أقرَّت نتائج #الاستفتاء الموافقة على التعديلات الدستورية التي ستغير نظام الحكم في #تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي (وهو نظام جديد يسمح للرئيس أن يكون تابعًا لحزب سياسي). سوف يجلب هذا الاستفتاء تعديلات لـ 18 مادة من مواد الدستور، كما يعدل من السلطات الممنوحة للرئيس وينهي وجود منصب رئيس الوزراء ويخوِّل سلطة تعيين الوزراء إلى الرئيس. علاوة على ذلك، سيزيد عدد أعضاء البرلمان إلى 600 عضو. وسوف تُطبق كل التعديلات التي أقرها الاستفتاء مع الانتخابات الرئاسية والانتخابات العامة التي تُعقد في نفس التوقيت، وذلك في الثالث من تشرين الثاني.
من المؤكد أن فوز معسكر "الموافقة" على التعديلات الدستورية بفارق ضئيل يوجه رسائل هامة. إذ إن النتائج توضح مرة أخرى القلق العميق الذي ينتاب الناس من إمكانية حدوث "الفيدرالية". فقد ذكر اثنان من المستشارين الرئاسيين مصطلح "الفيدرالية" قبل يومين فقط من الاستفتاء، وهو ما أزعج الناس كثيراً. ويعتقد كثير من المحللين أنه على الرغم من أن مثل هذه التصريحات يرفضها الرئيس ورئيس الوزراء رفضًا قاطعًا، فقد خفضت هذه التعليقات التي قيلت في اللحظات الأخيرة من النتائج بنسب بلغت حوالي 2-3% خلال استفتاء السادس عشر من نيسان.
نُظر إلى استفتاء السادس عشر من نيسان على أنه مواجهة بين فكرتين متعارضتين، وهو ما حدث خلال الانتخابات العامة أيضًا. وعلى الرغم من أن بعض الناس قلقون من تأثر الديمقراطية التركية، يعبر آخرون عن قلقهم من أن المحافظين سيتعرضون للاضطهاد في نهاية المطاف مثلما حدث في التسعينات. ويوجد جوانب صحيحة في كلا هاتين الجدليتين.
تُعد تركيا دولة ديموقراطية مسلمة، وهي إحدى البلدان القليلة في العالم التي يحتوي دستورها على كلمة "علمانية"، وهي أيضًا "الدولة المسلمة الوحيدة" التي يحتوي دستورها على كلمة "علمانية". إننا نشعر بالفخر والسرور أننا نعيش في دولة ديمقراطية منذ 94 عامًا. وساعدت هذه المبادئ في حماية تركيا من الوقوع في فخ التعصب والتطرف مثلما حدث في بعض بلدان الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من كل هذه الحقائق، سعت بعض الدوائر إلى تقويض الحرية والديموقراطية المتميزة التي أدخلها "أتاتورك"، مؤسس تركيا الحديثة، وحاولوا اضطهاد المتدينين. نتيجة لذلك، حدثت الانقلابات العسكرية، ووُضع المتدينون بالقوائم السوداء، ومرت تركيا في أوقات لا تتناسب إطلاقًا مع أي ديموقراطية.
يشعر المتدينون بالقلق في اللحظة الراهنة من عودة الأيام الخوالي، وهذا هو السبب الذي يكمن وراء ابتعادهم عن حزب الشعب الجمهوري، الحزب الرئيسي للمعارضة، وأيضًا السبب وراء صعوبة تصديقهم وعوده.
أما نسبة الـ 50% الأخرى، فمثل أي بلد آخر، ثمة مجموعة صغيرة من المتطرفين في تركيا لا تزال تحاول أن تُسمَع أصواتها. إذ إن تصريحاتها العرَضية تؤرق حقًا شعبنا الذي ينتابه القلق من عقلية التطرف البشعة. وتتسبب هذه الحالة العقلية المرعبة، التي تناهض حرية المرأة في اختيار ملابسها والتي تعادي الفنون والموسيقى، بإزعاج حقيقي لدى ملايين الأشخاص الذين يرغبون في حماية الديموقراطية التي حارب "أتاتورك" بقوة من أجل بنائها. وللأسف، يعزى الهجوم اللفظي الذي يتوجه به مثل هؤلاء المتطرفين أحيانًا إلى عموم المتدينين، ولا تستطيع حكومة الجناح اليميني أن تجد لها مخرجًا من تحمل بعض اللوم من جراء ذلك. ويلحق هذا الموقف خسائر بحزب العدالة والتنمية ويحرمه من الحصول على تصويت المدن الساحلية في تركيا، وهو ما حدث مرة أخرى خلال استفتاء السادس عشر من نيسان.
من أجل هذا تنقسم تركيا انقسامًا حادًا في كل انتخابات تمر بها، وإن لم يعمل الجانبان على تغيير ممارساتهما وروايتهما، فلا يبدو أن تغييرًا يلوح في أي آفاق قريبة لهذا الموقف.
ولكن ما الذي ينبغي أن يتغير فيه؟
ينبغي أن يعمل الحزب الرئيسي للمعارضة على تحسين طرق تعاطيه مع السياسة؛ لأن إثبات خطأ حزب يزعزع ثقة الشعب في الطرف الآخر. إلا أن هذه الطريقة لا تزال غير مناسبة لكسب استحسان الشعب. بدلًا من ذلك، ينبغي على الحزب الرئيسي للمعارضة أن يختار طريقة يبدد بها مخاوف نسبة الـ 50% الأخرى من الشعب. يمكن لحزب الشعب الجمهوري أن يقدم حماية لمبادئ المحافظين، بينما يستمر في أن يناهض العقلية المتطرفة في شكل شرعي. يمكنهم أن يذكروا علانية أن الإسلام الحقيقي يبشر بالحريات والديمقراطية ويضمن للمتدينين أنهم لن يكونوا ضحايا مرة أخرى على الإطلاق. وبهذه الطريقة سيكونون قادرين على تجاوز مثل هذه المخاوف إلى حد كبير.
وبالمثل، إن انتقد الحزب الحاكم علانية عقلية المتطرفين وأدانها، وأوضح في كل منعطف كيف أن الديموقراطية والعلمانية والحرية هي المبادئ الجوهرية التي لا بديل عنها في بلادنا، ودافع دفاعًا عمليًا عن العصرية، والفن، والعلم، والحريات، التي يمتدحها ويشجعها ديننا، وإن جلب النساء إلى الصفوف الأمامية بغض النظر عن خياراتهن للملابس العصرية أو التقليدية، فبكل تأكيد سوف يفوز حينئذ بأصوات العلمانيين. صحيح أن الحزب الحاكم لا يألو جهدًا من أجل هذه الغاية، لكن العامة مازالوا يتوقعون شيئًا أكثر جوهرية.
تعتبر الديمقراطية هي التعددية وهي نعمة في ذاتها. إلا أن مثل هذا الانقسام الحاد في أي بلد يُعد مخاطرة، لا سيما في بلاد مثل تركيا. فمن الضروري أن نحافظ على الاستقرار في تركيا، التي تعتبر أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والبلد الإسلامي الوحيد في حلف الناتو. إننا نأمل أن تُستهل مع الأيام القادمة السياسات التي سوف تنهي هذا الاستقطاب وتخفف مثل هذه المخاوف العالقة.