هارون يحيى
تأسست الأمم المتحدة عام 1945 بهدف منع نشوب حرب عالمية أخرى. عندما ينظر إلى ذلك الأمر من وجهة النظر هذه، يبدو أن المنظمة قد وفّت إلى حد كبير بالمراد من تأسيسها حتى اليوم. ومع ذلك، فبعيدًا عن الحروب الدائرة في العالم اليوم، ليس هناك شك في أن هذا الاتحاد لم يتهيأ لبيئات الصراع المختلفة الممكنة. على الرغم من أن بعض تدخلات الأمم المتحدة كانت ناجحة على مدى السنوات الإحدى والسبعين الماضية، إلا أن العديد من الحوادث في جميع أنحاء العالم كانت الأمم المتحدة شديدة الوهن حيالها.
وبالنظر إلى الأوضاع الراهنة في العالم الآن، نجد أن على الأمم المتحدة أن تذهب أبعد من الغرض من تأسيسها. وسعيًا لقيام الأمم المتحدة بذلك، ينبغي إدخال مختلف الابتكارات، والقيام بنوع من الإصلاحات.
الرأي المتبادل في العالم كله الآن هو أن هذه الإصلاحات ينبغي أن تبدأ مع "مجلس الأمن". في الأمم المتحدة، تعمل الجمعية العامة باعتبارها لجنة استشارية، وجميع الدول الأعضاء ممثلة فيها. ومع ذلك، نجد أن المجلس - بحسب المادة 24 - عليه "المسؤولية الأساسية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين"، ويتألف من 5 أعضاء دائمين، يمتلك كل واحد منهم حق النقض (فيتو)، و10 أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم لفترة عامين. حق النقض (الفيتو) المذكور سابقًا يجعل من الصعب للغاية لهذه الدول - مع مصالحها المتضاربة عادة - التوصل إلى قرارات بالإجماع. وكما يبدو، لا تُفعل التدابير الأمنية اللازمة بموجب الفصل السابع بالمعاهدة بين البلدان المتصارعة. ونتيجة لهذا الواقع، فإن الأمم المتحدة لا تزال مجرد منظمة لا يمكن أن يتجاوز دورها تقديم مساعدات الإغاثة إلى مناطق الصراع، وخاصة في هذه الأيام.
وكما قيل، فقد بلغ الوهن داخل الأمم المتحدة مستويات غير قابلة للجدل، وصار موضوع النقاش في الآونة الأخيرة هو مختلف الجهود الإصلاحية التي من شأنها معالجة هذه المشكلة. وزيادة عدد أعضاء مجلس الأمن في الوقت الحاضر بين المقترحات الأكثر شعبية. ومن المُقترح إدراج الدول ذات الكثافة السكانية العالية والقوية اقتصاديًا بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مع الحد من استخدام حق النقض (فيتو).
أيضًا، يجب بالتأكيد ابتكار نظام بديل، والذي سيلزم بالتدخل في المناطق التي تحدث فيها الصراعات الثقيلة وانتهاكات حقوق الإنسان. كما يجب أن تكون هناك قرارات معفاة من سلطة النقض (فيتو) والتي ينبغي تنفيذها في مثل هذه الحالات الاستثنائية التي يشهدها العالم. معاهدة الاتحاد الأوروبي بلشبونة مثال على ذلك. تضمن المعاهدة اتخاذ القرار السريع والفعال للبلدان الأعضاء في الحالات الاستثنائية من خلال تصويت الأغلبية بدلًا من التصويت بالإجماع. ولكن يبدو أنه من أجل تفعيل هذه الآلية في الأمم المتحدة، يحتاج عدد أعضاء مجلس الأمن إلى الازدياد بالتأكيد. لأنه كما هو معروف جيدًا، تضم الأمم المتحدة أطيافًا سياسية أوسع وأكثر تنوعًا من تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي. ولذلك، من أجل الحصول على نتيجة عادلة في عملية التصويت بالأغلبية، من الأهمية بمكان أن تكون الأغلبية مُمثلة بأكثر من ثلاثة بلدان.
أما بخصوص القرارات التي يتخذها مجلس الأمن بشأن بلد ما، فيجب أن يكون من حق بلدان المنطقة المعنية الحديث في الموضوع، وقد تم طرح هذا الخيار خاصة من قِبل تركيا. والدول المُعرضة للخطر - مثل تركيا - من الدول المجاورة لها والتي دمرتها الحروب الأهلية والإرهاب، يمكن أن تُقدم بالتأكيد حلولًا أكبر وأكثر فعالية بخصوص مشاكل الدول المجاورة لها. عند هذه النقطة، ينبغي أن نتذكر أن هذه البلدان لا تتقاسم الجغرافيا الإقليمية فقط، ولكن أيضًا تتقاسم في نفس الهوية المشتركة والعرقية والشعوب الأصلية، والعناصر الإرهابية. بلا شك، ستعرف هذه الدولة عن الدول المجاورة لها أفضل من غيرها، ويمكن أن تضع استراتيجيات أكثر عقلانية بالنظر لتركيبة المنطقة.
كما كان من بين المقترحات أيضًا أن يتم تمثيل كل قارة بعضو دائم. وكما أن العالم أكبر من مجرد خمس دول، فإنه بالتأكيد لا يقتصر على ثلاث قارات فقط.
في هذه الأيام البعيدة للغاية عن الحرب العالمية الثانية، يجب على الأمم المتحدة التكيف مع المعايير والصراعات في القرن الحادي والعشرين. ويبدو أن تطبيق الديمقراطية ينبغي أن يكون الشرط الأول في هذه المبادرة الإصلاحية، لأن صناع القرار الموجودين في هذه المُنظمة ويمتنعون عن المضي قدمًا في تطبيق الديمقراطية لا يؤثرون فقط في الأمم المتحدة، ولكن في العالم بأسره. يعيق هذا الوضع توفير أي سبيل للتسبب في معاناة أية دولة منكوبة عن طريق السماح للجماعات العنيفة باستغلال هذا النقص في الحلول والتمتع بالراحة الناجمة عن عدم وجود قوة المعارضة.
يجب ألا ننسى أن الأسلحة ليست هي الأدوات الوحيدة للإرهاب والعنف؛ تستفيد الجماعات العنيفة التي تتبع معتقدات خاطئة من صمت الشعوب المسالمة، ولأنه تم إنشاؤها بهدف تحقيق السلام العالمي، ينبغي على الأمم المتحدة الاعتقاد بحقيقة أن السلام له تأثير أكبر من العنف والحرب، وخوض الصراع بالعلم والمعرفة ضد الأفكار والمعتقدات الخاطئة بروح من التضامن. مجلس السلام الذي يفشل في اتخاذ القرارات سيتم على الدوام الاعتقاد بضعفه. فإذا كانت الدول متحدة حقًا باسم السلام، يجب عليها أن تفي بمتطلبات هذا الاتحاد من خلال الإصلاحات والقرارات الصائبة.