تسير العلاقات بين الدول أحيانًا على عكس التوقعات المنطقية، فتؤول الأحوال إلى نتائج غير متوقعة مثلما حدث مع تركيا خلال إسقاطها غير المتعمد للطائرة الروسية. على الرغم من أن كل شيء كان على ما يرام بين البلدين، تسبب إسقاط الطائرة الروسية في توقف جميع المشاريع المشتركة تقريبًا. استمرت هذه الأزمة تسعة أشهر، لتلحق أضرارًا كبيرة بالجانبين.
وتبادل كبار المسؤولين الزيارات خلال عملية التطبيع، كما أبرموا عدداً من الاتفاقيات العسكرية والتجارية واتفاقات الطاقة، صاحبها العديد من النتائج الإيجابية. ومما لا شك فيه أن أهم مهمة يخوضها البلدان هي أن يتوصلا إلى حلٍ سلميٍ للأزمة في سوريا. فبعد الزيارات الجدية المتكررة بين البلدين، أعدّا خريطة طريق لسوريا بمشاركة إيرانية. وكان جزء من أول مهمة اضطلعا بها أن يفتحا ممرًا لخروج المدنيين المحاصرين داخل حلب، الذين لم يكونوا قادرين على الحصول على المساعدات الإنسانية.
ثم جاءت محادثات أستانا، لتكون الإنجاز التالي، التي وصفها ستيفان دي مستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، بأنها "شيءٌ لم يحدث من قبل، (حيث التقى) كلًا من ممثلي الجماعات المسلحة والحكومة السورية" في اجتماع مع موفدين من إيران وروسيا وتركيا، بالإضافة إلى الأمم المتحدة والسفير الأميركي لدى قازاقستان، جورج كرول.
من المؤكد أن هذه هي أولى الإنجازات الإيجابية الواعدة في ما يتعلق بالأزمة السورية. إذ تشير هذه النتائج إلى أن التعاون خير من التركيز على الخلافات وإلقاء اللوم على كاهل الجانب الآخر، إن أردنا جلب السلام إلى المنطقة بأكملها.
ويعتبر هذا دليلًا على أن القرن العشرين كان فترةً زمنيةً مريعة، فقد خرج العالم لتوه من حربين عالميتين دمويتين. وفي الوقت الحالي، نواجه نوعًا مماثلًا من الإرهاب في حُلّة مختلفة.
يعي كل فرد في العالم تقريبًا أننا لسنا أفضل حالًا في ظل هذا العالم المُستقطَب. في المقابل، أدركت تركيا وروسيا وإيران هذه الحقيقة جيدًا، وحاولت أن تتحالف مع جيرانها الإقليميين من أجل تحقيق غاياتهم. وفي هذا الصدد، ذكر سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، خلال قمة موسكو أن الدول الثلاث تعتقد أن على السعودية أن تشارك هذه القوى من أجل التوصل إلى حل للموقف في الحرب السورية.
فمن المهم حقًا للسعودية، وهي لاعب رئيسي آخر في الشرق الأوسط، أن تشارك في التحالف وأن تسعى لإيجاد حل للحرب السورية. كما أنه من الواعد أننا رأينا الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية وهي تناقش ليومين في العاصمة السعودية الرياض محادثات جنيف. حتى وإن كان ثمة صراعات ما زالت قائمة بين السعودية وإيران، فلا ينبغي عليهما أن تترددا في أن تكونا في التحالف نفسه، طالما كانت تركيا على الجانب المعارض لروسيا وإيران في ما يتعلق بالحرب السورية منذ البداية، إلا أنها لم توقفهما عن أن يصيرا أنجح الضامنين، وعن أن يتخذا خطى قوية.
ينبغي أن يأتي الحل من أجل المنطقة من داخل المنطقة نفسها. فعلى المسلمين أن يتوصلوا إلى حلول لمشكلاتهم عن طريق صياغة معادلاتهم بأنفسهم. فقد كانت مبادرة الرئيس الإيراني حسن روحاني من أجل استعادة العلاقات مع جيرانه بالخليج من خلال زيارته للكويت وعمان لأول مرة منذ تنصيبه رئيسًا للجمهورية الإسلامية في 2013- خطوةً مهمة لتوحيد المسلمين.
قد تمارس تركيا بكل تأكيد دورًا رئيسيًا في رأب الصدع بين إيران والسعودية، في ظل ما تتمتع به من علاقات جيدة مع البلدين، إضافةً إلى إيمانها بقوة وحدة المسلمين. كما لا يمكن تجاهل الدور والتأثير الروسيين للتوصل إلى حل في سوريا. لذا، يمكن للتحالف الموجود بالفعل، الذي يتكون من روسيا وإيران وتركيا، أن يتضاعف تأثيره في حال انضمت السعودية إلى هذه القوى. وسوف يقلل هذا التحالف قطعًا من الاعتماد على الغرب وحده، كما سيمهد الطريق أمام الوصول إلى حل بالحوار البنّاء بين الشيعة والسنة لإنهاء الصراع الطائفي الذي يؤثر على اليمن. فمثل هذا الاتحاد سيسهم إسهامًا كبيرًا للمساعدة في إعادة بناء مناطق الحرب وجلب الاستقرار إلى المنطقة. وسوف تستطيع الدول الأربع أن تحقق فوائد عظيمة من هذه الرابطة، ما سيؤثر على الدول الأخرى كي تخطو نحو السلام وتسعى إليه.