تخوض البكتيريا و الفيروسات العديد من المعارك فيما بينها بهدف زيادة عدد الخلايا الدفاعية والتي تقوم بحماية الجسم من هذين الخصمين في كل يوم بدون أن نشعر بذلك الأمر.
لكن على الرغم من أن الخلايا الدفاعية تقف حاميا و محاربا لهذه الكائنات الخارجية الا انها لا تهاجم نوعا نافعا من البكتيريا فكيف تميز الخلايا الدفاعية البكتيريا النافعة و لا تقوم بمهاجمتها؟
ماالذي يمنع الجنود الذين يحمون الجسم من مهاجمة هؤلاء الغزاة المفيدين؟
عناصر جهاز الدفاع المناعي تقاتل الأعداء الذين يؤذون الجسم،هذه العناصر مثل الجنود منظمين ومنضبطين تماما. في المرحلة الاولى يأتي الجنود الذين من شأنهم جعل الأعداء غير فعالين عن طريق ابتلاعهم( هؤلاء الجنود يعرفون باسم الخلايا البالعة) الى ساحة المعركة. ولكن في بعض الأحيان، تطغى ظروف المعركة على قدرات هؤلاء الجنود. فيتدخل في هذه المعركة في المرحلة الثانية جنود آخرين ( يعرفون باسم البالعات الكبيرة Macrophages). وهذا التدخل يؤدي الى "حالة تأهب )استنفار(" و التي تحدث في المنطقة المستهدفة، حيث يستدعى جيش اخر من الجنود (يعرف باسم خلايا T المساعدة) الى ساحة المعركة، و خلال هذا الصراع تحدث معجزة.
حتى لو كان الجسم دائما على اهبة الاستعداد للقتال ضد الكائنات التي تسبب له الضرر، إلا أنه يسمح لملايين الأنواع الاخرى من البكتيريا العيش في بعض الأعضاء. على سبيل المثال ، يعرف أن 80 نوعا من الكائنات(البكتيريا النافعة) الحية تعيش في الفم والحلق واللوزتين. ووفقا للأبحاث، هناك 200 نوع من الكائنات الحية التي تصون الصحة الجيدة لأجسادنا باستمرار.و لهذاالسبب جهازنا الدفاعي لا يهاجم هذه الكائنات لأن هذه الكائنات حيوية لبقائنا على قيد الحياة.
تسامح الجهاز الدفاعي
• خلاياT ( الخلايا اللمفاويةlymphocytes T :) هي نوع من الخلايا الدموية البيضاء في اجسامنا. فهي تقاتل كل من هو ضار بالجسم و تقضي على البكتيريا والجزيئات الخطيرة على اجسامنا.
• أثناء عملية التنظيف، فإن هذه الخلايا لا تهاجم خلايا نفس الجسم الذي تنتمي اليه ولا البكتيريا المفيدة للجسم.
• كل خلية تحتوي على نظام محدد للهوية الخلوية للتعريف بنفسها (الجزيئات المحددة للذات) ويعرف بالمستقبلات. خلاياT المقاتلة يمكنها التمييزبين جميع الخلايا الأخرى من خلال التعرف على مستقبلاتها ، و تشرف على الخلايا التي يحتاجها الجسم. و نوعية النظام الدفاعي هذا يسمى " التسامح المناعي"
• هذه الحالة المسماة من قبل العلماء باسم " التسامح المناعي" هي في الواقع معجزة عظيمة لأن جهاز الدفاع قادر على التمييز بين الاف البروتينات المختفلة عن بعضها البعض.
• إذا واجهت خليةT خلية اخرى من خلايا الجسم، فإنها لا تقوم بمهاجمتها، بل تجعل من نفسها غير فعالة حتى لا تهاجمها.
• وبنفس الطريقة، إذا كانت هناك مادة من الجسم تتصرف ضده كأنها مستضد (جسم مضاد (antigen فانها لا تدمره حينها ولا ينتج الجسم اي ردود فعل مناعية ضد هذه المادة و لا تهاجم هذه المادة.
وقد كشفت الأبحاث العلمية أن عنصر الدفاع الذي يضر الجسم إما أن يموت أو يدمر نفسه.
