قوة الدعاء
ucgen

قوة الدعاء

732

الدعاء هو صلة مهمة بالله عز وجل و يطالبنا بإظهار الضعف و الخشوع لله تعالى. يبين الله لنا أهمية الدعاء في الآية التالية: (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) سورة الفرقان آية 77.

الحاجة لعمل صلة بالله عز وجل في الحقيقة موجودة في صفة كل البشر و مورثة فيهم. في حين أن الدعاء جزء لا يتجزأ من حياة المؤمنين، يتذكره بعض الناس في حال الشدة و الكربة فقط. وذلك خطأ جسيم لأنه لابد من سؤال الله و دعائه في حال السراء و الضراء و اللجوء الى رحمته طوال الوقت.   

العزم و الخشوع في الدعاء

مكن الله عز وجل عباده من الحصول على أي شيء يرى فيه سبحانه خيرا وسعادة لهم. العزم و الخشوع في الدعاء مهم بقدر آداء الدعاء. الدعاء مع الصبر و الخشوع هما مؤشران للحاجة الى الرغبات التي يتمناها العبد أن تحقق له، من المهم في هذا الموضوع معرفة أن العبد بغض النظر عن رغباته سواءا كانت للآخرة أو للدنيا فهو يتقرب إلى الله تعالى بدعائه بخشوع و صبر. العزم على الدعاء يجعل المؤمن أكثر نضجا وتمنحه إرادة وشخصية قوييتين. المؤمن الخاشع في الدعاء يحصل على الكثير من الخير في الدارين من خلال إيمانه العميق بالله تعالى و يحصل على أجر أكثر قيمة من الأشياء التي كان يتمناها في دنياه. كشف القرآن الكريم على أهمية الخشوع في الدعاء: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) سورة البقرة أية 45.

ذكر رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أنه يدعو الله تعالى احتياجا إليه سبحانه و تذللا له طوال الوقت و كيف أن الله الرحيم استجاب لدعائه في الوقت المناسب تماما. الحقيقة هي أن الله تعالى يستجيب كل دعاء وصلاة ظاهرة وباطنة من عظمته وفضله جل جلاله وتعالى في علاه. إن الله عز وجل يستجيب كل دعاء و إن مر الدعاء في ذهن العبد دون النطق به. إن عبارة "استجابة الدعاء" لا تعني أن الله يتقبل أي دعاء، كدعاء المرء بهلاك نفسه ظانا أن في ذلك خيرا  له. يبين الله لنا ذلك في القرآن الكريم: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا) سورة الإسراء آية 11.

الله تعالى هو وحده يعلم أين يكمن الخير وأين يكمن الشر لكل مخلوق لأنه مقدر كل شيء. إن الله بعظمته يتقبل الدعاء بطريقة مليئة بالعجائب والأسرار لن ندرك كيفيتها. مثل استجابة الله تعالى لدعاء النبي يعقوب عليه السلام الذي اجتمع شمله مع إبنه النبي يوسف عليه السلام بعد سنين طويلة و كان النبي يوسف عليه السلام قد إكتسب القوة والحكم بعد فترة كان خلالها مسجونا، كذلك دعاء النبي أيوب عليه السلام لله تعالى بأن يشفيه من المرض الذي سببه له الشيطان فاستجاب الله دعاءه بعد برهة من الزمن، استجاب الله تعالى دعءهما بعد صبر عظيم ودعاء متواصل. يتقبل الله جل جلاله دعاء أوليائه الصالحين في أفضل وقت لهم مما يجعلهم ناضجين و متنورين بنوره، و يزيد من ولائهم و تقواهم له سبحانه حتى يصلوا إلى أعظم درجات الجنة.

 كيف يستجيب الله الدعاء؟

يدعو المؤمن ربه و هو يعلم أن الله تعالى يسمع الدعاء و سوف يستجيب لدعائه بأي طريقة يشاؤها سبحانه. ذلك لأنه يدرك أن الأحداث لم تأتي مصادفة بل كانت مقدرة بقضاء الله تعالى بالطريقة التي يشاؤها عز في علاه. ولذلك لن يكون لديه أي شك في عدم تقبل  دعائه. الدعاء بصدق و إخلاص عظيمين يعود على المرء بخير عظيم بإذن المولى تعالى. يتجلى لنا بوضوح في الآية التالية معنى اسم الله " المجيب " حيث أن لله تعالى يتقبل كل دعاء و توبة  ترفع إليه بقلب خالص: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) سورة البقرة آية 186.

السبب في تأخير استجابة الدعاء أو استجابة الدعاء بطريقة مختلفة كليا أن يكون ابتلاء من الله لعباده. يمنح الله عباده نعمه بعد فترة من الزمن لكي يمتحن صبرهم في طاعته ويزيد من نضجهم لسبب محدد.

