تزايدت الإجراءات الأمنية في فرنسا لتصل إلى أعلى معدلاتها بعد الحادث الإرهابي الذي وقع في ستة أماكن متفرقة من العاصمة الفرنسية باريس في 13 نوفمبر الماضي، ليصل عدد ضحايا الحادث إلى 132 قتيل و352 مصاب. الجميع في باريس حذرون لأقصى درجة بعد الحادث الإرهابي الأكثر عنفًا في تاريخها في الوقت الذي انعقدت فيه الإنتخابات الإقليمية والمحلية في 6 و13 من ديسمبر الجاري.
مارين لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، الحزب الذي يتصدر نتائج الإنتخابات، إنتقدت بشدة من الأحزاب العلمانية نتيجها لاستهدافها الحصول على أصوات المسلمين في الإنتخابات، في حين تبدو لوبان الأعلى حظًا في الفوز بالإنتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2017.
قال أحد المسئولين في الجبهة الوطنية دفاعًا عن الحزب أن الحزب يستهدف المواطنين الفرنسيين الذين يؤمنون بالإسلام الحقيقي، وليس المتطرفين أو المتعصبين دينيًا، وأن الحزب يعتبرهم مواطنون فرنسيون من الدرجة الأولى.
بالتأكيد، فإن التفريق بين التطرف والعنف وبين الإسلام الحقيقي هو أمر في غاية الأهمية، وربما هذا الأمر قد يكون عاملًا هامًا في وضع نهاية لهذا الإرهاب والتطرف الذي بدأت تغزو العالم تحت إسم "التطرف الإسلامي".
إن الحل الرئيسي لهذه المشكلة يكمن في توضيح أن أفعال هؤلاء المتطرفين الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام لا تمت بصلة للإسلام بالدليل الواضح. بل إن الوقوف كيد واحدة ضد هذه الإرهاب هو السبيل الوحيد للقضاء عليه.
على الرغم من ذلك، لازالت الكثير من الدول الغربية تجهل حقيقة الإسلام الصحيح وتعاليمه، أغلب الأوروبيين يخلطون بين أفعال المتطرفين وبين الإسلام الحقيقي ويتبنون وجهة نظر عدائية تجاه الإسلام والمسلمين.
لا يخفى علينا جميع تصاعد النظرة العدائية تجاه الإسلام وزيادة التعصب ضد المسلمين في السنوات الاخيرة في فرنسا نتيجة الخوف من الإرهاب والعنف، كشفت الأبحاث والاحصائيات أيضًا زيادة كبيرة في التعاطف مع الإسلام والمسلمين في أعقاب هذه الهجمات الإرهابية. على سبيل المثال، وفق إستفتاء أجرته صحيفة اللوموند الفرنسية اليومية عقب هجمات شارلي إيبدو في بداية العام، كانت نسبة الذين يعتقدون أن أخلاق ومباديء الإسلام تناسب قيم المجتمع الفرنسي 47%، بالإضافة إلى أن نسبة 66% من الفرنسيين يعتقدون بأن الإسلام دين يدعو للسلام كباقي الأديان الأخرى وأن المتطرفين يحملون تفسيرات خاطئة للدين. 84% من المشاركين أكدوا على أن فرنسا تحارب الإرهاب وليس الإسلام.
على الجانب الآخر، يؤكد كارول فيتورا -مسؤول قسم الكتب الدينية بمكتبة "لا بروكور"- على زيادة مبيعات القرآن الكريم باللغة الفرنسية بطريقة هائلة لدرجة أن المكتبة لا تستطيع تلبية جميع الطلبات، كما أعلن مسجد باريس الكبير دخول 40 فرنسيًا إلى الإسلام في يناير من هذا العام، وهو ما يعادل ضعف رقم العام الماضي، كما أعلنت الكثير من المساجد في المدن الفرنسية الأخرى كـ ستراسبورج وأوبارفيلييه وليون أرقامًا مشابهة.
تضم فرنسا أكبر عدد من المسلمين في الإتحاد الأوروبي، حيث يعتبر الإسلام الديانة الثانية في فرنسا ويعد إنتشاره أكبر بكثير من المسيحية حيث يزداد عدد المتحولين إلى الإسلام يوميًا. يبلغ عدد المسلمين في فرنسا 5 ملايين مسلم يمثلون نسبة 7.5% من السكان، فيما يبلغ عدد المتحولين إلى الإسلام في فرنسا حتى يومنا هذا إلى 100 ألف شخص. الأمر الجيد في فرنسا أن أولئك المتطرفون ومرتكبوا الأعمال الإرهابية لا يحظون بأي تأييد أو شعبية بين مسلمي فرنسا الذين يلتزم أغلبهم بتعاليم القرآن الكريم.