فكيف تكتسب الخلايا نظاما يتيح لها تمييز التراكيب المختلفة عن بعضها البعض؟
كيف تتعرف على خلايا من نفس الجسم الذي تنتمي اليه؟
فمن المستحيل طبعا ان تكون قادرة على الاختيار الذي يتطلب خصائص مثل الوعي والمعرفة والذكاء المكتسب عن طريق تشكيل تراكيب بواسطة ذرات غير واعية كما تم ادعائه في نظرية التطور. ليس هناك شك في أن الجهاز الدفاعي يعمل بإلهام من الله عز وجل كما جاء في الآية ( وأذنت لربها و حقت) سورة الإنشقاق آية 2
التسامح المناعي في البنكرياس
الجهازا لدفاعي المناعي الذي كنا نتحدث عنه يعمل على مستوى من التنظيم لدرجة أنه يصعب على العقل فهم أسباب هذا الحدث الخارق للعادة.
• في ظل الظروف العادية، البنكرياس هو عضومن جهازمغلق عن بقية الجسم. ولذلك ، فإن الخلايا اللمفاوية T لا تعمل مباشرة مع خلايا البنكرياس.
• بدلا من ذلك ، تقوم خلايا البنكرياس بالاتصال مع وسيط الخلايا اللمفاويةT، و تعرفها بنفسها. . وهكذا تضع هذه الخلايا الوسيط قناعا يشبه البنكرياس. وهي تعرف"بالخلايا المتشجرة".
• الخلاياالمتشجرة البنكرياسية تضع مستقبلات البكتيريا الصديقة التي تتصرف مثل مستضدات (ANTIGENS)على أسطح خليتها، و تضغط على الجهاز الدفاعي وتبقي عليه في حالة هادئة جدا.
• خلايا Tالمقاتلة تتعرف على هذه المستضدات وتتعلم عدم الاثارة ضد خلايا البنكرياس و عدم مهاجمة هذا العضو.
كما يتضح من هذا المثال، إن وجود صفات مثل تطوير أساليب جديدة لتتعرف الخلايا على بعضها البعض، وتتفق مع بعضها البعض، ووضعها لمخططات تتحرك وفقها بتنظيم مثالي لا يمكن التكهن بها من الخلايا الدفاعية ولا حتى من العضو. ليس هناك شك أنه حتى مجتمع البشر لا يمكنه أن يتحرك في هذا التزامن الرائع الذي لا تشوبه شائبة، وانجاز ما يلزم القيام به من دون فشل ونسيان و تفاجأ أو إثارة للفوضى.
ليس هناك سوى حقيقة واحدة مؤكدة و يجب قبولها هنا ألا وهي أن كل الخلايا خلقت خالصة من قبل الله تعالى مالك القوة اللامتناهية المطلقة، والمعرفة المطلقة و الذكاء المطلق، تماما مثل كل شيء في الطبيعة.
(... وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم) سورة الأنعام آية 101
التسامح المناعي في الامعاء
الأمعاء عضو آخر يتسامح معه جهاز الدفاع المناعي. بالرغم من أن الجسم بشكل عام محمي بأسلحة دفاعية دقيقة للغاية، مع ذلك لا تزال الملايين من البكتيريا تعيش في الأمعاء لدينا، لأن الطعام الذي نأكله، والسوائل التي نشربها يتم هضمها عن طريق البكتيريا في الامعاء الدقيقة. بالإضافة إلى ذلك ، هذه البكتيريا توفر طريقة طبيعية للحماية لأنها تمنع تكاثر الجراثيم الأخرى التي يمكن أن تضر الجسم. حتى الخلايا الدفاعية تتعاون مع هذه البكتيريا حتى تعطي الفائدة للجسم. حتى ولو توفرت امكانية اثارة جهازالدفاع المناعي وبدء
حرب في الامعاء تتجاهل الخلايا Tالبكتيريا في الأمعاء الدقيقة الى حد ما وتمنع تلك الحرب.
إذا، كيف تسامح الخلايا الدفاعية البكتيريا في الخلايا؟
الخلايا التدريبية التي أذهلت المجلة الأمريكية الداروينية (العلم العالمي - Science World)
في ورقة بحث نشرت في مجلة طبيعة المناعة (Nature Immunology)، وجد الباحثون تحت قيادة شانون تورلي (Shannon Turley) ان جهاز الدفاع لديه آلية التسامح المناعي و التي لم تكن معروفة من قبل. وفقا لذلك؛
• فإن الغدد اللمفاوية مثل المعسكرات الاستراتيجية التي تحيط بالجسم كله. الخلايا اللمفاوية، و هي خلايا الدفاع تقوم بسحب المستضدات إلى العقد اللمفاوية ومحاربتها.
• ومع ذلك ، فإن العقد اللمفاوية الموجودة في الامعاء مثل مركز تدريب أكثر من معسكر استراتيجي. الخلايا الأساسية الموجودة هناك تقوم بتدريب خلايا T، والتي هي من جنود جهاز دفاعنا، بالتصرف بطريقة مناسبة تجاه هؤلاء الضيوف غير المدعوين.
لا يمكن تفسير أن مثل هذا النظام في هذا الجزء من الجسم يمكن أن يأتي إلى حيز الوجود عن طريق المصادفات. عند تحليل الكمال في هذا النظام فإنه يتضح أن هناك نظاما خلق بعناية فائقة. كيف يمكن لعملية التدريب أن تحدث، والذي عجز العلماء عن فهمه بالكامل من خلال الوسائل التكنولوجية الأكثر تقدما اليوم؟ شانون تورلي،هي احد أخصائي علم الأمراض في جامعة هارفارد والتي تقود الأبحاث حول هذا الموضوع ، صرحت بإثارة على هذا النحو :
"الخلايا T إما تتجاهل نسيج الأمعاء أو تجعله في حالة التسامح. ومع ذلك، فإنه لا يزال مجهولا كيف يمكن للخلايا ان تعلم وتدرب الخلايا T، التي تعتبر حساسة جدا للميكروبات، دون ان تهاجم خلايا الأمعاء ".
الخلايا غير واعية ولا تملك الذكاء والوعي والقدرة التي تمكنها من تعليم العملية البيولوجية لخلايا اخرى إذا ليس هناك أدنى شك في أن وضع مثل هذا النظام الذي حتى أكثر الباحثين والعلماء ذكاءا لا يمكنهم فهم ما يحدث داخل خلية ليس لها أي قدرة على التفكير واخذها بعين الاعتبار و النظر فيها بتفسير خاص جدا. هذا المشهد الرائع هو انعكاس لخلق الله المنقطع النظير، و هو سبحانه المالك للمعرفة المطلقة اللامتناهية و الذي يعلم و يرى ما بداخل هذه الخلية الصغيرة. يكشف القرآن الكريم أن معرفة الله لامتناهية و تشمل كل شيء:
( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات و الأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم) سورةالبقرة آية 255
هل يستطيع تسامح خلايا الدفاع في العثور على علاج أمراض المناعة الذاتية؟
مرض المناعة الذاتية، هو مرض يتشكل نتيجة مهاجمة جهاز الدفاع المناعي في الجسم خلايا الجسم نفسه(الجسم يهاجم نفسه) وقتل الأنسجة السليمة. أساس هذا المرض يكمن في اعتبار جهاز الدفاع المناعي خلايا الجسم الطبيعية أنها دخيلة. هناك 40 نوع من أمراض المناعة الذاتية المختلفة التي عرفتها البشرية. أجريت دراسات تبين أنه يمكن علاج العديد من أمراض المناعة الذاتية مثل التصلب المتعدد والداء السكري من النوع 1– يمكن علاج هذا المرض الأخيرعن طريق "تدريب" الخلايا الدفاعية، ولكن المشكلة الوحيدة هنا هي أن العلماء ما زالوا لا يعرفون كيف يمكن لخلايا غير ذكية ولاواعية بأن تتدرب.
خلق الله نظام الدفاع بحلة كاملة
التسامح المناعي في الخلايا الدفاعية تشير إلى الكمال في خلق الله عز وجل. والله سبحانه وتعالى خلق الكون كله في غاية الكمال و هذا لاجدال فيه ، ألهم الله سبحانه هذه الخلايا الصغيرة بالقدرة على فهم بعضهما البعض وعلى تدريب الخلايا الأخرى، ووضع الخطط. هذه الكائنات مميزة ، حيث تسمح لكائنات حية دقيقة بحماية جسم الانسان الذي هو في حد ذاته أكبر بملايين المرات مما هي عليه من الأمراض ، والتي تعود بالفائدة على البشر في الحفاظ على وظائفهم الحيوية، ولا شك أن هذه الخلايا هي أحد مظاهر الذكاء و العبقرية الخارقة المطلقة لله تعالى ، و يخلقها الله في لحظة واحدة بقوله "كن" ، كما جاء في هذه الآية الكريمة :
( بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) سورة البقرة آية 117