هارون يحيى
شهر رمضان هو وقت فرحة لكل المسلمين، لا يهم كم كانت الأمور صعبة قبله، فبمجرد حلول هذا الشهر الجميل تأتي معه استراحة جميلة من المتاعب، ويكون بمثابة تنفس الصعداء من مشاكل الحياة اليومية. ولا يحتاج المرء لأن يكون متدينًا حتى ليُدرك هذا التغير في الأجواء.
من جاكارتا إلى إسطنبول ومن بكين إلى نيويورك، يتمتع المسلمون في جميع أنحاء العالم بالإثارة في مثل هذا الوقت من كل عام. رمضان من الجمال حتى لكأن العالم يبدأ في الدوران ببطء حين يحل، ويُعرض فيه للناس لمحة صغيرة من الجنة،
لمحة مما ينتظر المؤمنين في الدار الآخرة بجوه دائم الهدوء.
يمتد الدفء العائلي إلى كل شخص وكل شيء؛ الناس يبدون أكثر لطفًا، والشوارع تبدو أكثر أمنًا، والطعام أشهى، والصداقة أقوى، وحتى الإعلانات التلفزيونية تبدو ألطف، فالجميع يستفيدون من هذا الدفء الموجود في الهواء.
يعود الفضل لقداسة ومُباركة هذا الشهر إلى بداية نزول القرآن فيه.
يشرع المسلمون في البدء بواجبهم الديني بالصيام طوال الشهر، ويبدأون الأمر بوجبة السحور في آخر الليل، وهذا هو الجزء الممتع في رمضان: الاستيقاظ على رائحة الطعام، والاستماع إلى المزاح السعيد للأسرة وقعقعة الأدوات على المائدة، سعادة لا يستطيع المرء معها إلا أن يقوم مسرعًا ليُشارك فيها، وبعد اكتمال هذه الوجبة ذات الأطعمة الخفيفة يذهبون لنوم مريح بعدها، فعلى المؤمنين الامتناع عن الطعام والشراب طوال النهار، يساعدهم هذا على التركيز، ويسمح لأجسادهم بالراحة المرجوة بعد عناء العمل الشاق طوال العام.
مع مرور الساعات واقتراب موعد الإفطار تتصاعد الإثارة، وخاصة إذا ما كان الإفطار مُجمعًا للأقارب والأصدقاء كما في الأعياد، وهو الأمر الذي يسعى جميع المسلمين لفعله طوال الشهر.
تتلاحق الدقائق والساعات، ويبدأ وقت الذروة، حيثُ يُعجل المؤمنون بالتحرك ليصلوا لوجهتهم في مواعيدهم.
الطعام المقدم، وطريقة تحضير المائدة أمر مهم، لا يهم أكنت فقيرًا أم غنيًا، فالمسلمون من جميع الخلفيات يبذلون كل جهدهم ليقدموا أشهى وألذ الأطعمة على المائدة، كما يحرصون على أن تبدو المائدة شهية.
ومع ذلك، فحتى أشهى الموائد لا يمكن أن تنافس إثارة الجلوس على طاولة الطعام خلال الدقائق الأخيرة قبل الإفطار. وتتضاعف هذه الإثارة، إذا ما كنت تُشارك الأحبّة على الطاولة، وهو أمر يجب أن تُجربه بنفسك لتشعر به ولا يُمكن وصفه.
مع الانتهاء من الإفطار، يحمد المسلمون الله على هذه التجربة الجميلة، ثم يتم تقديم الشاي مع حلوى خفيفة، ولكن ما يجعل هذه التجربة جميلة حقًا، هو حمد الله والثناء عليه، فهو الذي يُعطي النعم والمنح التي لا نهاية لها.
مع كل هذا الدفء والحميمية اللتان تُحيطان بالمجتمع بأكمله، ومع استفادة الجميع من هذا الجو المفعم بالدفء، تتلاشى الطاقة السلبية، ويكون الجميع في حالة من الكرم. ونتيجة لهذا، تكثر مساعدة الفقراء، ويتم حماية المساكين بفاعلية أكثر.
وأيضًا، هذا هو الوقت الذي يتدبر فيه المسلمون في أحوال من هم أقل قدرة اقتصاديًا منهم، كما يصلون ويعملون بحماس أكبر لإنهاء معاناة العالم، وخاصة المسلمون الذين يعيشون في اضطهاد - وهم يُشكلون الآن معظم العالم الإسلامي - كما يبذلون المزيد من الجهود الفكرية للمساهمة في إحلال السلام الذي يحتاجه العالم بحق.