يؤمن غالبية مسلمي فرنسا بالحقيقة القرآنية التي تقول بأن من قتل نفسًا واحدة فكأنما قتل الناس جميعًا، وأن الإنتحار هو أمر محرم في الإسلام، فكيف يقدم أحدهم على الإنتحار من خلال تفجير نفسه وتنفيذ عمل إرهابي ثم ينسب هذا العمل فيما بعد للإسلام.
يؤمن المسلمون أيضًا أن الحل لمواجهة التطرف والإرهاب لن يكون بمواجهة العنف بالعنف، أو بمواجهة السلاح بالسلاح، بل إن الحل هو مواجهة الفكر الخاطيء بالفكر الصحيح.
هذه هي الطريقة الوحيدة للقضاء على أفكار العنف والتطرف وإستبدالها بقيم الإسلام الحقيقية، تطبيق هذه السياسة التي تعتمد بشكل كلي على تعليم الدين الصحيح سيظهر مباشرة أن هؤلاء المتطرفين لا يستندوا سوى على أحاديث مكذوبة وأشياء ليست من الإسلام في شيء بل وتتناقض تمامًا مع مبادئه، تطبيق هذا النهج هو أمر لا مفر منه سواء في فرنسا أو في دول الغرب بشكل عام.
في خطاب للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في أعقاب هجوم شارلي إيبدو، أشار إلى حقيقة هامة جدًا، هي أن هذه الصورة من الإسلام الراديكالي قد نشأت نتيجة التناقضات، الفقر، عدم المساواة والصراعات الدائرة في الدول الإسلامية
وأضاف "لقد رأيت في كل زيارة لي إلى الدول العربية، أنه لا يجب علينا الحكم على الأشياء من منظور واحد، الدين الإسلامي يتوافق تمامًا مع مباديء وأسس النظام الديموقراطي، لذا يجب أن تبدأ فرنسا في إستيعاب ذلك على وجه الخصوص".
حديث هولاند أيضًا في معهد العالم العربي في باريس في 15 يناير الماضي شمل أيضًا الحديث عن الفارق الواضح والكبير بين التطرف والإرهاب وبين الإسلام الصحيح.
المزيد من التوضيح أمام الشعوب الأوروبية لهذا الفارق سيكون عاملًا هامًا ليساعد المسلمين في أوروبا على مواصلة حياتهم بأمن وسلام. في حقيقة الأمر، يعاني الكثير من المسلمين في أوروبا من معاملتهم كإرهابيين محتملين نتيجة لتلك الأعمال الإرهابية التي تتم بإسم الإسلام على الرغم من إختلاف فكرهم تمامًا مع هذا النمط المتطرف، فنرى الكثير من المسلمين يعانون من الإضطهاد في الغرب ومن عدم حصولهم على حقوقهم ومن المعاملة المهينة في كثير من الأحيان.
على الرغم من ذلك، يواصل المسلمون التغلب على هذه الصعوبات من خلال قيمهم وأخلاقهم المستمدة من الإسلام، ينطبق هذا الأمر على المسلمين في فرنسا، الذين يواجهون هذه المعاملة بالتسامح والصبر ودائمًا ما تحمل معاملتهم الكثير من الحب والسلام، حيث أن جوهر القرآن الكريم هو الحب والعدل والتسامح والمساواة، لذا يتخذ هؤلاء من هذه المباديء أساسًا لحياتهم. الإسلام يحث على الكثير من الصفات الجميلة كالأخوة والصداقة والنظافة والرحمة والمودة والخير والسلام، أن تكون مسلمًا فذلك يعني أن تساعد الفقراء واليتامي والمحتاجين، وأن تكون رفيقًا بالنبات والحيوان وبكل مخلوقات الله.
المسلمون الذين يحملون كل هذه الأخلاق قادرون على نشر صورة الإسلام الصحيح وإحلال السلام أينما ذهبوا، المسلمون في فرنسا، تمامًا كإخوانهم في الدول الغربية الأخرى، تقع على عاتقهم هذه المسئولية والأمانة الكبيرة لتوصيل صورة الإسلام الصحيح بأفضل الطرق الممكن لأولئك الذين لا يعرفون عنه الكثير. أن تكون مسلمًا في فرنسا لا يختلف كثيرًا عن كونك مسلمًا تعيش في دولة أخرى اذا كنت تعيش بهذه القيم القرآنية التي أنزلها الله بحكمته لتخبرنا عن الآخرة وعن فضائل الأخلاق وعما يريده الله منا.
المسئولية الأساسية التي تقع على عاتق المسلمين في فرنسا، وعلى المسلمين بشكل عام، هي تجنب الشرور والمعاصي أينما كانت، وأن يتحلوا بالصبر في مواجهة الأزمات والمشاكل التي يمرون بها بل ومواجهتها بخلق حسن وأن يكونوا متحابين وأهلًا للثقة
والأمانة تمامًا كما أمرنا القرآن.