نتيجة لمثل هذه الأسباب و الأسباب المشابهة لها، لا يمكن الجزم بقبول الدعاء كما دعا به العبد و بالسرعة القصوى. كما ذكر عن العالم الإسلامي بديع الزمان (سعيد النورسي) أن الله تعالى قد يعطي المرء أقل مما طلب و قد يعطيه أكثر مما طلب جزاءا للأسباب المذكورة آنفا وقد لا يعطيه أبدا. لكن، وفي كل الحالات إن الله يتقبل دعاء كل من يدعوه.

كيف كان أنبياؤنا يدعون الله ؟

الدعاء هو وسيلة للتقرب إلى الله سبحانه و كل البشر يحتاجون إلى الدعاء. أكثر الأمثلة إيضاحا هو أن أنبيائنا الكرام عليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم التسليم، كانوا يدعون الله بخشوع وخوف في كل شؤونهم كما ذكر في القرآن الكريم. كان نبينا محمد والأنبياء جميعا عليهم أفضل الصلاة و أتم التسليم يدعون الله تعالى بخشوع ومحبة شديدين لأنهم كانوا يوقنون أنه قريب منهم جدا و هو الوحيد المجيب لدعائهم، فكانوا يدعونه تضرعا وخفية بأسمائه الجليلة العظمى.

دعاء نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله مستشهدا و متقربا إليه بأسمائه الحسنى كما تبين لنا في القرآن الكريم: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) سورة آل عمران آية 26.

 روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو الله أن يرزقه حسن الخلق والأخلاق (اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي) سنن الترمذي و الإمام أحمد و الحاكم، كتاب إحياء علوم الدين لحجة الإسلام أبوحامد الغزالي.   

 دعاء النبي نوح عليه السلام

 أثنى الله تعالى في القرآن الكريم على صبر النبي نوح عليه السلام الذي كان يدعو قومه الى الدين القويم لسنين عديدة بعزم مثالي. كافح النبي نوح عليه السلام في دعوتهقومه الذين جابهوه و المؤمنين الذين برفقته بالعدوانية. الحقيقة هي أن النبي نوح كان يدعو الله في كل حين و كان في دعائه لطلب العون من الله مثال رائع للمؤمنين. في الآية الأتية يبين الله تعالى حالة نبيه نوح عليه السلام عندما دعاه: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) سورة القمر آية 10.

استجاب الله تعالى دعاء سيدنا نوح عليه السلام و أمره أن يستعد للطوفان الذي سيحدث في المستقبل. بدأ النبي نوح ببناء سفينة ضخمة هائلة بأمر الله، مع أنه لا يوجد أي بحر أو بحيرة بالقرب من تلك المنطقة. وخلال بناء السفينة كان عليه السلام يتعرض لضغط من قومه الذين كانوا يؤذونه ويستخفون به. وعندما أتى أمر الله دمر الطوفان كل شيء على الأرض إلا نوحا و المؤمنين برفقته.  

دعاء النبي يونس عليه السلام

كشف في القرآن الكريم في سورة الصافات الآيات من 139 – 142، أهمية موقف سيدنا يونس عليه السلام من قومه، اذ أنهم لم يستجيبوا لدعوته. و  ذكر في سورة الصافات ترك سيدنا يونس عليه السلام قومه وصعوده السفينة وبينما هم كذلك هاج الموج و العواصف على السفينة وكان لابد من إنقاص وزن السفينة بإلقاء أحد راكبي السفينة إلى الماء، فأقاموا قرعة كان نتاجها أن يلقى سيدنا يونس في الماء. و عندما ألقي في الماء إلتقمه الحوت فدعا سيدنا يونس ربه: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمينفاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) سورة الأنبياء آية 87 – 88.

كما اتضح في الآيات أن النبي يونس عليه السلام اعترف بحالته بصدق أثناء الدعاء. فقد دعا الله و انتظر العون والمساعدة من الله. الله عز وجل ذو الرحمة المطلقة، الرحمن الرحيم تقبل إخلاص النبي يونس عليه السلام وأنقذه من بطن الحوت بإستجابة  دعائه.

دعاء النبي أيوب عليه السلام

جاء في القرآن الكريم قصة سيدنا أيوب عليه السلام كمثال رائع في الصبر يحتذي به المؤمنين. تلقى النبي أيوب عليه السلام الوحي من الله و كان عبدا مختارا (كما جاء في سورة النساء آية 163) جرب مشكلة جادة و مر بوقت عصيب جدا. ومع ذلك وبالرغم من كل المحن الثقيلة التي كانت على كاهله، كان دائما مثالا رائعا على المؤمن الصابر و الخاشع لله تعالى (سورة ص آية 40). الدعاء الخالص من هذا النبي العظيم ورد في القرآن: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) سورة الأنبياء آية 83.

