لا يُمكننا نفي أن القيادات النسائية والمديرات أصبحن أكثر شيوعا في الوقت الحاضر مقارنة بالماضي، بل وحتى قبل أقل من 20 عامًا، يشهد معدل مشاركة المرأة في الحياة التجارية والأعمال ارتفاعًا يومًا بعد يومٍ بسبب عوامل كثيرة منها تطور الهيكل الفكري والاجتماعي والثقافي في عصرنا، وزيادة مستوى تعليم المرأة، وإنشاء حقوق نقابية تدعم توظيفهن، فضلًا عن ظهور مجالات عمل جديدة، لكن رغم كل هذه التطورات الإيجابية، لا تزال الغالبية العظمى من النساء تصارع في وجه ما تتعرض له من عدم المساواة وإجحاف في الحياة التجارية والحياة الاجتماعية على حد سواء، ورغم تزايد عدد النساء المشاركات بنشاط في عالم الأعمال، فإنها لا تزال تواجه عراقيل كثيرة تحول دون ترقيها للمناصب التنفيذية العليا.
ورغم ما تضطلع به المرأة، باعتبارها المهندس الأساسي في المجتمع، يتم التقليل كثيرًا من شأن مساهمتها في المجتمع، وتجاهل دورها ببساطة في الكثير من الأحيان، وغالبًا ما تتعرض النساء للتهميش، بفعل استمرار التمييز بين الجنسين، وتتعرض أيضًا لسلوكيات وممارسات غير عادلة وتواجهها صعوبات جمة فيما يتعلق بظروف العمل والتشغيل والتوظيف والأجور والترقية.
ومما لا شك فيه أن السبب وراء كل ذلك هو تصور عام عقيم ومزيف يفرض النظرة التي تعتبر أن المرأة ينبغي لها أن تعمل فقط في مناصب إدارية على مستوى أدنى، وهي بعبارة أخرى، نظرة تمييزية تجاه المرأة.
التعبير الشعبي “السقف الزجاجي” يوضح الحواجز “غير المرئية” التي تمنع المرأة من التقدم في الحياة المهنية والوصول إلى المناصب التنفيذية العليا، وتوجد هذه الحواجز غير المرئية، لأن هذا التقييد يظل ضمنيًا مسكوتًا عنه ولا يتم التطرق إليه بكل صراحة، وفي الوقت الذي تنتظر فيه الترقية، تجد المرشحات التنفيذية الإناث الراغِبات في الوصول إلى المناصب العليا، أنفسهن مصطدمات بأسقف زجاجية غير ظاهرة لا تعرف سبب وجودها. وهذه المرة، يتعلق الأمر بـ “السقف الزجاجي” الذي يحُول دون ارتقاء المديرات التنفيذيات في عالم الأعمال، رغم أن القانون ينصُ بوضوح على مبدأ المساواة في المعاملة بين المرأة والرجل، ويضع تدابير لمكافحة التمييز في مكان العمل، مع حظر التمييز بين الجنسين.
تُعَدُ البروفيسور فيرجينيا إ. شاين، التي عملت منذ فترة طويلة من أجل تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية، من بين الشخصيات التي لفتت الانتباه إلى ذلك التصور العام الخاطئ الذي يدعي أن مدير الأعمال القوي المبادر الواثق من نفسه، الذي لا يستسلم ولا يتعثر في مواجهة الصعوبات -أي بعبارة أخرى المدير المثالي- يجب أن يكون رجلا وفق التعبير القائل “التفكير بعقلية المدير، التفكير بخصائص الذكور” ومتلازمة السقف الزجاجي.
واليوم، لا يمكن إلا لعددٍ قليلٍ من النساء التغلب على هذه العقبات، ما يجعل وجودهن أمرا محسوسًا، بالإضافة إلى ذلك، نجد الحالة نفسها في أي جزء من العالم، وحتى في أكثر البلدان نموًا. من بين 500 شركة مدرجة في مؤشر Standard 500 index على سبيل المثال، فقط 5.2٪ من المديرين التنفيذيين هم من الإناث، ومثل هذا الوضع يبين لنا أن النظرة المجحفة التي تعتبر أن المرأة لا يمكن أن يكون لها حقوق وقيم متساوية مع الرجل، هي نظرة سائدة ومقبولة بصمت في جميع أنحاء العالم.
في حين يُثبت الواقع أن للمرأة شخصية تتميز بتفكير عميق، ويمكن الوثوق بها وبذكائها وحكمتها، بل وتتفوق حتى على نظيرها الرجل في مجال الإلمام بالجوانب المعقدة من الأحداث وملاحظة التفاصيل، ويمكنها أداء مهامها بأفضل طريقة ممكنة، واتخاذ القرارات الصائبة، وتقديم أفضل الحلول، والتوصل إلى أكثر التدابير عقلانية. وبناء عليه، يمكنها أن تحقق نجاحًا كبيرًا سواء في الحياة الاجتماعية أو في الحياة المهنية في قطاع الأعمال. وحتى إن كانت النساء فعلًا أضعف من حيث القوة البدنية مقارنة بالرجال، فلا ينبغي ربط ضعفهن الجسدي، وإسقاطه على ذكائهن وغير ذلك من القدرات الذهنية والعملية الأخرى، ولا يبرر ذلك الضعف الجسدي بأي حال من الأحوال الانتقاص من قيمتهن في المجتمع. ولا بد من الاعتراف بأن إبعاد المرأة عن قطاع الأعمال يضر كثيرًا بمستقبل المجتمع، والواقع يبين لنا أن النساء اللواتي يُحرمن من ممارسة الحياة العملية، لا يشاركن في كثير من الأحيان في ميادين أخرى للحياة الاجتماعية، وهذا يعوق التقدم العام للمجتمع؛ ثمة علاقة تناسب طردية بين تطور المجتمعات وتقدمها ومشاركة المرأة النشطة في التقسيم الاجتماعي للعمل وشعورها بالحرية والتقدير، ويكون تقدم المجتمعات وقوتها متناسبان مع مدى تقدير وتقييم هذه المجتمعات للمرأة، ومن العبث التوقع من بلد يتجاهل نصف مجتمعه المشكل من المرأة، ويبخسها حقها ويضطهدها ويلقي بها خلف المشهد، أن يكون مثل هذا البلد قويًا، بل على العكس سيكون لا محالة في الغالب الأعم هزيلًا. ولذلك، فمن الضرورات الاجتماعية الأكثر إلحاحًا، إعادة إدماج المرأة في المجتمع وإيجاد الوسائل اللازمة للاستفادة من ذكائها وقدراتها العليا.
وفي هذا السياق، ينبغي أن تُمنح المرأة حقوقًا وحريات متساوية، بل أكثر من ذلك، ولا بد من القضاء تمامًا على ذلك الاعتقاد العقيم الذي يزعم بأن الرجال متفوقون بطبيعتهم على المرأة، ولا يجب أن يغيب عن البال أن مستقبلًا قويًا ومشرقًا يعتمد على عزيمة المرأة وتصميمها.