الحمد لله العلي القدير الذي بلَّغَنَا شهرَ رمضان المبارك هذا العام.
نصوم من الفجر إلى المغرب، نجلس مع إخواننا إلى موائد ممتدة على الإفطار، نصلي التراويح في جماعة، نستيقظ قبل الفجر للسحور، وهذه بعض خصائص شهر رمضان.
ولكن رمضان يعني لنا أكثر من ذلك، إنه الشهر الذي أُنزِلَ فيه القرآن ليهدي البشر ويفرق بين الحق والباطل.
بتأمل الجوع والعطش، يمكننا أن نشعر بمعاناة الفقراء وأهمية مساعدتهم، ونجتهد في الأعمال الصالحة، ونتسم بالتقوى، ونسعى لرضا الله سبحانه وتعالى. في هذا الشهر تُهذب النفوسُ وتسمو الأخلاقُ، ويَظلُّ شهرُ رمضان – الذي يحمل لنا هذا الخير – يضيء قلوبنا.
يقضي المسلمون شهر رمضان في أجواء احتفالية، وتضفي العبادات على المؤمنين العابدين روحانيةً إيمانيةً، ويتزايد الإخلاص والوعي الديني باضطراد.
بالإضافة إلى ذلك، يقوم المؤمنون بممارسة ضبط النفس وكبح جماح الرغبات، فيتجنبون الكذب والغيبة والنميمة والغضب والفحش، ويحاولون أن يتحلّوا بالأخلاق الحميدة.
ولا شك أن من أفضل خصائص هذا الشهر الفضيل الكريم توطيد أواصر المحبة والأخوّة بين المؤمنين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الشهر الكريم الذي تَظهر فيه مشاعرُ الحب المتبادل والاحترام والتعاطف والتراحم: “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عظَيِمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَهُ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخِصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَشَهْرٌ يُزَادُ فِي رِزْقِ الْمَرْءِ فِيهِ”. (رواه البيهقي وابن خزيمة وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية واللفظ له).
ومن فضائل شهر رمضان الذي يرزقنا الله فيه من فضله على المستوى المادي والإيماني، أننا نشعر بنعم الله علينا، قد يغفل الإنسان عن النعم التي أنعمها الله عليه لما تعوَّدت عليه عيناه من مشاهدة كمال خلق الله، فيعتاد تدريجيًا على الآيات الرائعة من حوله.
يرفع غطاء الغفلة عن عينيه في رمضان، فيصبح أكثر وعيًا بنعم الله عليه ويزداد إدراكًا لقوته وعظمته.
حين يرى أنواع النعم على مائدة الإفطار، الفواكه المختلفة والخضراوات المتعددة، شهية الطعم وزكية الرائحة، تنبت من تربة واحدة، وكذلك المنتجات الحيوانية المختلفة، فيزداد إعجابًا بخلق الله البديع.
تتراءى له المعجزات في الفاكهة الصفراء، والتفاح الأحمر، والفراولة التي لا تستطيع التكنولوجيا الحديثة مضاهاة رائحتها، وهي تنبت من تربة لا رائحة لها.
عندما يجلس الصائم ليفطر بعد صيام، بالرغم من قِصَرِ الفترة التي حُرِمَ فيها من تلك النعم، إلا أنه يستطيع حينها أن يُقدّر قيمة تلك النعم التي أمامه.
يتذكر خلال شهر رمضان أن الله قادر على أن يخلق لنا نوعًا واحدًا من الطعام – إن شاء – وقادر على أن يكون طعامنا بلا لون ولا طعم ولا رائحة، تمامًا مثلَ التربة التي نبت فيها، ولكن الله برحمته وحبه لعباده أكرمهم بأطعمة متنوعة في الطعم والشكل الجمالي.
وهكذا، يزداد طاعةً وتواضعًا أمام تجليّات أسماء الله الحسنى، الرحمن والرحيم.
وبينما نستمتع بشهر رمضان، الذي يقوّي لدينا التفكر، ويحمل لنا المتع الروحية العديدة، ويسمح لنا بالتقرب إلى الله، نتذكر في هذه الأيام إخواننا في الدين الذين يعانون من الظلم في أنحاء العالم.
نتذكر الأبرياء في الشرق الأوسط، المبتلين، الذين يعانون من الحصار والقصف، نتذكر إخواننا المضطهدين والذين يتعرضون للقتل والاعتداء والإبادة في سوريا وفلسطين والعراق وأفغانستان وميانمار وكشمير وتركستان الشرقية وبتاني ومورو والقرم وأنحاء أخرى من العالم.
علينا أن نتذكر أهميّة الوحدة والتعاون لنجدتهم. إن صور الأبرياء الذين يبادون تحت القصف وجثث الأطفال المرصوصة في صفوف لا تفارق مخيلتنا.
نحن نتذكرهم وندعو لهم على موائد الإفطار، ونجدد نياتنا لفعل كل ما في وسعنا للتعجيل بالوحدة الإسلامية التي ستضمن لهم النجاة.
نسأل الله العلي القدير أن يستجيب دعاءنا. اللهم إنا صمنا حبًّا بك، وأفطرنا حُبًّا بك.
عسى اللهُ أن ينقذ إخواننا الأبرياء الذين لا يغيبون عن بالنا ولا للحظة، عسى الله أن يجنّبَ المسلمين الخلافات والانقسامات ويجمع شملهم.
ندعو الله أن يكرمنا بتوقف إراقة الدماء في أقرب وقت، وتنتهي معاناة الأمة، والبشرية كلها، ويعمّ السلام والأمان.