هارون يحيى
مُنذ فترة وتُركيا في صخب تحسبًا للدستور الجديد. ومع استمرار ذلك الصخب، ثار جدل واسع في الأسبوع الماضي حول تصريح رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان الذي قال فيه: "لا مكان للعلمانية في الدستور الجديد". إن وضع تلك المسألة موضع النقاش أمر جيد، حيث أنه بالنقاش تمت الإجابة على سؤال "ما هي العلمانية؟" بشكل صحيح مرة أخرى.
أفضل طريقة لفهم المفاهيم الخاطئة حول العلمانية هي أن تعود للتاريخ التركي، خاصة بعد فترة السبعينات، بدأ استخدام ذلك المبدأ بشكل مختلف من قِبَل مَن يعتبرون أنفسهم من "العلمانيين"، حتى أن الفتيات خلال السبعينات كان بإمكانهن دخول المدارس والجامعات وهن يرتدين الحجاب، ومُنعوا من ذلك في الثمانينات. بالإضافة إلى ذلك، منعت الحكومة في التسعينات مدارس الدعوة الدينية وحلقات تحفيظ القرآن في كل أنحاء البلاد. كما تم تحديد المتدينين العاملين في مكاتب الحكومة والجيش والوظائف الإدارية وتم وضعهم في قوائم سوداء. وفي عام 1997، أطاح انقلاب عسكري بالحكومة اليمينية الحاكمة. كل ما حدث كان تحت مُسمى "الحفاظ على العلمانية"، حيث ادعى مؤيدو ذلك النظام الظالم أن العلمانية تعني أن تكون ضد الدين، فاتُخذت العلمانية ذريعة لقمع الجماعات الدينية بدلًا من تحرير المُجتمع.
بينما في الحقيقة، العلمانية تَعني أن الدولة يجب عليها أن تقف على مسافة واحدة من كل المجموعات الدينية. بمعنى آخر، يقع الشخص ومعتقداته الدينية تحت حماية الدولة بغض النظر عن معتقداته. لخصت تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان الفكرة في لقائه مع منى الشاذلي أثناء زيارته لمصر عام 2011: "لا تضمن بنية الدولة العلمانية الإلحاد، إنما تضمن حرية الاعتقاد الديني".
سيبقى دائمًا في عالمنا - خاصة في الدول الإسلامية - أناس يحاولون تشويه معنى العلمانية وتفسير الدين بعقليات خرافية. يجب أن نضع في الاعتبار دائمًا أن هؤلاء الأشخاص يعملون لأغراض شخصية ولإبعاد المؤمنين والإيمان عن المجتمع. العلمانية في الأصل مبدأ إسلامي ومُعرف في القرآن، العلمانية هي حماية الدين، العلمانية تعني احترام الآخر والاهتمام بكل فرد والمساواة بغض النظر عن الاعتقاد. طبق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المبدأ بحماية مُعتنقي الديانات الأخرى في عهده والمشركين الذين وقعوا معه مُعاهدة، يُعتبَر نَص دستور المدينة أوضح دليل على ذلك.
يجب على المؤمنين في البلاد الإسلامية العلمانية فهم المعنى الحقيقي للعلمانية بشكل أفضل، كما يجب عليهم ألا يسمحوا لهؤلاء الذين يشوهون العلمانية بتصويرها قوة ضد الدين. يجب إيقاف استخدام العلمانية كأداة لقمع المؤمنين، واستخدامها كنموذج لحرية الدين، وإلا سيحدث كما حدث في تركيا في السابق، تغتصب الدولة العميقة ذات التوجه اليساري كل حقوق المتدينين، وتصفهم بأعداء النظام، وتقف حتى أمام وجود حكومات ذات توجه يميني عن طريق عمل انقلابات عسكرية عليهم. بإمكانهم أيضًا أن يمنعوا المؤمنين بالديمقراطية، وأن يضعوا نظامًا ديمقراطيًا يضمن وصولهم فقط للحكم. بإمكانهم أن يلقوا بأناس في بلد إسلامي في السجن فقط لأنهم مسلمين ومن ثم منعهم من حرياتهم وحقوقهم، وبالتالي يتوجب على المسلمين التعامل بشكل منطقي لوقف تلك الممارسات الخاطئة. يجب عليهم أن يُظهروا أن مبدأ العلمانية يحمي حرية كل من المسلمين وغير المسلمين، يجب أن يدركوا حقيقة أن الحرية الحقيقية موجودة فقط في فكر الديمقراطية في القرآن، وليس بالممارسات القمعية التي تقوم بها دولة اليسار.
وبالتالي لن يتم سوء استخدام العلمانية ضد الدين، وستكون عهدًا للحرية والفكر والسلام للأناس المتدينين.