هارون يحيى
تم استدعاء المادة الخامسة الشهيرة من قبل الناتو - لأول مرة - في أعقاب الهجمات الإرهابية المروعة في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. ووفقًا لهذا، لا يجب أن يكون هناك الآن أي تمييز بين الجماعات الإرهابية في العالم. في أعقاب هذا القرار، أعدت الولايات المتحدة لوائح بالمنظمات الإرهابية، وكان من بينهم حزب العمال الكردستاني، والذي اعتاد القيام بأعمال إرهابية دموية في تركيا.
ومع ذلك، فقد اختلفت القائمة التي نشرها الاتحاد الأوروبي قليلًا؛ فلم يوضع حزب العمال الكردستاني في القائمة. ربما صحح الاتحاد الأوروبي هذا "الخطأ" بعد الضغوط التركية في شهر أبريل عام 2002، لكن استمر تمويل منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية من قِبَل هيئات متعددة في العواصم الأوروبية، كما استمر تقديم الدعم غير المشروع لها بوسائل مختلفة.
ورغم أن هذه المعايير المزدوجة أصبحت أقل سفورًا اليوم، ولكنها مع ذلك لا تزال مستمرة، هذا هو السبب في أن بعض الصحف والعديد من الشخصيات حاولوا تصوير الأمر بحيث يبدو أن هناك "حربًا أهلية" مستعرة في تركيا، خلال الأشهر الماضية.
دعونا الآن نُلقي نظرة على ما يحدث في تركيا في الأشهر الأخيرة الماضية: بدأت عمليات مكافحة الإرهاب في جنوب شرق تركيا في شهر سبتمبر 2015. وبعد ذلك أدركت - تركيا - أن حزب العمال الكردستاني قد حول بعض المناطق في الجنوب الشرقي - حرفيًا - إلى قواعد خاصة له، وأن الدولة قد فقدت - حرفيًا - أية سيطرة على تلك المناطق، فقد أُنزلت الأعلام التركية، وتم إجبار السكان على اتباع حزب العمال الكردستاني.
تم فرض حظر التجول مرة بعد أُخرى، ومع ذلك، فقد تم إجلاء السكان المحليين حفاظًا على سلامتهم، وذلك بسبب اتساع نطاق العمليات العسكرية هناك، وتم ترتيب أماكن لإقامتهم خارج المدن، كما هدد حزب العمال الكردستاني بالسلاح العائلات الكردية الذين رفضوا إباحة منازلهم لهم، بل وقتلوا بعضهم، وتم سجن بعض الأسر في منازلهم، في حين استخدموا بعض المنازل الأخرى كمخازن للمعدات.
"لأول مرة، يعمل الجيش والشرطة والمخابرات معًا"، الكلمات السابقة لرئيس الوزراء داوود أوغلو تعني أنه ليس هناك تراجع عن هذه العمليات بالنسبة للحكومة، كما يجدر الاحتفاء بتصريحات رئيس الوزراء بأن: "البنية التحتية للمنطقة سيُعاد بناؤها على أكمل وجه، بمجرد انتهاء العمليات".
الأمر الذي أكد عليه الرئيس أردوغان مهم جدًا أيضًا، حيث قال: "لقد أوفينا بالتزاماتنا في مجال التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، وسنواصل القيام بذلك في المستقبل. نجد أن العالم كله يغضب عندما يحدث عمل إرهابي في بلد أوروبي، فلماذا يجلس الجميع ويكتفون بالمشاهدة عندما يحدث مثله في إسطنبول أو غازي عنتاب أو سروج؟ يجب علينا أن نجد إجابة هذا السؤال، واحد من أهم مبادئ الحرب على الإرهاب هي مكافحته دون تمييز".
للأسف، "مكافحة الإرهاب دون تمييز" أمر لا نراه من حلفاء تركيا، ولنتذكر أنه عندما وقعت الهجمات المروعة في باريس، أعلنت الحكومة الفرنسية حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، حيث تم إجراء أكثر من 2,700 عملية بحلول نهاية عام 2015، كما تم إغلاق 700 مسجد، وتم منح المحافظين صلاحيات لإغلاق بعض المناطق أمام الجمهور، والمرور، بالإضافة لعدم السماح لمن يعتبرونهم تهديدًا بالدخول إلى مناطق محددة. بإمكان فرنسا أيضًا فرض الرقابة على الصحف، ومحطات الإذاعة، وقنوات التلفزيون، والمسارح ودور السينما، في أوقات الطوارئ.
عندما ينتشر الإرهاب في العواصم الأوروبية، تُعتبر هذه الاحتياطات أمرًا طبيعيًا، ولا يعتبرها أحد هجومًا على حرية الفكر، أو الحق في الحرية. لكن عندما يتعلق الأمر بتركيا، فيتم اللجوء فورًا إلى المعايير المزدوجة في موضوع الإرهاب، وتجتذب التدابير التي اتخذتها تركيا لحماية مواطنيها من الإرهاب أكثر الانتقادات إدهاشًا. ومع ذلك، فتركيا الآن عازمة بصدق على مقاومة الإرهاب، لدرجة عدم الالتفات لمثل هذه الانتقادات.
وبعد كل ذلك، فربما نحتاج للتذكير بمحادثات جينيف التي أغلقت الباب أمام حزب الاتحاد الديموقراطي، بسبب الضغوط التركية، ونُشير أيضًا للزيارة المفاجئة لحزب الاتحاد الديموقراطي نفسه من قبَل مسؤولين أمريكيين في نفس المواعيد، ولكننا سنتناول ذلك في مقالة أخرى قادمة.