لقد جاء في القرآن أن الله تقبل دعاء عبده المخلص أيوب: (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) سورة الأنبياء آية 84.

 الدعاء و الذي هو صلة العبد بربه عز وجل العليم السميع. و الذي هو أقرب للمرء من حبل الوريد (سورة ق آية 16)، و هو قيام المؤمن بعبادة الله في كل مناسبة. عندما يقوم المؤمنون بهذا العمل كما جاء في الآية (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما) سورة الإنسان آية 30 فسوف يتصرفون بطريقة واعية بحقيقة أن كل شيء تحت سيطرة الله عز وجل و كل شيء خاضع لإرادته سبحانه.

هناك إستجابة للدعاء في الدنيا و في الآخرة

الدعاء يدفع بالمرء تجاه ما سيحدث له في قدره

الله تعالى هو من قدر المقادير وهو من خلق الدعاء. البركات التي تتبع الدعاء هي ازدهار في الحياة الدنيا وخير عظيم في الآخرة. حياة المرء كاملة هي نتيجة دعاء عملي أو قولي تم دعاؤه سابقا سواء أدرك المرء ذلك أو لم يدركه. الدعاء العملي أفعال و جهود  مكرسة للدعاء و الصلاة بإذن الله تعالى. عندما يبذل هذا المجهود في غير رضا الله  - كما هو الحال في بعض الناس – يظنون الدعاء مجرد وسيلة للأفراد ليصلوا إلى غايات دنيوية بإذن الله. هؤلاء أناس لا يحملون الإيمان في قلوبهم لكنهم يقومون بالدعاء مع طموحات كبيرة، على سبيل المثال الأفراد الذين يعملون بجد و يكسبون الكثير من الأموال ويصبحون أثرياء أو خبراء في مجالاتهم و من يحصل على الشهرة، هؤلاء الأفراد حصلوا على تلك الدرجات من خلال كفاحهم العملي مع تمسكهم بالأسباب وهذا كله حدث بإذن الله جل جلاله. هذه الصلوات و الدعوات العملية التي لم تكن لأجل الله تعالى و لم تكن في سبيل رضاه سبحانه لن تعود على صاحبها بالنفع في الآخرة حتى لو حقق أو حققت أهدافهما في الحياة الدنيا من وقت لآخر. 

لا يوجد غير الله من يستحق الدعاء ويستجيب له إلا الله ذو الجلال والإكرام

كشفت الآية الكريمة: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) سورة الأنفال الآية 64، أن المؤمنين يعلمون أن الله هو الواحد الذي يسمع الدعاء ويستجيب له  فهو تعالى الجبار ذو القوة المتين فعال لما يريد السميع المجيب للدعاء. الله تعالى كامل في كل شيء مستبعد عن كل سمات النقص. كل الكون في قبضة الله تعالى. طلب المغفرة و المساعدة يكون فقط من الله تعالى فهو الوحيد القادر على إجابة الدعاء ونحن من نحتاج إليه و هو بغنى عنا. يبين القرآن الكريم أنه من الخطأ ان ندعوغير الله، والله هو الوحيد المجيب للدعاء: (فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين) سورة الشعراء الآية 213.

الخاتمة

الصلاة و الدعاء دليلان على رحمة الله تعالى  بعباده. المؤمنون يدعون الله في كل وقت وفي كل ظرف وهم مطمئنون بأن الله تعالى سوف يستجيب دعاءهم وفي أفضل طريقة. بهذه الطريقة يخبرون الله تعالى بكل أسرارهم  العميقة و رغباتهم الخفية التي لا يعلمها إلا الله. وسيعيشون في الخير والرخاء والجمال الذي يأتي من معرفة أن الله هو الصديق الوحيد، والهادي والمساعد. يمكننا أن نرى اكبر سرية في الدعاء الله الموافقة في حياة الأنبياء كما ذكرنا في بعض الأمثلة. هناك علاقة في الصلاة والقيام بأوامر الله والجهد البدني للحصول على رضا الله، الرحمة والجنة هما نتاج الدعاء. أنزل الله في القرآن عن أهمية الجهد :

(ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا)

سورة الإسراء آية 19.

وأوضح الداعية الإسلامي الإمام الرباني هذه المسألة مع هذه الكلمات :
"الرغبة في شيء ما، يعني تمني تحقيقه، حقا إن الله سبحانه وتعالى لا يجعل عباده يدعونه من اجل شيء لن يتقبله وسيحقق لهم أمانيهم". المؤمنون هم  الذين يدركون أن الدعاء ليس فقط في وقت الشدة بل في كل الأوقات ويعيشون حياتهم في عظمة الله تعالى و يحافظون على قربهم من ربهم سبحانه في كل مكان وزمان من حياتهم.

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo