لا زالت أعمال العنف والاضطهاد التي يتعرض لهُما شعب الروهينجيا المسلمون المقيمون في مقاطعة أراكان في ميانمار في جنوب آسيا، على مدار سنين عديدة، مستمرةٌ وبشراسةٍ، أمام أعين العالم كله. تكمن القضية الرئيسية وراء هذه الأزمة في رفض حكومة ميانمار البوذية بعناد وإصرار الاعتراف بوجود وحقوق الروهينجيا المسلمين، ولا تعتبر حكومة ميانمار الروهينجيا مجموعة عرقية متميزة، وترى فيهم مجرد مهاجرين غير شرعيين، تحاول التخلص منهم من خلال لجوئها إلى مختلف أنواع الممارسات القمعية والمروعة. ومن دون حقوقه في المواطنة، لا يستطيع شعب الروهينجيا الاستفادة من أي خدمات حكومية، على غرار حق تلقي العلاج في المستشفيات الحكومية، في حال إصابتهم بالأمراض، وعندما يوظفون في مؤسسات حكومية أو خاصة، لا يحصلون على أي أجرة، ولا يحق لهم أن يصبحوا موظفين رسميين في الدولة. ويُجبر شعب الروهينجيا على دفع الضرائب للحكومة حتى عندما يسافرون من قرية إلى أخرى، ولا يمكنهم امتلاك الهواتف الثابتة أو المحمولة أو السيارات، بل يحظر عليهم حتى بناء بيوت خرسانية، مع السماح لهم فقط بالعيش في بيوت خشبية؛ تكون علاوة على ذلك، مملوكة للحكومة. ولا يمنحون الحق في الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء عندما يدانون بارتكاب جريمة، فيتم سجنهم مباشرة، ويجوز لقوات الشرطة أو الجيش مداهمة منازلهم دون مبرر، ويمكن فوق ذلك، اعتقالهم تعسفا. ونتيجة للمجازِر وحملات النفي القسرية التي نفذت منذ عام 1942 في إطار سياسة التطهير العرقي المنهجية، لم يبق سوى 800 ألف من السكان الأصليين البالغ عددهم 4 ملايين نسمة في المنطقة. وحتى الآن، اضطر 3 ملايين مسلم من شعب الروهينجيا الهجرة إلى البلدان المجاورة، واستشهد مئات الآلاف منهم، وتم اغتصاب عشرات الآلاف من النساء، وتعرضت مناطقهم السكنية للحرق والتدمير، وهدمت مئات المساجد والمدارس. وخلال تجديد لهيب الهجمات في الأشهر الأخيرة، أضرِمت النيران في القرى والمساجد والمدارس الإسلامية وأحرِق المسلمون أحياءً داخل منازلهم. وفي الأسبوع الأخير من شهر آب/ أغسطس، قتل ما بين 2000 و3000 مسلم خلال الهجمات التي شنها جيش إنقاذ روهينجيا أراكان الانفصالي. ووفقا للمتحدثة باسم مجلس الروهينجيا الأوروبي الدكتورة أنيتا شوغ، قُتِل جميع الرجال الذين يعيشون في قرية سوجبارا في مدينة راثدونغ في أراكان ولم ينج منهم سوى صبي واحد (1). وقال عبد الفياز، أحد المسلمين الذين يعيشون في المنطقة، في حديث مع الجزيرة، إن النساء تعرضن للاغتصاب من قبل الجنود، وتم حرق المنازل، وأضرمت النيران في كل شيء (2). وفي أعقاب هذه الهجمات المهولة، أراد شعب الروهينجيا المسلمون اللجوء إلى بنغلاديش للهروب من الاضطهاد العنيف الذي تعرضوا له، لكن ظل هؤلاء الفارون المقدر عددهم بحوالي 600 ألف شخص، ينتظرون على الحدود لعدة أيام، تحت المطر وبدون طعام. وحتى عندما وصلوا أخيرا إلى بنغلاديش، لم يستطيعوا إيجاد السلام، حيث واجهوا مشاكل عديدة في المخيمات التي أنشئت من أجلهم، وقالت الدكتورة جوان ليو، رئيسة منظمة أطباء بلا حدود، إن المخيم يكاد يشبه قنبلة موقوتة من حيث الظروف الصحية، ووصفت البيئة السائدة بقولها: «يعيش شعب الروهينجيا في ملاجئ مؤقتة مصنوعة من الطين والأغطية البلاستيكية، مثبتة مع بعضها البعض بالخيزران ومتناثرة عبر التلال الصغيرة. إن الأوضاع المعيشية للسكان في حالة بالغة الهشاشة ومثيرةُ للصدمة، حيث تعيش أسر بأكملها تحت الأغطية البلاستيكية في مناطق وعرة معرضة للوحل والفيضانات، ولا يملكون سوى القليل جدا من المتاع، ومُعَرضين لهجمات الفيلة، ولا يمكنهم الحصول على المياه النظيفة أو المراحيض أو الطعام أو الرعاية الصحية «. (3) وفوق كل ذلك، تم مؤخرا التوقيع على اتفاق بين بنغلاديش وميانمار نظرا لموقف بنغلاديش الثابت المتعلق بضرورة إرسال مسلمي الروهينجيا إلى ميانمار. وبِموجب هذا الاتفاق، يمكن إرسال الروهينجيا إلى ميانمار في غضون شهرين، لكنهم في حال عودتهم إلى هناك، لن يمكنهم حتى العثور على قراهم في المنطقة التي دمرها الجيش تماما، ناهيك عن منازلهم. وقال المفوض العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين في اجتماع طارئ عقدته الأمم المتحدة في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول، إن عيش مسلمي الروهينجيا في وضعية عديمي الجنسية لسنوات عديدة وتعرضهم للتمييز والتهجير الوحشي وتدمير مواطنهم بشكل منهجي، يشير إلى محاولة واضحة للتطهير العرقي. وأشار الحسين إلى ضرورة إجراء تحقيقٍ جنائيٍ دوليٍ بشأن محنة الروهينجيا، وذكر الحسين أن قوات الأمن في ميانمار تتعامل مع أقلية الروهينجيا ببربريةٍ، استنادا إلى روايات شهود عيان، كما أشار إلى ضرورة أخذ جميع الأحداث في الاعتبار، ونبهَ الحاضرين أنه ما دامت هناك روايات مُوثقة عن تعرض منازلهم لإضْرام النيران عمدا، وتعرض الفتيات للاغتصاب، وقتل المدنيين دون تمييز، وإطلاق النار على الهاربين، سيكون من الخطأ الجسيم إرسال اللاجئين الروهينجيا من بنغلاديش إلى ميانمار. (4) يكتسي تصريح الحسين بأهمية بالغة وواضحٌ تماما، ومن غير المقبول إرسال مسلمي الروهينجيا إلى ميانمار ما لم توقف حكومة ميانمار ممارساتها القمعية وتضع حدا تاما للذهنية القاسية المستعملة إزاء شعب الروهينجيا. ويجب على ميانمار إنهاء عمليات القمع والعنف الذي تعرض له المسلمون في البلاد منذ أكثر من 60 عاما. يشكل الروهينجيا جزءًا لا يتجزأ من مواطني ميانمار، ومثلهم مثل البوذيين في ميانمار، لهم الحق في أن يعيشوا حياة هنيئة وحرة وعالية الجودة في ميانمار. ولا يمكن لحكومة ميانمار أن تجد مكانا لها بين البلدان المتحضرة في العالم إلا إذا اعتمدت هذا الموقف المنصف المتساوي.