القديمة فإن تحول هذه الهجمات إلى ظلم منظم وحتى تحولها إلى سياسة الإبادة الجماعية بدأ مع تأسيس النظام الشيوعي. فمع تأسيس ماوسيتونغ لجمهورية الصين الشعبية في عام 1949 كان هدفه الأولي كل أنواع الأشكال الإسلامية؛ بدأ العداء بإغلاق المساجد والجوامع و المدارس الدينية والمؤسسات لمنع التربية الدينية ووصل العداء إلى القمة بإجبار المسلمين على إظهار الاحترام لصور ماوو التي علقت في المساجد التي تركت مفتوحة للعبادة.
في هذه الفترة أغلق 29 جامعًا (1) وبعد هذه المرحلة جرى اعتقال رجال الدين لأسباب لا أساس لها من الصحة بل بمبررات مفتعلة حيث جرى إعدام قسم من هؤلاء الأشخاص وسيق أكثر من 54 ألف رجل دين إلي معسكرات جماعية للعمل مدى الحياة في أعمال شاقة جبرًا (2).
وعلى مدار هذا العهد وإلى جانب تعرض رجال الدين إلى التعذيب الجسدي تعرضوا أيضًا إلى التعذيب النفسي فمثلاً يتم جمع رجال الدين في الميادين وإجبارهم على الإقرار بألوهية ماوو المدعاة. وطلب منهم بالإجبار حرق أمواتهم خلافًا للمفاهيم الإسلامية. أما الجوامع التي أغلقت فقد تحولت إلى سكنات عسكرية أو استعملت كمخازن أو دور للسينما أو مسارح أو ما شابه ذلك من دور اللهو. ومنعوا هؤلاء المسلمون بالإضافة إلى صلاة الجمعة والتراويح من ممارسة كل أنواع العبادات الجماعية كما فُرضت على من يستمرون في إقامة عباداتهم في بعض الجوامع الباقية ضرائب ثقيلة لا قِبل لهم بها. وصادرت النظام الشيوعي جميع أنواع أموال رجال الدين والتبرعات من أجل ترميم وصيانة الجوامع ومنع تعليم القران بشكل تام. وجُمعت الكتب الدينية من البيوت وأحرقت النصوص العربية بالإضافة إلى الكثير من المخطوطات اليدوية التاريخية والكتب.(3)
وتُعتبر معاداة الدين كما في جميع الأنظمة الشيوعية جزءًا من الأيدلوجية الرسمية في الصين. وكدليل واضح على هذا إرسال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إعلانًا تحت عنوان: "ما هو موقفكم الرئيسي فيما يتعلق بالمسائل الدينية في العهد الاشتراكي: "سينتهي الدين في نهاية التاريخ الإنساني... وستخضع كل التنظيمات الدينية في الصين للحزب ولقيادة الحكومة... سيكون الهدف من المدارس الدينية تنشئة رجال دين محترفين لدعم النظام الاشتراكي والقيادة الحزبية"(4).
ويفهم من تطبيق إدارة الصين الأحمر للإعلان المذكور بحذر من خلال حديث عضو الجمعية الإسلامية علي جينج جيانج في جمهورية الصين الشعبية الذي اشترك في مؤتمر المجلس الخامس للجمعية الإسلامية في أمريكا الشمالية في أمريكا في عام 1986حيث قال يمنع في الصين التعليم الديني سواء في البيت أو في المدرسة لمن تقل أعمارهم عن سن 18 عامًا. ولو أنه فتحت بعض المدارس الدينية نتيجة الضغط من البلدان الإسلامية فإنه يتم تدريس الأفكار الماركسية واللينينية والمادية أكثر من الأفكار الإسلامية. وكل المعلمين في المدارس الدينية هم شيوعيون وملحدون فينشأ الشباب وهم محرومون من المعلومات الدينية. أما في المدارس الأخرى فيتم تدريس الدين على أنه عقيدة بدائية يعتنقها من هو من الطبقة الدنيا من الشعب الصيني أو أنه يحب أن يُنسى (5) فالحزب الشيوعي يستعمل أساليب الدعاية من جهة ومن جهة أخرى يكثف من ضغوطه على المسلمين.
وزاد الضغط بعد محاولة الاستقلال التي حصلت في عام 1990 (انتفاضة بارن وانتفاضة أيل) وانتشار الانتفاضة على كل أرجاء تركستان الشرقية ودعم العاملين في الدوائر الرسمية للحركة الاستقلالية أدى إلى قلق كبير لدى الصين الأحمر وتحت شمسية هذه الحركة بدأت الصين بدون رحمة حملة شعواء ضد المسلمين فجرى اعتقال مئات الآلاف من البشر في الوقت الذي أُعدم الآلاف أُرسل عشرات الآلاف منهم إلى معسكرات العمل. وفي تلك الفترة كان يتعرض المسلمون إلى الضغط حيث استطاع أحد الصحفيين وهو ميخائيل وبنشستر من الدخول إلى المنطقة وأجري بعض اللقاءات في مقالته المسماة (بكين ضد الإسلام) حيث يقول: (منذ ذلك اليوم أغلقت المساجد التي لم يكن لها تسجيل رسمي. أزيلت مكبرات الصوت الموضوعة خارج الجوامع ورفعت دروس القرآن للأطفال والشباب ومنعت التبرعات الآتية من الخارج وطبق حد العمر على الذين يريدون الحج ومنعت المطبوعات الدينية وطرد الأعضاء في الحزب الشيوعي من الذين ذهبوا إلى المساجد من أعمالهم) (6).
يقول أحد الذين التقى بهم ميخائيل والذي لم يرد الإفصاح عن اسمه من التركستانيين أنه يعمل في دائرة رسمية ولم يذهب أبدًا إلى المسجد وإذا ذهب وشوهد فإنه سيطرد من عمله ولهذا السبب كان يصلي صلواته سرًا. والسبب في هذا ازدياد جرعة عداوة الصين ضد الإسلام خاصة بعد عام 1980.
وكان يعاقب كل من يعلم أنه يتعلم القرآن وخاصة من هم دون 18 من عمره لأنه حسب قوانين الصين الشيوعية ممنوع قطعًا باتًا تعلُّم القرآن لمن عمره دون 18 فمثلاً في عام 1999 اعتقل 5 من الأطفال في عمر 12 سنة بسبب تعلمهم القرآن الكريم؛ وعندما هرب أحدهم من مركز الشرطة اعتقلت الشرطة عائلته وعذبوهم وقالوا أنهم لن يطلق سراحهم حتى مجيء أولادهم (7). هذا الحادث من إحدى الحوادث العديدة. لقد تعرض الآلاف من البشر للاعتقال والتعذيب بسبب تعلمهم للإسلام وعاشوا أو أرادوا العيش حياة إسلامية.
يجب أن نوضح في الحال أن استخدام الشائعات ضد الدين الإسلامي من طرف الحزب الشيوعي الصيني ليس جديدًا فهو أسلوب تقليدي منذ القدم من الاستهزاء والافتراء كما صرح به القرآن حول الذين خرجوا ضد نوح عليه السلام من المنكرين في قوله تعالى: "فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرًا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين" (سورة هود 27).
وسعوا إلى استصغار المتدينين حيث يقول الله في آية أخرى كيف أنهم يعتبرون أنفسهم أذكياء: "وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون" (سورة البقرة 13)
فعقلية الحزب الشيوعي الصيني التي تعد التدين عقيدة بدائية يعتنقها ناس من الطبقات السفلي للشعب الصيني لهي استمرار السفاهة منهم).
الهوامش:
(1) جريد لوس أنجلوس تايم: 1 كانون الأول 1983
(2) جريد لوس أنجلوس تايم: 1 كانون الأول 1983
(3)www.caccp.org/et/etiu1.html
(4) Peter Morison, Religion in Communist Lands, No:12, 1984
(5) Radio Free Europe/RL, 1.09.1986
(6) Asiaweek, 24/10/1997
(7) East Turkistan Information Center, 30/10/1999